خلال مؤتمر «الصحوة» الذى شهدته فى طهران. كان هناك حضور قوى للافتات التضامن مع المظلومين فى البحرين، ولا ذكر على الإطلاق لمظلومية الشعب السورى. بل إن مجرد ذكر محنة السوريين الراهنة كان يفتح الباب لسجال أثناء المناقشات تعلو فيه أصوات المدافعين عن نظام دمشق باعتباره رائد الممانعة وحامى حمى المقاومة، والمستهدف من قوى الاستكبار المتحالفة مع الصهيونية. حتى حينما قلت إننا مع المظلومين فى البلدين، فإن ذلك لم يعجب المدافعين عن الرئيس بشار الأسد وجماعته، وظللت ألاحق طوال الوقت بالتحفظات والاعتراضات من جانب بعض الإيرانيين المتحمسين وآخرين من الشبان البحرانيين الذين هربوا من بلادهم ولجأوا إلى إيران، حيث انطلقوا منها للدفاع عن قضيتهم بشتى الوسائل.
أكثر ما أقلقنى فى الموقف الإيرانى أنه غلب الحسابات والمصالح السياسية على الموقف المبدئى. إذ ليس سرا أن ثمة تحالفا استراتيجيا بين طهران ودمشق، وأن ذلك التحالف كان له أثره الفعال فى دعم المقاومة الوطنية اللبنانية ممثلة فى حزب الله وحلفائه. كما أنه أسهم فى تثبيت موقف النظام السورى ومساندته فى مواجهة الكثير من العواصف التى تعرض لها. وفى الوقت ذاته فإنه أفاد إيران من زاويتين، الأولى أنه كسر طوق العزلة التى فرضتها عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها، والثانية أنه مكن إيران من أن تلعب دورا مؤثرا فى الخريطة السياسية للعالم العربى.
أهم من ذلك التحالف واسبق عليه أن الثورة الإسلامية فى إيران قامت أساسا ضد الظلم، ولها مواقفها المشهودة فى الدفاع عن المظلومين والمستضعفين، ودفاعها القوى منذ لحظات انتصارها الأولى فى القضية الفلسطينية ينطلق من هذا الموقف المبدئى والأخلاقى. وثورة هذا منطلقها وموقفها ما كان لها أن تسكت على الوحشية والبشاعات التى يتعامل بها النظام السورى مع معارضيه، ليس فقط لأسباب إنسانية وأخلاقية ولكن أيضا لأنهم مسلمون موحدون بالله. تفترسهم بلا رحمة أجهزة النظام و«شبيحته»، وتعاملهم بأسوأ مما يتعامل به الإسرائيليون مع الفلسطينيين. وأشك كثيرا فى أن المسئولين الإيرانيين يجهلون كل ذلك، ويدهشنى للغاية أن يكونوا عارفين، ثم يتجاهلون ويلتزمون الصمت، كما أننى استغرب كثيرا أن يكونوا قد غرر بهم، بحيث صدقوا أن الحاصل جزء من مؤامرات الإمبريالية والصهيونية.
فى هذا المشهد كان واضحا أن كفة المصالح رجحت على كفة المبادئ، الأمر الذى يدعونى آسفا إلى القول بأن ذلك يسحب الكثير من الرصيد الأخلاقى للجمهورية الإسلامية، الذى يفترض أنه أكثر ما يميز انتماءها الإسلامى. لا أنكر أن الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد خفف الصورة بصورة نسبية خلال الأسابيع الماضية، حين قال إن النظام السورى يتعين عليه أن يستجيب لرغبات الشعب، لكن هذا التصريح بدا وكأنه مجرد خط أبيض فى لوحة كبيرة غارقة فى الدم، تواجد حقا لكنه لم يغير شيئا من الصورة.
قلت لمن ناقشنى من الإيرانيين أننى متفق مع كل ما يقولونه عن موقف النظام السورى إزاء القضية الفلسطينية والمقاومة اللبنانية وانحيازه إلى صف الممانعة، وذلك كله مما يحسب له لا ريب. ويمكن أن نعتبره الجزء الملآن من الكوب. لكن الشق الآخر الذى يتعلق بالسياسة الداخلية ويعد القمع الوحشى وغير الإنسانى عنوانا له لا يمكن اغتفاره تحت أى ظرف. ولا ينبغى السكوت على القتل والسحل وتقطيع أوصال المعارضين بحجة الحفاظ على الممانعة والموقف القومى، حيث لا يمكن أن يكون النظام شريفا فى علاقاته الخارجية وقاتلا لشعبه فى الداخل. ومن شأن استمرار هذا المنطق أن يكفر السوريون بالممانعة والمقاومة وبالخط القومى إذا أدركوا أن تلك العناوين ضرورية لتسويغ إذلالهم والاستمرار فى قتلهم بصورة يومية. ولولا أصالة الشعب السورى وصدق انتمائه القومى لأشهر المتظاهرون ذلك الكفر منذ بداية انتفاضتهم قبل ستة أشهر. حيث مبلغ علمى أن الجماهير الغاضبة مع كل تلك العناوين، لكنها أيضا مع الدفاع عن حريتها وكرامتها وكبريائها.
قلت للشبان البحرانيين الذين عاتبونى لأننى لم أكتب عن معاناة أهلهم، أننى متضامن مع مظلوميتهم، وأرى أنهم ينبغى ألا يكفوا عن المطالبة بوقف الانتهاكات التى يتعرضون لها وبحرية الانتخابات، لكنى لا اتفق مع دعوة البعض منهم لإسقاط النظام فى البحرين، حيث ذلك مطلب يتجاوز بكثير السقف الذى تحتمله خرائط منطقة الخليج. ودعوتهم إلى تمثل التجربة الكويتية، التى كانت قد لحقت بالبحرين فى الممارسة الديمقراطية. ذلك أن المعارضة هناك تعمل من خلال النظام وقد تشتبك معه لكنها لم تطرح فكرة تغييره أو إسقاطه. لم أعرف بالضبط مدى اقتناعهم أو استجابتهم لما سمعوه منى، لكننى أرضيت ضميرى وقلت كلمتى ومشيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات فهمى هويدى
إنسانية وليست إسلامية إنهم يؤجلون الانفجار يوم هرب السفير بليلٍعن اختطاف الربيع العربى