المفترض أن ثورة 25 يناير قامت لإسقاط نظام حسنى مبارك، بكل رموزه بمن فى ذلك أحمد شفيق صديق المخلوع وصفيه ورئيس حكومته الأخيرة، التى أسقطها الشعب المصرى باحتشاده فى كل الميادين.
والمفترض أيضا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة دخل على خط الثورة التى أنجزها الشعب المصرى ودفع ثمنها وحده، طارحا نفسه كحام للثورة، ومدير لشئون البلاد مؤقتا، وهو ما يعنى أن المجلس العسكرى اعترف وأقر تصريحا بأن هذه كانت ثورة، وليست عملية تجميل سريعة، أو عملية إصلاح عابرة.
من هنا تأتى صدمة صورة أمس الأول التى حل فيها رئيس حكومة مبارك المخلوع أحمد شفيق ثالثا فى الترتيب بعد المشير طنطاوى والفريق عنان، لكن الصدمة الأكبر فى اللحظة التى يتم فيها ترويج الصورة ونشرها على أوسع نطاق، ذلك أنها تجيىء فى ظرف عصيب يعتصم فيه المصريون بالآلاف فى كل الميادين احتجاجا على البطء المتواطئ أحيانا، مرددين هتافات ضد المجلس والمشير، مطالبين بتطهير البلاد من روث النظام الساقط.
ولذا لا يمكن اعتبار صورة شفيق مع المجلس أول من أمس مجرد لقطة عادية، بل هى كاشفة وشديدة الدلالة وربما تحمل رسائل وإشارات لمن يهمه الأمر، وهو هنا عشرات الآلاف من المعتصمين الذين يستعدون لمليونية أخرى صباح اليوم الثلاثاء يعلنون فيها إصرارهم على مواصلة طريق الثورة والتغيير الشامل.
إن إقحام اسم شفيق فى الاستطلاع الكوميدى لمرشحى الرئاسة المحتملين على فيس بوك كان صدمة، لكن الاحتفاء به على هذا النحو وهو فى نظر الشعب «ثورة مضادة» جاء أشبه بالصاعقة.
والمدهش فى الأمر أن الرسالة تأتى فى وقت لم تكن فيها الفجوة واسعة بين الثوار والمجلس العسكرى على هذا النحو الذى نشهده الآن، بما يحمل معه نذر مواجهة بين الطرفين، وبالتالى لا يمكن التغاضى عن محاولة قراءة كلام الصورة الصادرة من الاحتفال العسكرى أمس، فى سياق تصريحات وتلميحات وتسريبات صادرة عن المجلس العسكرى يمكن أن توصف بأنها مؤججة لمشاعر الغضب لدى الثوار المعتصمين، وحسب ما نشرته «الشروق» لمحررها العسكرى أمس على لسان «مصدر مطلع» فإن المجلس العسكرى بصدد عقد لقاءات مع القوى السياسية وسوف يصدر بيانات تؤكد تأييد الجيش للثورة.
كلام جميل وفيه إصرار على الخلط بين المجلس العسكرى والجيش، ويمكن اعتباره نوعا من الاتجاه نحو التهدئة، غير أن الفقرة التالية له مباشرة تظهر فيها «العصا» بعد التلويح بالجزرة فيما سبق، ذلك أن المحرر العسكرى ينقل عمن وصفهم بخبراء عسكريين أن رؤية المجلس العسكرى لما يحدث فى ميدان التحرير أنه فوضى وليس اعتصاما أو إضرابا، بل ودخل فى طور الثورة المضادة.
والخبراء العسكريون هنا هم مجموعة من اللواءات المتقاعدين، وعلى حد فهمى فإن هؤلاء لا ينطقون عن الهوى فى هكذا أمور، وإن كنت أتمنى لا يكون هؤلاء معبرين عن رأى المجلس العسكرى، وإلا سنكون أمام خطاب تصعيدى غير مسئول يدفع المسألة إلى مواجهة وصدام بين الشعب والقوات المسلحة.
إن ما يجرى فى ميدان التحرير وميدان الأربعين والقائد إبراهيم وكل الميادين المصرية هو صمود شعبى باسل من أجل استكمال ثورة كاملة الأوصاف الثورية، ولا يظن أحد أن الذين خرجوا دفاعا عن حقوق مئات الشهداء، سيهتزون ويمتلئون رعبا ويعودون إلى بيوتهم لمجرد أن خبيرا عسكريا متقاعدا لوح لهم بالعصا.
المزيد من المقالاتثوار أم لصوص موتوسيكلات؟ القضية السورية قضية شعب ووطن وتاريخ.. لا يملك احد حق التصرف بها تحية إلى الإخوان