حين يختفى أحد رموز التطرف والإرهاب من الوجود فذلك خبر سار لا ريب. لكن الأمر سوف يختلف حين ندرك أن الحكومة الأمريكية هى التى صنفت صاحبنا إرهابيا وقررت إعدامه دون محاكمة، فتعقبته فى بلده إلى أن قتلته فى نهاية المطاف. ثم إنها وهى تستهدفه لكى تجهز عليه قتلت معه ستة آخرين. وهو ما يطرح على الضمير الإنسانى السؤال التالى: هل تعد هذه عدالة دولية، أم إجراما وإرهاب دولة؟ والسؤال يستدعى آخر هو: ماذا لو لجأت كل دولة أو جماعة إلى تصفية كل من اقتنعت بأنه يستحق القتل، أيضا دون تحقيق أو محاكمة من أى نوع، فيفعلها الفلسطينيون مع قاتليهم الإسرائيليين، والجزائريون مع الفرنسيين والهنود مع الإنجليز، والعراقيون والأفغان وقبلهم الفيتناميون مع الأمركيين، وكل مقهور آخر مع من قهره وحاول تدمير حياته ومستقبله.
فى أخبار الجمعة 29/9 أن الزعيم الروحى لتنظيم القاعدة فى اليمن ومؤسس قاعدة الجهاد فى جزيرة العرب أنور صالح العولقى (40 سنة متزوج ولديه خمسة أبناء) قتلته طائرة تجسس أمريكية بدون طيار، ومعه ستة من رفاقه، فى منطقة صحراوية باليمن، بين محافظتى مأرب والجوف، وكانت الاستخبارات اليمنية قد زودت الأمريكيين بمعلومات دقيقة عن مكان وجود العولقى وتحركاته فى الجوف، حصلت عليها من أحد معتقلى القاعدة. وكان العولقى، اليمنى الأصل والأمريكى الجنسية الذى درس الهندسة المدنية فى جامعة كولورادو قد نجا من ثلاث محاولات سابقة لقتله. وليس ثابتا بحق العولقى الضلوع فى أى عمل إرهابى، لكن عرف عنه أنه ولد فى الولايات المتحدة وعاش فيها طوال 21 عاما، ثم أصبح خطيبا مفوها ومبلغا متميزا يتمتع بروح فكاهية جذبت إليه كثيرين، الأمر الذى أسهم فى انتشار أحاديثه الدينية وشروحه فى بيوت آلاف المسلمين الأمريكيين، وقد ظل الرجل يعتبر نفسه وأمثاله جسرا للتواصل بين الأمريكيين ومليار مسلم. لكن أفكاره تغيرت وانقلبت رئسا على عقب بعدما هاجمت الولايات المتحدة المسلمين فى أفغانستان والعراق بوجه أخص. فأعلن أن الولايات المتحدة كلها أصبحت دولة للشر. واعتبر أن «الجهاد» ضدها صار واجبا شرعيا بعدما اجتاحت بلاد المسلمين وانتهكت حرماتهم (قال إن الجهاد أصبح كفطيرة التفاح الأمريكية وشاى الساعة الخامسة عند الإنجليز).
كان العولقى ممن دعوا إلى البيت الأبيض عقب أحداث سبتمبر باعتباره أحد قادة الجالية المسلمة، ولكنه أصبح خطرا على الأمن العام بعدما تحول إلى مهاجمة الولايات المتحدة وتحريض الشباب المسلم على «الجهاد» ضدها، الأمر الذى انتهى بهروبه إلى اليمن فى عام 2007، فى حين انتشرت أحاديثه وبياناته على شبكة الإنترنت، وذاع صيتها حتى اعتبرته الولايات المتحدة «أكثر الإرهابيين خطورة». وظل طول الوقت فى حماية قبيلة «العوالق» فى «شبوه»، التى رفضت تسليمه إلى السلطات اليمنية للتحقيق معه، إلى أن اكتشف مكانه وتم قتله ومعه رفاقه الستة.
يتحدث البعض عن مغزى التزامن بين عودة الرئيس على عبدالله صالح إلى صنعاء وبين ترتيب أمر قتل العولقى، ويرى هؤلاء أن أجهزة الرئيس اليمنى أرادت بتسريب المعلومات الخاصة بمكان الرجل أن تبلغ الأمريكان أن استمرار الرئيس فى منصبه مفيد لهم، وأنه القادر على إحباط مخططات تنظيم القاعدة والقضاء على كوادرها.
ليس عندى أى دفاع عن آراء الرجل ومواقفه. ولدى اعتراضات قوية على ثلاثة أرباع كلامه على الأقل. لكننى لا أتردد فى القول بأن قتله مع رفاقه الستة بهذه الطريقة هو جريمة بشعة. تعبر عن استمراء للعربدة والاستهتار بالقوانين وبالحياة الإنسانية. إذ لو تم إعدامهم بناء على حكم قضائى أدانهم لربما قلت إنهم نالوا جزاءهم الذى يستحقونه.
لقد أباد الأمريكيون منذ القرن السابع عشر 400 شعب وقبيلة من الهنود الحمر لكى يقيموا دولتهم الكبرى فوق جثثهم وجماجمهم. وتذكر المراجع أن الحجاج الإنجليز الذين رحلوا إلى الأرض الموعودة آنذاك اطلقوا على مستعمراتهم اسم «إسرائيل»، التى بدورها قامت فوق جثث وجماجم الشعب الفلسطينى، ولاتزال إلى الآن سائرة على درب العربدة المجلل بالدم.
لا تكمن المشكلة فقط فى أن غرور القوة يدفعهم إلى إهدار كل القيم التى تقف فى طريق رغباتهم، حتى ما تعلق منها باحترام حق الإنسان فى الحياة، لكنها تكمن أيضا فيما نستشعره نحن من ضعف وهوان يمنعاننا من أن نشير إليهم بأوصافهم الحقيقية، ونعلن على الملأ بأنهم مجرمون وقتلة.
fhoweidy@gmail.com ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات فهمى هويدى
سوريا المسكوت عليها إنسانية وليست إسلامية إنهم يؤجلون الانفجار يوم هرب السفير بليلٍعن اختطاف الربيع العربى