أثناء اجتماع لمجلس السلام والأمن فى جامعة تل أبيب، قال مئير دجان رئيس الموساد السابق إن الحكم فى مصر لم يتغير، وإن الذى تغير هو الحاكم فقط. وتطرق إلى المستقبل فى مصر وما يشاع عن احتمالات وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة قائلا: إن الشارع المصرى يموج بالحركة حقا لكن الإخوان لن يصعدوا إلى سدة الحكم، لأن خطوة من ذلك القبيل من شأنها أن تجلب لمصر مصاعب شديدة فى السياسة الداخلية، فضلا عن أن المجلس العسكرى لن يسمح بذلك.
هذا الكلام مقتطف من تقرير نشرته صحيفة «هاآرتس» فى 4/10 تضمن خلاصة للآراء التى أبداها رئيس الموساد السابق فى ذلك اللقاء، وقال فيها إن الخطر العسكرى الذى يهدد إسرائيل فى المستوى الأدنى من التاريخ، وإنها فى وضع استراتيجى جيد، وتنبأ بأن الرئيس بشار الأسد سيواصل أعمال القمع العنيفة فى سوريا. كما أبدى اعجابه بالذكاء السياسى لرئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، ودعا إلى استبعاد الخيار العسكرى فى التعامل مع إيران فى الوقت الراهن.
السمة العامة لما تنشره الصحف الإسرائيلية من تعليقات على ما يجرى فى العالم العربى، إنها تنظر إليه باستعلاء وازدراء شديدين. وما وقعت عليه منها على الأقل يكاد يجمع على أن العالم العربى ليس مهيأ للديمقراطية وأن المسلمين يؤمنون بحكم الفرد الذى هو جزء من عقيدتهم. وهذا الإيمان يشترك فيه المتدينون والعلمانيون. ففى المقال الافتتاحى لصحيفة يديعوت أحرونوت (14/9) كتب آمنون شاموش يقول محذرا مما سماه «الوهم الغربى والإسرائيلى» بأن العالم العربى متجه صوب الديمقراطية، مدللا على ذلك بأنه: فى أكثر البلدان المسلمة، ومنها العربية، يوجد وكان وسيكون نظم حكم فردية برلمانية، تختلف عن الديمقراطيات المعروفة فى العالم، وفى رأيه أنه ليس صحيحا أن هناك ربيعا عربيا، لأن ما تشهده هو مجرد ثورة عربية. وحتى إذا رفعت الثورة شعار الديمقراطية، فإنها ستنتهى بعد سنين من الاضطراب إلى حكم فرد يرتب من جانبه انتخابات «حرة» تأتى ببرلمان يناسب الحاكم. وإذا لم يتحقق ذلك فإنه سيفضى لإجراء انتخابات جديدة «ديمقراطية» أيضا تحقق للحاكم مراده.
الفكرة ذاتها عبر عنها آرى شبيط فى مقال نشرته هاآرتس فى 15/9. حين قال إن الربيع العربى ليس سوى كارثة عربية، حيث نتيجته أن حياة مئات الملايين من العرب ستصبح أصعب مما كانت. حيث سيكون هناك فقر أكثر وجريمة أكبر وخوف أشد فى الشوارع وقدر أكبر من قمع النساء ومطاردة الأقليات وكراهية الغرب.
خلاصة الكلام أنه لا أمل فى العالم العربى، الذى يرى أمثال هؤلاء الكتاب الإسرائيليين أن التعاسة قدره المحتوم. وان الاستبداد كامن فى ماضيه وحاضره بل ومستقبله أيضا، وهى رؤية لا تعبر عن الاستعلاء والازدراء فحسب، وإنما هى تميل إلى تصوير العالم العربى كما يتمنونه، الذى تظل إسرائيل فيه شعب الله المميز والمختار. إضافة إلى أنها تقرأ الإسلام والمسلمين بأعين المستشرقين الذين روجوا لفكرة الاستبداد الشرقى والحاكم الذى ينطق بأمر الله وحكمه.
يلفت النظر فى هذا المنطق أن أصحابه لم يلقوا بالاً للملايين التى خرجت فى أنحاء العالم العربى، وقدمت الكثير من التضحيات، فى التعبير عن شوقها للحرية والديمقراطية. كأن الناس كانوا ضد أشخاص الحكام فقط وليسوا ضد الاستبداد والطغيان. وإذا صح أن الأنظمة لم تتغير كثيرا فى مصر وتونس مثلا، فمن الخطأ اعتبار ذلك وضعا نهائيا، لأن الطابع السلمى الذى اتسمت به الثورتان استدعى إقامة فترة انتقالية تمهد للتقدم صوب النظام الديمقراطى المنشود. وهذا ما لا تريده إسرائيل ولا تتمناه، لأن أى نظام وطنى حقيقى فى العالم العربى خصوصا فى مصر لابد أن يكون مشتبكا مع الغطرسة والعربدة الإسرائيليتين.
لا أعرف مصدر الثقة التى تحدث بها رئيس الموساد السابق عن التعبير الحاصل فى مصر، وكونه طال الحاكم فقط ولم يشمل الحكم، ثم قوله إن المجلس العسكرى لن يسمح للإخوان بكذا أوكذ، الأمر الذى أعاد إلى ذهنى التساؤل عن طبيعة ومضمون التعهدات التى قدمها الرئيسان السابقان السادات ومبارك لطمأنة إسرائيل فى الحاضر والمستقبل. وهو تساؤل سيظل معلقا على جدران مصر حتى يقيِّض لنا الله من يكشف لنا عن إجابته، لكى نفهم حقيقة القيود التى تكبلنا وتجعل الإسرائيليين يتحدثون عن مستقبلنا بهذه العجرفة والصفاقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات فهمى هويدى
دعوة لوقف إطلاق النيران هديتنا للثورة المضادة هل وقعنا فى فخ؟ عقولنا معهم وضمائرنا عليهم لم يكن مقنعًا ولا ناجحًا