وكأنه لم يتبق إلا أن يطالبوا شهداء ثورة 25 يناير ومصابيها بالاعتذار لحسنى مبارك وابنيه وباقى أفراد العصابة.
المشهد أمام قاعة المحكمة أمس الأول لم يكن عفويا ولا تعبيرا عن حالة انفلات أمنى، بل كان مرتبا ومنظما ومصنوعا بحرفية عالية، وتعبيرا عن حالة انتباه ودقة فى الإخراج، بحيث يبدو الأمر وكأن مصر مقسومة إلى نصفين: نصف مع الشهداء، والآخر مع القتلة بحسب وقائع الاتهام.
والذين يحكمون السيطرة التامة على صينية ميدان التحرير، بحيث لا تدخلها بعوضة أو تخرج منها إلا بإرادتهم، من العبث والغفلة أن يصدق أحد أنهم غير قادرين على ضبط الأمور خارج أسوار قاعة المحاكمة، وداخلها أيضا، وخصوصا أن السيناريو ذاته تكرر للمرة الثالثة على التوالى، وقابل للاستمرار اليوم، رغم كل ما قيل وكتب فى المرتين السابقتين عن مظاهر الفوضى المقصودة والاشتباكات التى تجرى برعاية رسمية أثناء الجلسات.
ولا معنى لحالة التساهل الأمنى مع المعتدين على أسر الشهداء والضحايا إلا أن هناك من يريدها مشتعلة طوال الوقت، رغم أن واجبه وإمكانياته يحتمان ألا نرى حرب الشوارع هذه فى كل مرة تنعقد فيها المحكمة، وكأننا أمام حالة مساواة قسرية بين الجانى والمجنى عليه.
وهذا الذى رأيناه وسنراه كثيرا يضع شراكة المجلس العسكرى فى الثورة أو حمايته لها كما قالت بذلك كل البيانات والتصريحات الصادرة عنه على المحك، ويدخلها فى اختبار عملى لا يحتمل أنصاف الإجابات، ذلك أن الشراكة فى الثورة لها متطلبات وعليها استحقاقات، ولا يستقيم أن يتحول الشريك أو الوكيل فى لحظة إلى وسيط أو طرف محايد، يكتفى بالفرجة على النصف الآخر فى عقد الشراكة وهو يهان ويضرب وتتعرض حقوقه للضياع دون أن يحرك ساكنا.
إن المنطق الأخلاقى، أو حتى المعيار التجارى مادمنا نتحدث عن عقد شراكة، يحتم أن تكون هناك علاقة تضامنية بين طرفى العقد دفاعا عن هذه الثورة، وأظن أن الشهداء الذين سقطوا برصاص الأمن فى ميادين مصر هم شهداء هذه الثورة، أى أن أمرهم يخص كل الشركاء فيها، أى شهداء الشعب المصرى وشهداء المجلس العسكرى أيضا وليسوا شهداء أسرهم فقط، وعليه لا يجوز أن يقف طرف على الحياد.
غير أن هذا التدليل والتبجيل الذى يتمتع به المتهمون بقتل الثوار، فى مقابل التجهم والتعنت مع أسر الشهداء والمتعاطفين معهم يثير الشكوك فى مدى جدية وإيمان أحد الطرفين بعقد الشراكة التى أصر على أن يدخل فيها.. خصوصا مع مشاهد أداء التحية والخدمة السياحية فى قفص الاتهام الفندقى للمتهمين، وإذا مضت الأمور على هذا النحو لن يكون مفاجئا أن يذاع خبر وصول الرئيس المخلوع إلى المحكمة بالصيغة التالية «هذا وكان فى استقبال سيادته لحظة تفضله بدخول القفص وإطلاق إشارة بدء المحاكمة لفيف من كبار المسئولين» ورحم الله صلاح عبد الصبور حين قال:
هذا زمن الحق الضائع.
لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله
رؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك
يامن ضعت فى زمن الحق الضائع»
مقالات وائل قنديل
المرحلة (الانتقامية) من الثورة المصرية أنزلوا على سالم من فوق سفارة العدو