(١) لا أذكر أين قرأت خبرا مؤدّاه: أن حبيب العادلي وُضع رهن التحقيق فى غرفة بالسجن قد أُحسن فرشها وتجهيزها وأنها [ مزوّدة بخط هاتفي ] وحتى قيل أنه لا يزال يتلقّى التحية العسكرية.. وكل هذا لا قيمة له عندى إلا [الهاتف] .. أقول لك لماذا...؟ لأن هذا الرجل بتاريخه التآمري .. وما نُسب إليه من جرائم القتل قبل الثورة وخلالها .. يمكن بالهاتف المتاح له أن يخرب مصر ويشيع فيها الفوضى والدمار.. مادام لا يزال قادرا على الاتصال بضباطه ومساعديه القدامى وهم منتتشرون بالآلاف فى كل مكان.. بلا عمل.. مكروهين من الشعب.. ومتهمين مثله بارتكاب جرائم.. إنهم محاصرون مثله ومستعدون لارتكاب أى جريمة لإشاعة الفوضى فى البلاد..
لقد لفت انتباهى إلى هذه الحقيقة واقعتان: (١) هجوم بعض المسلحين على السجن فى محاولة لتهريب العادلى منه...(٢) المظاهرة الأخيرة أمام وزارة الداخلية ومطالبة الضباط المسرّحين بإسقاط وزير الداخلية الحالى وإعادة الوزير السابق.. ثم (وهو الأهم) الحريق الذى شبّ فى داخل مبنى الوزارة بينما انتباه الجميع مشدود إلى تحركات المتظاهرين خارج المبنى.. وهكذا يتوالى مسلسل الحرائق لوثائق الأمن التى لا نعرف نحن ما تحتوى عليه، والذين أحرقوها وحدهم هم الذين يعلمون ...
سوف تتكرر هذه الأحداث.. وقد تتصاعد لتشتمل على اغتيال شخصيات بعينها.. ولسوف تشهد البلاد كوارث من كل صنف مالم يوضع حد لهذه المهزلة... آلاف من ضباط مباحث أمن الدولة هائمون على وجوهم بلا هدف واضح.. وهم مسلحون.. ولهم علاقات وثيقة ببؤر الإجرام والبلطجة فى إنحاء البلاد.. ولديهم ملابسهم الرسمية.. وقد ثبت أنهم استخدموا زيّ رجال الجيش.. ويستطيعون أن يخترقوا أى موقع رسمى.. بمهاراتهم فى التخفى والادعاء.. وبما لديهم من مفاتيح وبطاقات هوية مزوّرة .. ومعلومات عن كل موقع.. و يعرفون البلاد [زنجة زنجة وشبر شبر].. ولهم رصيد عند أصحاب الثروة المنهوبة والذين يشاركونهم فى الشعور بأن وجودهم جميعا ومستقبلهم أصبح على كف عفريت...!
لقد اقترحت من قبل وضع هؤلاء جميعا فى معتقلات مؤقتة رهن التحقيق.. فمن تثبت براءته يُفرج عنه فورا.. فإذا كانت سجون وزارة الداخلية غير مؤمّنة.. فالسجن الحربي أكثر أمانا.. فإن لم تفعل السلطات الحاكمة هذا وبأسرع وقت .. فلا ينبغى أن تلوم إلا نفسها ...!
(٢) "موشيه كتْساف" رئيس إسرائيل الأسبق حُكم عليه بالسجن سبع سنوات لارتكابه جريمة اغتصاب إمرأة مستغلا مركزه الوظيفي.. كذلك تواترت أنباء عن بدء تنفيذ أحكام بالسجن لوزيرين أحدهما متهم بسرقة أموال والآخر متهم برشوة.. ومن المتوقع أن تبدأ قريبا محكامة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بتهمة الاحتيال والخداع وتهم أخرى.. وقد حدث كل هذا بدون ضجة ولا ثورات فى ميدان التحرير.. ألا يثير هذا تساؤلا مُهمًّا: متى نشهد محاكمات فعلية لمبارك وللمجرمين الآخرين من قيادات نظامه..؟! لقد سئمنا من التركيز المُملّ على قضايا سرقة الأموال والأراضى والآثار.. وكأن التهمة الوحيدة لمبارك وعصابته هى سرقة أموال مصر ونهب ثرواتها.. نعلم أن قائمة السرقات وأسماء اللصوص لا نهاية لها.. وما رشح منها على السطح وتتداوله الدوائر الرسمية ليس إلا قطرة فى بحر..
ولكن الشعب الذى نادى بإسقط النظام الفاسد كان ينادى أيضا بمحاكمة قادته ورموزه.. ليس فقط على سرقة أمواله.. ولكن على التعذيب والقتل وجرائم أخرى كبرى، انتُهكت فيها كرامته وزُوّرت إرادته.. وفُرض عليه الحياة عقودا تحت القهر والفقر والمهانة وإرهاب الدولة.. وإذا كان موشى كتساف قد حُكم عليه بالسجن سبع سنوات فى واقعة اغتصاب إمرأة من موظفى مكتبه .. فما بالك بالرئيس الذى اغتصب أمة بأكملها لمدة ثلاثين عاما.. أليس هذا أولى بمحاكمة سريعة.. على جرائمه والاقتصاص منه...؟؟!
