أدعو المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى لأن يخرج عن صمته ويخاطب الرأى العام مباشرة، فى أمرين مهمين للغاية هما: إعلان براءة المجلس والجيش من المذبحة التى وقعت يوم الأحد الماضى 9/10 وقتل فيها 24 مواطنا مصريا ــ والاعتذار لأقباط مصر وشعبها باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسئول عن إدارة البلد عن الجريمة التى وقعت، باعتبار أن ما جرى يمثل نكوصا عن العهد الذى قطعه الجيش على نفسه من البداية بألا يطلق رصاصة على صدر أى مصرى كائنا من كان.
لقد استشعرت وخزا حين قرأت على موقع التواصل الاجتماعى (تويتر)، قول من قال إن الجيش لم يخلف وعده. لأنه ظل ملتزما بقرار عدم إطلاق الرصاص على المصريين، لكنه لم يعد بأن يمتنع عن دهس الناس بالمدرعات، اعتبرت ذلك هزلا فى موضع الجد. وغمزا لا يجوز فى قناة الجيش الذى له فى أعماق المصريين مكانة رفيعة ينبغى ألا تخدش، حتى إذا كان ذلك على سبيل التندر البرىء.
معلوماتى أن أعضاء المجلس العسكرى فوجئوا بما حدث، وصدمتهم الأخبار التى حدثت عن أعداد القتلى والمصابين. وقد لا أبالغ إذا قلت إن حالة الارتباك والحيرة أصابتهم، جراء تلك المفاجأة، حتى إنهم قضوا تلك الليلة فى اتصالات ومشاورات استهدفت التثبت من المعلومات والشائعات التى راجت بخصوص وقائع الحدث وتفصيلاته. وهى ذاتها الصدمة والمفاجأة التى أربكت المصريين جميعا، الذين لاتزال وقائع الحدث غامضة فى أذهانهم، وإن ظلت نتائجه غير قابلة للتصديق.
بوجه أخص فثمة نتائج ثلاث برزت حتى الآن هى:
● أن المذبحة أدت إلى ترويع الأقباط المصريين، الأمر الذى عمق من الشرخ الحاصل فى نسيج الوحدة الوطنية وثبت من فكرة المظلومية التى يروج لها البعض فى أوساطهم.
● أن الدماء التى سالت لوثت صفحة الجيش ولطخت نقاءها، لأن المذبحة نسبت إلى مدرعات القوات المسلحة، التى هى مصدر اعتزاز كل المصريين، الأمر الذى يفرض على المجلس العسكرى أن يسارع إلى غسل يده مما جرى، ليس عن طريق طمس المعلومات والتستر عليها، ولكن من خلال تبيان الحقائق والاعتراف بالأخطاء التى أوصلت الأمر إلى ما وصلت إليه، وعدم التردد فى محاسبة المسئولين عن تلك الأخطاء.
● إن أداء الإعلام الرسمى ممثلا فى التليفزيون على وجه التحديد كان بائسا، من حيث إنه بدا مفتقرا إلى النزاهة والمهنية، حتى أزعم أنه كان محرضا منذ اللحظات الأولى، حين استهل تغطيته للحدث بالإشارة إلى أن الأقباط قتلوا أربعة من رجال القوات المسلحة، وظل تناوله للموضوع موحيا بأن ثمة اشتباكا بين الأقباط والجيش. إلى الحد الذى دفعه إلى استنفار الجماهير (المسلمة فى هذه الحالة) لحماية الجيش من الاعتداء الذى يتعرضون له وللأسف فإن الصحف التى صدرت أمس (الثلاثاء 11/10) شغلت بالتنديد بالحدث وبالتنظير للمشكلة ولم تنشغل بتحرير حقائق ما جرى. وترتب على ذلك أننا تبادلنا الشعور بالحزن والحسرة لكننا لم نفهم شيئا مما حدث.
من ناحية أخرى، فإن الأداء السياسى كان باهتا بدوره، ذلك أن كل ما فهمناه من بيان رئيس الوزراء ومن تعليقات ضيوف البرامج التليفزيونية الحوارية أن مصر مستهدفة وأن ثمة أيادى مجهولة تحاول العبث بها لإسقاط نظامها، وأن مجلس الوزراء شكل لجنة للتحقيق فى ملابسات الحادث. والحجة الأولى هشَّة وغير مقنعة، لأن مصر الراهنة لا تخيف أحدا ولا تزعج حتى أعدى أعدائها، ولا أعرف ما هو البلد أو الجهة التى تشغل نفسها باستهدافها وهى فى وضعها الراهن. خصوصا أن أبناءها بإضراباتهم والفوضى التى يثيرونها يقومون بأكثر مما يطمح إليه الذين يستهدفونها. أما الحجة الثانية فهى محبطة لأننا اعتدنا على الهروب من المشاكل بتحويلها إلى لجان للتسويف فيها وإماتتها.
لقد درجنا على أن نعلق أخطاءنا على مشجب الأيادى الأجنبية الخبيثة، وهى المقولة التى فقدت معناها لكثرة تكرارها، ورغم أننا لا نشك فى وجود تلك الأيادى، إلا أننا حين نسارع إلى اتهامها فى كل مرة دون دليل، فإن الناس لن يثقوا فى صدق ما ينسب إليها.
إن الوقت دقيق والمشاعر متأججة ومستنفرة، وانتظار التحريات والتحقيقات يستغرق وقتا هو ليس فى صالحنا. لذلك فإن مسارعة رئيس المجلس العسكرى إلى مخاطبة الرأى العام بما يطمئن الناس على إخوتهم ووطنهم وجيشهم، مثل هذه الخطوات تبدو عاجلة وملحة. بل إنها أكثر من ضرورة فى الظرف الراهن ــ لنا كلام آخر حول أسئلة الحدث غدا بإذن الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات فهمى هويدى
للثقافة (فلول) أيضًا أعطى صوتى لماركو فلوس وفلول مجرمون وقتلة