روى السفير الإسرائيلى فى مصر إسحاق لفنون قصة الساعات العصيبة التى قضاها أثناء محاصرة المتظاهرين لمقر السفارة ومحاولة البعض اقتحامها. وقال فى حوار نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت (فى 14/9) أنه تابع المشهد عبر شاشة التليفزيون من خلال قناة الجزيرة مباشر، التى بثت تفاصيله ووقائعه على الهواء مباشرة منذ مساء الجمعة وحتى فجر السبت، وحملها فى الوقت ذاته بالمسئولية عن تأجيج الغرئز وإثارة الجماهير وتحريفها ضد السفارة. (هل لهذا الانطباع أثره فى إغلاق مكتب القناة بعد ذلك بنحو 24 ساعة؟!).
قال السفير فى الحوار الذى أجرته معه سمدار بيرى إن مغادرته القاهرة ومعه بعض أعضاء السفارة وعائلاتهم كانت المرة الثانية، وإن المرة الأولى كانت عقب انفجار ثورة الغضب فى مصر يوم 25 يناير حيث تقرر وقتذاك تقليص عدد العاملين فى السفارة من باب الاحتياط، وحين وقعت عملية إيلات وتم قتل الجنود المصريين وأحد الضباط انتاب العاملين بالسفارة شعور بالقلق والتوتر. وقرروا العمل من منازلهم لبعض الوقت، ثم عادوا إلى مكاتبهم بعد ذلك. لكن الأمر اختلف حينما اتجه المتظاهرون صوب السفارة وشرع بعضهم فى هدم السور الذى أقيم فى مواجهتها. ثم حين حاول البعض اقتحام مكاتبها. إذ كانت تلك هى اللحظة التى استشعر فيها الخطر. خصوصا ان شائعات راجت وقتذاك تحدثت عن احتمال توجه بعض المتظاهرين إلى بيت السفير. وكانت تلك الشائعات سببا فى المسارعة إلى نقله إلى مكان آمن بعيدا عن بيته، وقال إنه «حين انتشرت الشائعة فإننى لم أكن فى بيتى.. حيث تحركت بسرعة أنستنى حزم أدويتى لعلاج الكوليسترول».
حين وقع الهجوم على السفارة أجرى الرجل اتصالات مع كل من كان مستعدا للرد على هاتفه من المسئولين المصريين. إلى جانب أنه كان على اتصال دائم بحكومة بلاده ــ أما الطرف الذى ظل على الهاتف معه طول الوقت فقد كانت السفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون، التى ظلت تتابع خطواته حتى وهو يصعد سلم الطائرة العسكرية التى أعادته إلى تل أبيب.
لم يفت محررة الجريدة أن تشير فى الحوار المنشور إلى محنة أى سفير إسرائىلى يوفد إلى القاهرة، ذلك أنه يظل محاطا بمشاعر العداء والعزلة. خصوصا فى ظل مقاطعة الاتحادات المهنية والنقابات والمثقفين، حتى أنه بالكاد كان يتنفس بعض الهواء حيث يخرج لتناول القهوة فى أحد المقاهى، ثم يعود بسرعة إلى بيته. وهى المشاعر العدائية أصبحت أكثر وضوحا بعد سقوط الرئيس السابق. وحين سألته المحررة: هل لذعت قلبك صورة مبارك وهو ممدد فى قفص الاتهام بالمحكمة، أجاب قائلا: هذا صحيح، لأننى أتذكره جيدا حينما كنت ألتقيه فى الزيارات الرسمية، وحينما تناولت الطعام على مائدة.
قبل سفره اتصل بمكتب وزير الخارجية المصرى، وقال إن الدبلوماسى الذى رد عليه عبر له عن أسفه لما وقع للسفارة، كما أنه تلقى رسائل من رسميين مصريين «قالوا إنه لا كلام عندهم عما حدث». وعندما أبلغ بأن الحراس الإسرائيليين الستة الذين كانوا فى السفارة قد غادروها سالمين، حينذاك استقل السيارة المصفحة التى حملته إلى مطار القاهرة الدولى تحت جنح الظلام، على الطائرة العسكرية كان هناك ثمانون دبلوماسيا وزوجاتهم، إضافة إلى 27 طفلا على الأقل. كان الجميع تحت تأثير الصدمة، ولذلك كان جو الطائرة مسكونا بالتوتر الذى دفع الأطفال إلى بالبكاء. وجعل بعض السيدات ينخرطن بدورهن فى البكاء. ورغم أن الرحلة كانت قصيرة ومدتها نحو ساعة، فإنهم استشعروا أنها طويلة جدا ولم يستعيدوا هدوءهم إلا حينما هبطت بهم الطائرة فى مطار بن جوريون فى الساعة الخامسة والنصف صباحا.
استوقفنى فى حديث الرجل قوله إنه يتابع التطورات فى مصر من خلال اتصال يومى يجريه معه نائبه فى السفارة، الذى تم ايداعه فى مكان آمن بالقاهرة. وأنه بعد يوم من الأحداث لاح فى وسائل الإعلام المصرية ندم معلن وجلد للذات، وعبر عدد غير قليل من الكتاب والرسميين والمترشحين للرئاسة عن ذلك الشعور. وبدأت مسيرة استيعاب أن ما حدث لم يكن يجوز أن يحدث.
لا أعرف من هؤلاء الذين استشعروا الندم وشرعوا فى جلد ذواتهم بسبب ما جرى للسفارة، لكننى أحب أن ألفت نظر الجميع إلى أننى لم أكن من هؤلاء، حيث لا يشرفنى أن أصطف معهم. ولا أن أعرفهم أصلا.
مقالات فهمى هويدى
إنهم يؤجلون الانفجار أهلنا المحجوبون فى الظل ابن للديمقراطية لا العلمانية 7 أسباب للزعل