هل وقعنا فى فخ نصب لنا؟ وهل تصبح موقعة ماسبيرو لغزا يضاف إلى قائمة الوقائع التى صدمتنا أثناء ثورة 25 يناير ولم نعرف لها مصدرا حتى الآن، مثل القناصة الذين كدنا نقتنع بأنهم هبطوا من السماء، والآمر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين الذى لايزال شبحا معدوم الهوية.
لقد قيل لنا إن المسلمين هدموا كنيسة فى قرية الماريناب بمحافظة أسوان وأجبروا الأقباط على انزال الصليب من فوقها، وان جموع المسلمين شرعوا فى هدم بقية كنائس المحافظة، وذاعت الأخبار بسرعة البرق فى أرجاء مصر وخارجها، الأمر الذى وتر أجواء البلد وأثار الأقباط، ودفعهم إلى الإعلان عن خروج مسيرة احتجاجية لتوصيل رسالة الغضب إلى مقر التليفزيون فى ماسبيرو. وهى المسيرة السلمية التى انطلقت بعد ظهر الأحد 9/10، وانتهت بالفاجعة التى تحدثت بها الركبان، وأدت إلى قتل 25 مواطنا وإصابة أكثر من مائتين. كما أنها أحدثت جرحا عميقا وداميا فى الوجدان المصرى، وأصابت بالتصدع علاقة الجيش بالمجتمع والأقباط بوجه أخص. ولاتزال تداعيات الحدث وأصداؤه تترى إلى الآن. كما أن جهود المجلس العسكرى لاحتواء الأزمة واسترضاء الغاضبين وترطيب جوانحهم تتجلى يوما بعد يوم.
لاحقا، بعدما وقعت الفأس فى الرأس، بدا أن الأمر فى الماريناب مختلف عما صور لنا فى القاهرة، وأن المشكلة لم تكن هناك، لكنها كانت هنا فى العاصمة. إن شئت الدقة فقل إن المسألة كانت «حبة» فى الماريناب لكنها تحولت ليس فقط إلى «قبة» فى القاهرة، وإنما صارت قنبلة مدوية وشديدة الانفجار.
فى 13/10 نشرت صحيفة الوفد كلاما على لسان أسقف أسوان، الأنبا هيدرا، نقلا عن مقطع فيديو بثته قناة «الكرامة» التليفزيونية القبطية، مما قاله الأنبا هيدرا أن الكنيسة المشار إليها كانت فى الأساس عبارة عن بيت قديم مملوك لواحد من الأقباط، تعارف المسيحيون من أهالى القرية على أن يؤدوا فيه صلواتهم وشعائرهم. وبعدما أصبح المبنى متهالكا وآيلا للسقوط، فإن كاهن الكنيسة القمص مكاريوس استغل علاقاته الطيبة بجهاز الإدارة واستخرج رخصة بإحلال وتجديد المكان لتقوم مكانه كنيسة مارجرجس. أزال القمص مكاريوس المبنى القديم وشرع فى إقامة المبنى الجديد، لكنه تجاوز الارتفاعات المقررة، وحينئذ تدخلت الإدارة الهندسية وطلبت منه إزالة الارتفاع غير القانونى، ولم يطلب منه أحد إزالة الكنيسة.
ذكر أسقف أسوان أيضا أن أناسا من خارج القرية جاءوا لزيارة أقاربهم فيها أثناء عيد الفطر واستغربوا وجود الكنيسة التى لم يروها من قبل، وبدأوا فى إثارة الأهالى من المسلمين. لكن قوات الأمن استطاعت تهدئة الموقف بحيث لم يتمكن أحد من المساس بمبنى الكنيسة، وكل ما حدث أنه فى أعقاب ذلك طلبت الإدارة الهندسية إزالة الارتفاعات غير القانونية. وظل المبنى الأساسى كما هو.
يوم السبت الماضى 15/10 أجرت صحيفة أخبار اليوم استطلاعا حول الموضوع، تضمن حوارا مع محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد. لم تختلف المعلومات المنشورة فى جوهرها عما قاله الأنبا هيدرا. ولكن المحافظ أضاف بعض التفاصيل التى منها أن القرية يعيش فيها 40 أسرة قبطية وسط 50 ألف مسلم. منها أيضا أن راعى الكنيسة حين تجاوز الارتفاع القانونى المصرح به. فإنه بنى أربعة قباب على المنزل الذى ظل يوصف بأنه «مضيفة»، وعندما أثار ذلك انتباه الأهالى فإن الرجل تفهم الموقف وهدم ثلاثا منها. ولكن بعض الشبان ارتكبوا خطأ حين قاموا بهدم القبة الرابعة. وحدث اشتباك مع الأقباط جراء ذلك، أحرقت فيه بعض إطارات الكاوتشوك، فى حين لم تحدث أى أضرار بالمبنى. ولكن تمت السيطرة على الموقف بسرعة، وتم إلقاء القبض على ثمانية من الشبان المسلمين وستة من الأقباط، وأحيل الجميع إلى النيابة العامة التى أطلقت سراحهم بعد التحقيق معهم. وقد عاد الهدوء إلى القرية، لكن الحدث استغل إعلاميا وتم توظيفه فى القاهرة على النحو المأساوى الذى شهده الجميع.
إذا صحت هذه المعلومات فهى تشككنا فى دوافع استثمار الحدث لإطلاق تظاهرة القاهرة، مع إقرارنا بخطأ إقدام الشباب المسلم فى الماريناب على هدم القبة الرابعة التى أقيمت بالمخالفة للقانون. الأمر الذى يثير اسئلة كثيرة حول مختلف التداعيات التى حدثت بعد ذلك. وكان كل منها أسوأ من الآخر. إذ بعدما تحولت الحبة إلى قبة وصارت القبة قنبلة انفجرت فى وجوه الجميع، فإنها أصابتنا جميعا بتشوهات حاصرتنا فى الحدث وحجبت عنا رؤية المستقبل. فنسينا شعار الفقراء أولا، وصارت كل المنابر الإعلامية تهتف: قانون العبادة الموحد أولا!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات فهمى هويدى
عقولنا معهم وضمائرنا عليهم لم يكن مقنعًا ولا ناجحًا ليتكلم المشير ويعتذر للثقافة (فلول) أيضًا أعطى صوتى لماركو فلوس وفلول