قبل عدة سنوات دعيت إلى ندوة نظمتها الخارجية المصرية بمقر معهد الدراسات الدبلوماسية فى القاهرة، لمناقشة موضوع العلاقات مع إيران. وكان مما قلته فى ذلك اللقاء أن المسألة تتعذر مناقشتها فى المطلق، وإنما هى تصبح أكثر جدوى إذا تمت فى ضوء الرؤية السياسية والاستراتيجية للموضوع، حيث لا تكفى فيها الانطباعات أو الاجتهادات الشخصية المجردة. ذلك أن السؤال ليس ما إذا كان علينا أن نحسِّن تلك العلاقات أو نجمدها أو تضعفها، ولكن السؤال الواجب هو أى هذه الخيارات يحقق المصلحة العليا للبلد.
شرحت وجهة نظرى كالتالى: ليس التاريخ وحده حمال أوجه، ولكنه الواقع أيضا. فإذا كانت مصر تريد تجميد العلاقات أو إضعافها فإننا نستطيع أن نجد أكثر من ذريعة لذلك، وإذا اتجه القرار الاستراتيجى إلى تعزيز تلك العلاقات وتقويتها فبوسعنا أن نجد أيضا عدة أسباب تسوغه، ولذلك يتعين علينا أن نعرف قبل أى كلام فى التفاصيل ما إذا كان القرار السياسى مع القطع أم الوصل، رغم أننى منحاز لموقف الوصل، واعتبر أن لمصر وللعرب عموما مصلحة استراتيجية فى ذلك. ومما قلته فى هذه الجزئية إنه ليس مفهوما ولا معقولا أن يكون إلى جانب العالم العربى دولة كبرى مثل إيران ثم تخاصمها مصر التى هى أكبر الدول العربية، علما بأن التصالح مع إيران لا يعنى الاتفاق معها فى كل الملفات السياسية، وإنما ذلك يمكن أن يتم فى ظل الاختلاف حول بعض تلك الملفات. ثم إنه يظل مدهشا ومستغربا أن تتمكن مصر وبعض الدول الأخرى من تجاوز متناقضاتها الجسيمة مع إسرائيل بما يؤدى إلى تطبيع العلاقات معها، فى حين تفشل فى ذلك حين يتعلق الأمر بإيران.
أضفت أن مشكلة إيران الكبرى هى مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فى حين تظل مشاكلها مع العالم العربى أقل أهمية، علما بأن منطقة الخليج التى تعبر بعض دولها عن مخاوفها إزاء إيران تحتفظ بعلاقات طبيعية معها وتمثيلها الدبلوماسى، وعلاقاتها التجارية مع طهران أقوى بكثير من علاقة مصر مع إيران.
تداعت هذه الخلفية إلى ذهنى حين قرأت خبرا نشرته صحيفة «الشروق» يوم الجمعة الماضى 7/10 تحت العنوان التالى: مفكر إيرانى: نكره العرب وبسببهم نلعن أهل السنة. فى التفاصيل أن «أستاذا بارزا» بجامعة طهران كتب مقالة فى صحيفة «صبح ازادى» (صباح الحرية) تحدث فيها عن نظرة الإيرانيين الفرس الشيعة تجاه العرب والشعوب الأخرى والقوميات غير الفارسية، وكيف أن هذه النظرة اتسمت بالنظرة الدونية والعنصوية. وقال الرجل إنه بشكل عام كلما تدنى المستوى الثقافى زادت مؤشرات العنصرية. إلا أن المسألة اختلفت فى حالة العرب ذلك أن الفرس لم ينسوا هزيمتهم التاريخية أمام العرب فى موقعة «القادسية» (قبل 1400 عام) بحيث إن المثقفين منهم يخفون مشاعر الحقد ضد العرب لهذا السبب. أما المتدينون فإنهم عبروا عن تلك المشاعر باستمرار لعن أهل السنة، بسبب ما نسب إليهم من مواقف إزاء أهل البيت.
الخبر بالصيغة التى قدم بها جاء حافلا بالأخطاء المعرفية، فصاحب المقال أستاذ جامعى عادى فى إيران، وليس مفكرا بارزا كما ذكر. ثم إنه يعكس وجهة نظر بعض المثقفين القوميين الذين لا يعبرون لا عن الفرس أو عموم الإيرانيين أو عموم الشيعة وبعضهم عرب أصلاء يعيشون بيننا. وليس صحيحا أن الإيرانيين كلهم من الفرس رغم أن الثقافة الفارسية هى المهيمنة، لأن البلد تتعدد فيه القوميات، والمنتمون إلى القومية التركية أكبر عددا من ذوى الأصول الفارسية، وإلى جوارهم قوميات أخرى عديدة أبرزهم التركمان والبلوش والكرد. وبالمناسبة فإن مرشد الثورة السيد على خامنئى جذوره عربية بحكم أنه «سيد» يفترض أنه من سلالة الرسول. ثم إنه من القومية التركية وليس الفارسية. والإيرانيون الذين هم أهل نكتة لا يكفون عن السخرية والتنكيت على بعضهم البعض. ولأهل كل قومية باعهم فى ذلك. وما ذكر عن استعلاء الفرس على غيرهم بمن فيهم العرب حاصل فى دوائر نخب العناصر القومية المتعصبة الموجودة فى كل مكان، عند العرب وعند الأتراك أيضا. أما الحديث عن هزيمة الفرس أمام العرب فى معركة القادسية قبل 1400 عام فهو إحياء غير برىء لمرارات قديمة. علما بأن الرئيس العراقى السابق صدام حسين استخدم عنوان «القادسية» فى حربه ضد إيران، لكى يوحى بأنه بصدد إلحاق هزيمة ثانية بهم.
شممت فى الخبر المنشور إعادة إنتاج للغة غير البريئة التى سادت قبل ثورة 25 يناير، واستهدفت تعميق الفجوة وزرع بذور الفتنة بين العرب والإيرانيين وبين السنة والشيعة، لذلك اعتبرته من «فلول» ثقافة تلك المرحلة. ولم استغرب ذلك حين لاحظت أنه منقول عن موقع «العربية نت» سعودى الإشراف والتمويل، باعتبار أنه إذا عرف السبب بطل العجب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات فهمى هويدى
أعطى صوتى لماركو فلوس وفلول مجرمون وقتلة سوريا المسكوت عليها