تعالت الكثير من الصيحات منذ قامت ثورة يناير تنادي الجيش والشعب إيد واحدة مثلما تعالت نفس الصيحات مسلم ومسيحي إيد واحدة . وإذا كان هناك فارق في بعض جوانب الاعتقاد بين المسلمين والمسيحيين فإنهم متوافقون في أمور كثيرة جدا حتى في الاعتقاد بإله واحد وحساب وآخرة والسعي لترسيخ القيم العليا من العدل والمساواة والانتماء لأب واحد هو آدم عليه السلام ولأرض واحدة هي مصر ، إلا أن هذا الفارق ليس موجودا علي الإطلاق بين الشعب والجيش ، فالجيش مكون من أبناء الشعب وهو بالتالي إبن هذا الشعب بدون أي تمييز أو تفريق ويخضع فيه الجميع لنظام واحد وقانون واحد وهدف واحد .
ويبدو أننا ما زلنا نتأثر بما ورثناه عن العهود السابقة في أنه لم يكن هناك من أبناء مصر جيشا نظاميا منذ العصر الفرعوني حتى تاريخنا الحديث وبشكل جعل الجيش من أناس غير أبناء الشعب، بل إن محمد علي باشا ظل يخشي تجنيد المصريين لفترة حتى لا ينقلبوا عليه ثم سمح لهم بالتدريج وفي أمور أغلبها خدمية ، ثم كونوا نواة جيش في ظل الاحتلال .
لكن الجيش في مصر منذ عام 1952 هو جيش مصري من أبناء شعب مصر، ولهذا فإنه حين يقال الشعب يكون الأمر لكل أبنائه وروافده ومؤسساته من جيش وشرطة وغير ذلك .
وقبل أن نتناول طبيعة التفاعل بين الأم وأبنائها في مصر قد يدعونا الأمر لطرح تساؤل هام هل الثورات العربية في سوريا وليبيا واليمن يمكن اعتبارها ثورات كاملة إذا احتاجت المساعدة الخارجية ولو من أعداء الوطن أم أن لها مسمي آخر ؟ الثورة في تونس ومصر جاءت نتيجة تفاعل الشعب بكل أبنائه بنفس العوامل التي دعته للتغيير .
والثورة في مصر لم تكتسب صفة الثورة بكل معانيها إلا حينما استشعر الشعب بكل فئاته وأبنائه أن التغيير أصبح ضرورة ، ولهذا يكاد يكون المشهد واحد في مصر وتونس حين يتبادل الناس مع الجيش قبلات الانتصار . وفي مصر شارك بعض العسكريين الثوار في الهتافات والمطالب لأنهم شركاء في المعاناة والتضييق، أما القول بأن الشعب قد ساند الجيش في 1952 وأن الجيش قد رد الجميل في ثورة 2011 ففيه فزلكة ضعيفة المعنى .
وقد ساءني ما قرأته لأحد الذين ينوون الترشح لرئاسة مصر حيث ذكر بأن المجلس العسكري بتباطئه يؤكد حمايته للنظام السابق ، وأنه لم يتشبع بروح الثورة . وأتساءل من الذي كان يحول بين الجيش وبين إعلانه مساعدة وحماية النظام أمام الثورة ؟ وما الذي يحول الآن وبين هذه المحاولة ؟ أو استئثاره أو استيلائه علي السلطة ؟ أهي القوي العظمي التي يحج إليها أصحاب المصالح أم أصحاب لعبة الكراسي الموسيقية في الفضائيات المملوكة للرأسماليين ؟
تصوروا للحظة أن الرئيس مبارك عاد إلي السلطة فسيكفيه شهر أو ربما أقل لقمع البلاد وإعادتها إلي الصمت مهما كانت النتيجة ، الفارق بين هذا التصور الشبيه بالكابوس وبين ما نحن فيه الآن هو جيشنا ، الجيش الذي رفض أوامر الصدام مع الثوار لأنهم يعبرون عنه ، الجيش الذي أصر علي إجراء استفتاء حر ونزيه ليعرف ماذا يريد الشعب ثم يعلن كإبن بار سمعا وطاعة، الجيش الذي اختار نموذج سوار الذهب وأعلن منذ اللحظة الأولي أنه لا يريد السلطة .
