يوما بعد يوم نكتشف أننا نتعرض لحملة تشويش وبلبلة قد نفهم مقاصدها لكن الله وحده أعلم ببواعثها. آية ذلك مثلا أننا عشنا طوال الأسبوعين الأخيرين فصول قصة هدم كنيسة الماريناب بمحافظة أسوان التى كانت ذريعة لمظاهرة الأحد الدامى (9/11) وانتهت بفاجعة قتل 25 شخصا وأصابت أكثر من مائتين. وبعد كل ذلك تبين أن الكنيسة لم تهدم، وأن بعض الشباب هدموا قبة لها تجاوزت الارتفاع القانونى المقرر كما ذكرت صحيفتا أخبار اليوم والوفد. وهو ما أشرت إليه فى سياق التدليل على أن الانفعال ذهب بالناس بعيدا فى إساءة الظن، إلا أنه تبين لاحقا أننا كنا ضحية معلومات مغلوطة، وأن ثمة تلاعبا فى تراخيص البناء، حيث لم تكن هناك كنيسة أصلا فى المكان.
هذا الذى تكشف أخيرا لم يكن «كلام جرايد»، ولكنها معلومات وردت فى بيان نائب رئيس هيئة قضايا الدولة بأسوان المستشار حسين عبده، نشرته صحف الاثنين 19/10. خلاصة البيان أو أهم نقطة فيه أن كاهنا بكنيسة ادفو، اسمه مكاريوس بولس مجلع، تقدم بطلب إلى الوحدة المحلية لمجلس مدينة ادفو لإجراء المعاينة اللازمة لترميم كنيسة رئيس الملائكة الجليل ميخائيل بقرية «خور الزق» التابعة لمدينة الرديسية التى تقع شرق النيل على مسافة 35 كيلومترا من مدينة ادفو. وقد قامت الإدارة الهندسية بالوحدة المحلية بعمل المعاينة اللازمة واستجابت لطلبه حيث قررت هدم الكنيسة بالكامل وإجراء إحلال كلى لها، لكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجئا. ذلك أن التراخيص والموافقات الصادرة لإحلال مبنى كنيسة «خور الزق» فى شرق النيل استخدمت لإنشاء كنيسة أخرى فى الماريناب التى تقع غرب النيل، على أنقاض منزل قديم يملكه مواطن اسمه معوض يوسف معوض. وتبين أن هذا التحايل فى استخدام التراخيص تم بواسطة بعض الموظفين العاملين بالوحدة المحلية فى مركز ادفو، وقد صدرت ايصالات تركيب عداد الكهرباء والمياه باسم الشخص مالك العقار المسجل فى مستندات الجمعية الزراعية كمسكن وليس مضيفة أو دار عبادة.
بقية القصة معروفة، وهى أن شكاوى قدمت بخصوص الموضوع إلى محافظ أسوان الذى أحال الأمر للنيابة العامة للتحقيق، وخلاله تكشفت تفاصيل التلاعب فى التراخيص والمستندات، فصدر قرار إزالة ما كان مخالفا للقانون. وأحدث هذا القرار أصداءه التى استخدمت فى تفجير الغضب أمام ماسبيرو مما أدى إلى وقوع الكارثة. يحتمل الأمر تساؤلا من قبيل: لماذا اضطر كاهن كنيسة إدفو إلى التلاعب بالمستندات والالتفاف على القانون لإقامة كنيسة فى الماريناب؟ وهل كان سيستجاب للرجل إذا اتبع الطريق القانونى فى مطلب إقامة كنيسة لسكان القرية من الأقباط (40 أسرة قبطية وسط 50 ألف مسلم)؟ وإذا كان مقتضى القانون أن يصدر قرار بإزالة المخالفة، فهل كان يمكن أن يعامل الأمر بأسلوب آخر يضع فى الاعتبار حساسية المرحلة ودقة الموقف السياسى؟ وهل يقبل أن يقوم الأهالى من جانبهم بإزالة المخالفة؟
هذه كلها أسئلة مشروعة، لكنها ينبغى ألا تغيب حقيقة أن التلاعب فى الأوراق والتصاريح هو الذى جر جميع التداعيات اللاحقة خصوصا المسيرة التى لاتزال ظروف اطلاقها محاطة بغموض محير، لا نستبين منه إلا أمرين: الأول أن ما جرى فى القاهرة كانت أسبابه فى العاصمة وليس فى الماريناب، الثانى أن الأمر لم يخل من عمد وترتيب لا نستطيع أن نفترض البراءة فيه، بدليل ما آلت إليه الأمور بعد ذلك.
بالمثل فإننا لا نستطيع أن نفترض البراءة فى الترويج لخبر وصورة إلقاء أربع جثث لضحايا مظاهرة ماسبيرو فى النيل. وهو الخبر الذى روعنا وأفزعتنا الصورة التى نشرت معه. ثم تبين أنه خبر مكذوب ومدسوس. حين كشف أحد المدونين أن الصورة نشرت قبل ثلاث سنوات فى صحيفة «الرياض» السعودية لشخص غرق فى أحد الوديان التى غمرتها المياه بالمملكة. وكان موقعا أطلقه بعض المتعصبين قد نشر الخبر والصورة. إسهاما منهم فى تأجيج المشاعر الغاضبة جراء ما جرى فى ماسبيرو، كأن مقتل 25 شخصا لم يكن فيه الكفاية. والتقطت الصورة إحدى صحف الإثارة فأبرزتها، الأمر الذى أدى إلى إشاعة الخبر ونقل الصورة فى العديد من مواقع التواصل الاجتماعى.
اللافت للنظر أنه بعد انفضاح أمر الكذبة فإن الموقع المذكور سحب الخبر والصورة، أما الصحيفة فقد تجاهلت الفضيحة والتزمت الصمت، ولم تكلف خاطرها أن تعتذر للقارئ عن الورطة التى وقعت فيها.
إن الهرج الذى يسود الساحة المصرية والتوتر المخيم على مختلف الأطراف، إذا انضافت إليهما السموم التى يبثها المتعصبون، ذلك كله يمكن أن يشكل «خلطة» تفسد أجواء الربيع الذى بشرتنا الثورة به، وهى أكبر هدية يقدمها الأبالسة الذين يحركون تلك الأحداث إلى أركان الثورة المضادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات فهمى هويدى
هل وقعنا فى فخ؟ عقولنا معهم وضمائرنا عليهم لم يكن مقنعًا ولا ناجحًا ليتكلم المشير ويعتذر للثقافة (فلول) أيضًا أعطى صوتى لماركو