عندما فكروا فى تطوير وسط القاهرة قبل سنوات كان النموذج أمامهم هو وسط بيروت الذى تحول إلى مكان ساحر بعد دمار الحرب الأهلية أطلقوا عليه «سوليدير»، وهو عبارة عن مكان مخصص للمقاهى والمطاعم وغير مسموح فيه بمرور السيارات والمركبات من أى نوع.
وقريبا من ذلك فعلوا فى القاهرة الخديوية، حولوا وسط القاهرة الغارق فى الغبار والعشوائية إلى مكان محترم يقصده الباحثون عن جولة على الأقدام، وجلسة بسعر اقتصادى على مقهى، دون أن يعطل ذلك حركة السير ولا عجلة الإنتاج، أو يخدش حياء وسط المدينة وهدوئه.
فى هذا المكان عاد شباب مصر إلى السياسة وانشغل بالهم العام، وتجمع النشطاء من كل الحركات السياسية الجديدة، وتحولت مقاهى وسط المدينة وخصوصا مقهى البورصة إلى ملتقيات سياسية واجتماعية، ولم يحدث أن هوجمت هذه المقاهى وتم اقتحامها فى العهد الساقط، حتى داهمتنا أنباء الهجوم على قهوة البورصة ليلة خروج الأهلى من بطولة كأس مصر، لتندلع بعدها التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعى، تهاجم قوات الأمن على قرارها بالتدخل الذى وصفه نشطاء بالعنيف فى شئون المقاهى.
وبسرعة تحول الأمر من إجراءات خاصة بتنظيم المرافق وأعمال للبلدية، إلى قضية سياسية محتدمة، حيث اعتبر البعض أن الهدف من هذه الحملة ليس إزالة الإشغالات ومخالفات التعدى على الطريق، وإنما هو أماكن تجمع النشطاء السياسيين فى إطار ما عرف بسياسة تجفيف منابع التحرك السياسى ضد الحكومة وقرارات المجلس العسكرى، وفى لمح البصر انتقلت المعركة إلى صفحات «تويتر» و«فيس بوك» وتناولته الصحف، كل من زاويته، فالصحف الحكومية اعتبرتها حملة لإعادة الانضباط إلى الشارع المصرى والقضاء على العشوائية، فى حين رأت فيه بعض الصحف المستقلة خلطا للشيشة بالسياسة، من خلال استخدام قرارات البلدية لتنفيذ أجندات سياسية وأمنية.
وباختصار تأتى موقعة قهوة البورصة ضمن سلسلة من الأحداث التى تقع فى مصر ملفوفة بالغموض والضباب، اتساقا مع مبدأ انعدام الشفافية والوضوح الذى يحكم مصر الآن، وهو ما يجعل الناس يقارنون بين هذه الصرامة والحسم فى التعامل مع مقاهى النشطاء بوسط المدينة السياحى، وبين الوداعة وغض الطرف عن أماكن أخرى، منها على سبيل المثال كبارى الطريق الدائرى العلوية التى افتتحت فوقها بعض المقاهى والغرز الليلية دون أن تمتد إليها قرارات محاربة العشوائية وتحقيق الانضباط على الرغم مما تحمله هذه الأوكار من مخاطر مرورية وأمنية.
ومن الأمثلة الصارخة أيضا على التعديات السافرة التى تتحدى الجميع محطة مترو حلوان التى لا تزال تحت احتلال الأكشاك العشوائية المخالفة، رغم ما قيل عن حملات مكبرة وموسعة لرفع علم الدولة المصرية فوقها، ومثلها كثير من البؤر المخالفة على أطراف القاهرة الكبرى، تهدد العابرين بالهلاك كل يوم.
إن أحدا ليس ضد الانضباط، غير أن المسألة تبقى فى حاجة إلى قليل من الشفافية والوضوح والبدء بالأخطر والأكثر تهديدا للحالة الأمنية، والأهم من ذلك كله ألا تتحول المسألة وكأننا نمارس السياسة فوق سيارات البلدية.
مقالات وائل قنديل
مصر تبحث عن دجاجة تنازلاتى فى كوبنهاجن ممارسة الديمقراطية فوق دراجة سلفية كوبنهاجن وسلفية إسكندرية الثلاثة (يشتغلون) الثورة آسف يا تحرير شهادة المشير وتصحيح المسار هذا وكان فى استقبال سيادته بالقفص.. المرحلة (الانتقامية) من الثورة المصرية أنزلوا على سالم من فوق سفارة العدو