لكى لا ننسى.. لولا ثورة 25 يناير العظيمة لما كان عصام شرف رئيسا لحكومة مصر، كان سيكتفى بعمله الأكاديمى أو أشغاله الخاصة..
ولولا هذه الثورة ولولا جموح غضب الثوار لبقى على السلمى مكتفيا بإدارة تلك المدرسة الخاصة، أو محتفظا بموقعه خلف السيد البدوى شحاتة فى حزب الوفد، صامتا على اغتيال صحيفة أو الدخول فى صفقة مقاعد انتخابية.
ولولا الثورة والثوار لبقى وزير الإعلام أسامة هيكل رجلا ثانيا فى صحيفة السيد البدوى يستشار إعلاميا من قبل بعض الوزارات أحيانا، أو يدير صالونا ثقافيا فى دار الأوبرا المصرية فى أحيان أخرى.
غير أن المفارقة المدهشة أن الثلاثة الذين وضعتهم الثورة فى صدارة المشهد هم أكثر من يكيلون لها الضربات الآن، ويتعاملون معها باعتبارها عبئا أو هما ثقيلا تنوء بحمله أمزجتهم وأدمغتهم، فالسيد عصام شرف الذى جاءت به الثورة إلى الأضواء، يواصل سياساته العجيبة التى تفتقر إلى الحد الأدنى من أداء حكومة ثورة، حتى أن الذين هتفوا باسمه رئيسا للوزراء بديلا لرئيس وزراء حسنى مبارك الأخير (أحمد شفيق) يعضون أصابع الندم على ذلك الاختيار الآن.
و قد أفاض كثيرون ومنهم كاتب هذه السطور فى أن عصام شرف يعانى من مشكلة وجودية خطيرة، ذلك أن أحدا لا يعلم أين يقع عصام شرف على خارطة الحكم فى مصر بالتحديد، ومن أين تبدأ حدود المساحة التى يتحرك فيها وأين تنتهى، وما هى حدود علاقته بالمجلس العسكرى، هل هو رئيس للوزراء وموصل جيد لطموحات المواطن أم طبقة عازلة بين مطالب الشعب وبين المجلس العسكرى الحاكم.
إن الناس يتساءلون منذ فترة أين عصام شرف، بل بعضهم يسأل هل هو موجود أصلا ؟
أما السيد على السلمى الذى يفترض أنه نائب لرئيس الحكومة فإنه يظهر أكثر كنائب للسيد البدوى شحاتة فى حزب الوفد، ومع ذلك تبدو الطريقة التى يعبر بها السلمى عن تبرمه من ارتفاع سقف المطالب الثورية وكأن الرجل لم يمر يوم على حزب معارض بحكم التاريخ والنشأة، والدليل تلك الحالة من الغضب الصادر عن شباب حزب الوفد الذى يحرص على البقاء فى معسكر الثورة، وأيضا تجميد عضوية أعضاء بارزين فى الحزب الذى «يصف» الآن مع معسكر الذين ضجوا بالثورة وضاقوا ذرعا بمطالبها.
ويمكنك أن تقول أكثر من ذلك فى وزير الإعلام القادم أيضا من حزب السيد البدوى، والذى يبدو كمن قرر إعادة الإعلام إلى حظيرة محددة المساحات ومنخفضة السقف، وذلك من خلال القرارات والشروحات الفضفاضة الصادرة بشأن السيطرة على الأوضاع الإعلامية الآن، وكلها قرارات تشبه كثيرا تلك الإرادة الشعبية المطاطية، تبدو فى حالة كمون وانكماش لكنها فى لحظة يمكن أن تتمدد وتتمطى لتبتلع كل المتاح من مساحات حرية إعلامية.
والمتابع لتصريحات وزير الإعلام يستشعر أن الرجل انفصل عن مداره كمسئول فى الحكومة، وأصبح أقرب إلى المتحدث باسم المجلس العسكرى، على نحو يشى بأنه أكبر من وزير إعلام مرءوس لعصام شرف، ولعل تقريعه للمحتفين بالشاب أحمد الشحات ما يشير بوضوح إلى ذلك.
ويصلح تبرير حكومة عصام شرف لقرار تفعيل قانون الطوارئ مرة أخرى نموذجا لهذه القرارات المطاطية التى يمكن أن تتسع ويرتفع سقفها أحيانا، لكنها فى لحظة تنقض وتطبق على رقبة البلاد والعباد، لتخنق كل مساحات البراح.. وتشعل النار فى الثورة.
مقالات وائل قنديل
آسف يا تحرير شهادة المشير وتصحيح المسار هذا وكان فى استقبال سيادته بالقفص.. المرحلة (الانتقامية) من الثورة المصرية أنزلوا على سالم من فوق سفارة العدو