في البداية مثل الموقف التركي من ثورة الشعب الليبي لغزا محيرا ، عندما كان العالم يقف متفرجا على مذابح القذافي في شعبه في طرابلس وبني غازي ومصراته ، ومدينة الزاوية الصغيرة التي سواها بالتراب بمدفعيته الثقيلة ودباباته وصواريخه على مدار ثلاثة أسابيع ، ونقل جميع شبابها الآن إلى السجون والمعتقلات بعد أن قتل منهم المئات ونقل جثثهم من المستشفيات ليتاجر بهم أمام العالم بوصفهم قتلى الغارات الدولية وليسوا قتلى السفاح المحلي الذي يتعامل مع شعبه كقوة احتلال غاشمة وهمجية تفتقد أبسط معايير الأخلاق والإنسانية ، بدا الموقف التركي قلقا ومحيرا ، ثم بدأ يتحول إلى صيغة انتهازية مخجلة مع تصاعد عنف القذافي وإجماع عالمي على إدانته وانتهاء شرعيته .
شنفنا السيد رجب أردوغان بخطب فضفاضة عن الحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها ، وهو كلام لم يكن له أي محل للإعراب ، إذ لا توجد أي قوة في ليبيا سواء عصابة القذافي وأبنائه أو قيادة الثوار تتحدث عن تقسيم ليبيا مثلا ، الجميع يتكلم عن ليبيا موحدة ، باستثناء تهديد ابن القذافي بتقسيم ليبيا ، حيث يبدو أن السيد "رجب" احتفى بكلام هذا الصبي كثيرا ، وأبعد من هذه الخطب العصماء لم تقدم الحكومة التركية أي عون للشعب الليبي ، ولم تتخذ أي موقف يحمي المدنيين الأبرياء ، وعندما كانت جحافل القذافي تستعد لاجتياح بني غازي لارتكاب مجزرة ضخمة كان "اردوغان" الذي يتابع ويعرف الوضع بالتفصيل يهاجم الدول الغربية التي اجتمعت من أجل اتخاذ قرار دولي بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا لحماية المدنيين ، بدا أردوغان في موقف المتواطئ مع الطاغية حتى ينجز مهمته بالقضاء على ثورة الشعب الليبي ، والقوة الوحيدة التي تدخلت لإنقاذ بني غازي من الكارثة في اللحظات الأخيرة كان الطيران الفرنسي ، وظل الموقف التركي من ساعتها وحتى الآن أقرب إلى حماية الوضع القائم في ليبيا والحفاظ على نظام القذافي ، وعندما يشعر أردوغان بالحرج يتحدث عن نصيحه للقذافي "الأب" بأن يتنحى عن السلطة ، ولكنه لم يتعرض أبدا لنظام العصابة ، عصابة الأبناء القتلة .
ربح "أردوغان" كثيرا على المستوى السياسي والإنساني في العالم العربي عندما اتخذ موقفا شجاعا من الحصار "الإسرائيلي" لقطاع غزة بعد الحملة الإجرامية لإركاع المقاومة ، والآن يخسر أردوغان هذا الرصيد كله ، بموقفه المتواطئ مع القذافي وعصابة أولاده الذين يحاصرون المدن الليبية في غرب ليبيا تحديدا ، وينصبون المدافع والدبابات وراجمات الصواريخ ليدكوا كل شيء فيها ، البيوت والمساجد والمستشفيات ، لم ينطق أردوغان بكلمة من أجل فك الحصار الإجرامي على الشعب الليبي في مصراته والزنتان ، واكتفى أردوغان لغسيل اليد والوجه بأن يبعث بسفينة تركية من أجل نقل الجرحى ضحايا المذبحة من ميناء مصراته ، ولم يسأل نفسه : هؤلاء الضحايا من النساء والشيوخ والأطفال الذين شاهدهم العالم ، ما هي جريمتهم التي يقتلهم بها القذافي وعصابته ، وأليس الدم الليبي في مصراته دم حرام مثل الدم الفلسطيني في غزة ، لماذا أصاب أردوغان الهلع عندما نشر تقرير عن مشاركة طائرة تركية في غارة على قوات القذافي وأنكر بشدة ، ولماذا يضغط أردوغان ومندوبوه في كل مكان من أجل منع السلاح عن الوصول إلى "الثوار" ، فلا هو يرحم ويحمي المستضعفين ، ولا هو يريدهم أن يدافعوا عن أنفسهم ، هل يريدهم السيد أردوغان ركعا سجدا عبيدا أمام كتائب القذافي الدموية .
لقد تحدث أمس السيد أحمد داود أوغلو عن أن تركيا هي المؤهلة للمفاوضات في ليبيا من أجل الوصول إلى حل ، والمؤسف أن هذا كلام غير صحيح ، من رجل كنت أحترمه ، تركيا ليست طرفا محايدا هنا ، تركيا ليست طرفا نزيها ، تركيا موصومة الآن أمام العالم كله بالانتهازية في أسوأ صورها ، للحفاظ على عقود بعدة مليارات من الدولارات في صفقات مع نظام القذافي وعصابة أبنائه ، وتتصور أنها ستكون وريثة إيطاليا في النفط الليبي ، وسوف تدفع تركيا ثمنا باهظا لهذا الموقف الانتهازي وغير الأخلاقي ، على مستوى السمعة وكرامة حزبها الحاكم ، كما على مستوى المصالح ، لأن الشعب الليبي الذي في طريقه للانتصار بإذن الله ، لن يغفر لهؤلاء المتواطئين مع قتلته وجلاديه أبدا ، وسيكون من حقه معاقبة من دعم عصابة القذافي وأبنائه لسحق الشعب الليبي وكرامته ، كما سيكون من حق الشعب الليبي بكل تأكيد أن يكافي أي قوة تضامنت معهم ووقفت معهم في محنتهم التي يتقطع لها قلوب كل من يشاهد مأساة حمام الدم الحرام المستمرة حتى الآن .
المصريونمقالات إخرىحملة التشهير و"التفزيع" ضد سلفيّي مصر سوريا: الشعب يكسر القيود لماذا هذه الثورات.. وهل سورية مستهدفة؟ بين الهموم والإنجازات إعادة تأهيل الشعب المصري أول أعراس الحرية (ة) السادات و (الـ ) الجمل