(٣) ترتفع الآن أصوات تنادى بإسقاط ديون مصر.. وقد كتبت فى هذا الموضوع مقالا فى يناير ٢٠٠٨م تحت عنوان: " ديون العالم الثالث لا شرعية لها ويجب إسقاطها" بيّنت فيه أن ما يحصّله البنك الدولي من فوائد مركبة هى عملية سطو وسرقة من أقوات الشعوب الفقيرة.. لتنتفخ جيوب الأثرياء [السوبر] من أرباب المال فى عالم الرأسمالية الجشعة.. وأن الشعوب المدينة قد قامت بالفعل بردّ هذه الديون أضعافا مضاعفة..
لقد بلغت اليوم ديون مصر قرابة ٣٣بليون دولار.. وهى فى زيادة مستمرّة.. قد وُلدت وترعرت فى ظل نظام فاسد كان قادته هم الذين نهبوا ثروة البلاد واستحوذوا عليها فى حسابات واستثمارات خارجية خاصة بهم.. وفى الوقت نفسه ذهبو يقترضون من البنك الدولي .. دون إرادة من الشعب .. بحجة القيام بمشرعات تنموية.. بعضها لم يخرج إلى حيّز الوجود بل ظلّ حبرا على ورق.. والباقى كانت مشروعات فاشلة (مثل مشروع توشكى.. أهدرت فيها المليارات ولم يترتب عليها سوى الخسائر.. ومزيد من القروض والديون ..
ولأن الشعب قد أسقط هذا النظام ويسعى للتخلّص من كل آثاره العفنة .. ومنها هذه الديون غير الشرعية.. لذلك أصبح من حق الشعب المصري أن يطالب بإسقاط هذه الديون التى تكبّل حركته نحو التنمية والرخاء.. فإذا لم يستجب المجتمع الدولى [ وأظنه الآن مستعد للإنصات والاستجابة] فمن حق مصر أن تمتنع عن تسديد هذه الديون غير الشرعية.. كما فعلت أيسلندة وكما فعلت البرازيل من قبل.. ولم يلحق بهما أذى من جرّاء ذلك.. ولو لم تفعل البرازيل مافعلت لما كان من الممكن أن تحقق اليوم هذا التقدّم الاقتصادي الذى ينظر إليه العالم بتقدير وإكبار..
قد تكون مصر اليوم بحاجة إلى مستثمرين .. (ليسوا بالتأكيد من الطراز الاستغلالي الذى كان يجتذبه النظام الفاسد ليتقاسم معه الأرباح الحرام من عرق الكادحين).. ولكنها بغير حاجة إطلاقا لقروض البنك الدولي بفوائده القاتلة وشروطه.. ولا حتى للمساعدات الأمريكية .. التى تغرى بالفساد .. وتعشش فيها النويا السيئة.. ولا يستفيد منها إلا المرتشين وقطاع الطريق.. مصر لم تعد اليوم مستعدّة لدفع ثمن هذه المساعدات المشبوهة.. والتى كانت فى حقيقة الأمر رشوة مقنّعة لمبارك ونظامه.. لشلّ فاعلية الشعب المصري والشعوب العربية.. وليبقى مبارك فى خدمة المشروع الأمريكي بالمنطقة العربية.. وتدمير المقاومة الفلسطينية ..
تستطيع مصر بثروتها الطبيعية والبشرية والفكرية.. وبأموال المستثمرين الشرفاء فى وطنها العربي أن تستغنى عن القروض والمعونات المشبوهة .. لتبنى إقتصادا قويا لصالح أبناء شعبها ورخائهم .. لا يكون حكرا على مجموعة من اللصوص والمتطفّلين الذين استحوذوا فى الماضى على الثروة والسلطة فى البلاد...
(٤) زيارة الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر للسودان خطوة على الطريق الصحيح نحو إعادة العلاقات الطبيعية السّوية بين الجارتين الشقيقتين.. هذه العلاقات التى دمرتها سياسات مصر الخرقاء نحو السودان وأفريقيا بصفة عامة.. وكانت نتيجتها إضعاف السودان وتقسيمه.. ونسف مصالح مصر ومكانتها بين الدول الأفريقية.. وتمكين إسرائيل من السيطرة على منابع النيل .. وما ترتب على ذلك من مشاكل معقّدة ورثناها من نظام الطاغية الفاسد حسنى مبارك..
مجالات التعاون والتنمية المشتركة بيننا وبين السودان لصالح البلدين تكاد لا تُحصى.. وأبسط مشروعات التبادل التجارى أثمرت فى أيام قليلة تحقيق حلم متواضع طالما دعا إليه الاقتصاديون الشرفاء فى البلدين: ففى السودان ثروة حيوانية هائلة من قطعان البقر.. ومصر فيها نقص شديد فى اللحوم.. وكان من الطبيعى أن يفكر المصريون فى علاج هذه المشكلة باستيراد اللحوم السودانية.. ولكن حال دون ذلك العداء والغباء الذى كان يطبع عقلية النظام البائد تجاه السودان.. لقد بلغ سعر كيلو اللحم فى مصر من ستين إلى سبعين جنيها.. مما جعل الحصول على اللحم بالنسبة لغالبية أبناء الطبقات الوسطى حلما مستحيل التحقيق.. ولكن استيراد اللحوم السودانية خفّض السعر إلى ٢٨ جنيها فقط.. مما سيتيح الفرصة لقطاعات أكبر من الطبقة الوسطى لتحسين وجباتها الغذائية.. ولتقديم تغذية متوازنة لأبنائها المحرومين .. وتلك إشارة بسيطة إلى ما يمكن أن يتحقق من مشروعات اقتصادية مشتركة لمصلحة الجارتين الشقيقتين...
myades34@gmail.com مقالات إخرىإعادة تأهيل الشعب المصري أول أعراس الحرية (ة) السادات و (الـ ) الجمل