ولو أننا نظرنا إلي النموذج اليمني أو السوري أو الليبي لأدركت بأنه بدون الجيش كإبن للشعب تصبح ثورة غير مكتملة، فالثورة التي تحتاج إلي حلف الناتو ليصل بها إلي الحكم كما كان في النموذج العراقي لا تقنع الثوار العرب ، فالجيش وليد الشعب واكتمال مقومات الثورة لا بد أن تشمل الشعب كله وإلا فإنها إذا احتاجت دعما خارجيا فهي لم تنضج وعليها الانتظار بدلا من الاستعانة بعدو .
إن هناك العديد من الجوانب التي تتحكم في كيفية إصدار القرارات لا يعرفها ، ولا ينبغي ألا يعرفها ، سوى المجلس العسكري بحيث تدعوه إلي تأجيل جانب أو رفض جانب دون توضيح الأسباب ، فإذا كان علي المجلس العسكري حماية تراب الوطن فهل أحد من الثوار يعرف مصادره للسلاح المتطور من قطع غيار للطائرات أو أجهزة حديثة للرادار أو أساليب مستحدثة في وسائل التدمير ؟ وهل نعي أن أكبر عدو لنا هو إسرائيل التي تساندها أمريكا علي طول الخط ؟ وزيادة علي ذلك فالجيش مطالب بتوفير السلع الغذائية وتوفير موازنات لتغطية مطالب الثوار والمعتصمون في المصانع والمدارس وغير ذلك .
لقد تحمل الجيش مواجهة الفتنة الطائفية واجتازها بنجاح ، وحقق ويحقق نجاحا في القبض علي البلطجية ويحاكمهم في محاكم عسكرية عاجلة وفقا لمطالب الثوار الذين عادوا وأكدوا أن من مطالبهم عدم محاكمة مدني في محاكم عسكرية .ونجح في اكتشاف بعض الجواسيس الذي كانوا يخططون لإغراق البلاد في فوضي ، ونجح في محاصرة عمليات تهريب الأسلحة التي يراد منها تحويل البلاد إلي حرب أهلية ، ونجح وما زال في امتصاص تطاول بعض النخبة الثقافية الموجهة التي تسابق الزمن لامتطاء الركب الثوري وأن تجد له مكانا في سفينة الثورة حتى ولو بصورة تذكارية تؤكد طوافها بميدان التحرير .ونجح في رفض بعض الضغوط الخارجية حول الأزمة المفتعلة الدستور أم الانتخابات وأصر علي أنه إبن بار سيطيع أمر والديه وهو شعب مصر .
إذا كان لنا أن نلم بدور شعب مصر فليس من المعقول أن نسمع رأي البعض من الذين يهدفون إلي تحويلنا إلي قطط شرسة تقتل أبناءها خوفا عليهم ، فالجيش هو إبن الشعب البار الوفي ويسير بما تمليه عليه مسئوليته تجاه والديه .
دعونا من هذه السفسطة والجدل العقيم الذي تنقله لنا فضائيات رجال الأعمال ، ودعونا نلتحم كأسرة هي شعب مصر ونؤكد الثقة في بعضنا بعيدا عن عادات التخوين ، وعلينا أن ندعم أبناء مصر من جيش وأمن ، ونترك فرصة لهم للالتفات دوما لأمن مصر فيما نعرفه وفيما لا نعرفه ، وأن نتمهل حتى تنتقل السلطة لمن يختارهم الشعب فيصيغوا دستوره ويختاروا رئيسه بإرادة حرة دون تأثير من مرشحي الفضائيات وأيديولوجياتهم .
المزيد من المقالاتمن أنتم ؟!! أنا الوزير فى ملف عبـَّارة الموت استقيلوا يرحمكم الله الثورة والاغتسال من الحدث الأكبر حكومة «اعتصام» شرف