جلست أتابع وقائع «جمعة الثورة اليتيمة» على مقهى فى تونس مع مجموعة من المثقفين والإعلاميين التونسيين وكان سؤال أحدهم نافذا فى القلب والعقل معا: «ما هذا? هل كانت ثورتكم العظيمة من أجل أسامة بن لادن؟»
بينما أضاف آخر «كنا نتصور أن ثورتنا التونسية تعانى بشدة لكن بعد هذا المشهد نشفق على الثورة المصرية أكثر «فقلت فى نفسى «اللى يشوف بلوة ثورة غيره تهون عليه بلوة ثورته».
لكن السؤال الذى لازمنى طوال أربعة أيام قضيتها فى تونس مدعوا لورشة عمل نظمتها الهيئة الانتقالية للإعلام السمعى والبصرى بمشاركة هيئة الإذاعة البريطانية هو: لماذا أنبتت الثورة ورود البهجة والإقبال على الحياة فى تونس، بينما كونت سحبا من الكآبة والخوف من المستقبل المجهول فى مصر؟
وتعملق السؤال بداخلى حين علمت أن تونس حققت الاكتفاء الذاتى من القمح هذا العام لأول مرة منذ عقود، بينما لا تزال مصر تتعامل مع موضوع الاكتفاء الذاتى من القمح بالطريقة ذاتها التى كانت سائدة فى العصر الساقط (هل سقط فعلا؟)
إن الفرق بين الثورتين التونسية والمصرية يكمن فى أن تونس حسمت سؤال الهوية منذ البداية، ذلك أن التركيبة المجتمعية هناك لم تتغير أو تهتز بفعل الثورة، ولاتزال البلاد تحتفظ بشخصيتها الاجتماعية التى تجذرت فى أبنائها منذ أيام بورقيبة، وبالتالى بقى قوام وملامح الدولة التونسية، ولم يجرؤ أحد على محاولة تغييرها، على الرغم من إسقاط النظام العتيد.
أما فى مصر فالناس مشغولون بالماضى أكثر من انشغالهم بالمستقبل، وهو ما تجلى فى الجمعة الأخيرة، أو اليتيمة، وبدا وكأن ميدان التحرير تحول إلى غرفة مظلمة فسيحة يبحثون داخلها عن قطة سوداء اسمها «هوية مصر» وكأن سبعة آلاف سنة لم تكن كافية ليتوصل سكان هذه البلاد إلى هويتهم.
ولأن ذلك كذلك فإن البشرة المصرية لم تتشرب حمرة وتورد ثورتها العظيمة بعد، فبقيت شاحبة متعبة ومتربة ومسكونة بتجاعيد الخوف من المستقبل، على العكس تماما مما رأيته فى تونس، حيث تلمح نضارة الثورة وحيويتها على وجوه البشر واستجابات الشجر لمداعبات الهواء، وعلى السلوك اليومى فى الشوارع.
الناس فى تونس يحبون ثورتهم لأنه ليس هناك آلة إعلامية حكومية تمارس الدجل وتكفر المواطنين بثورتهم طوال الوقت، وبالتالى لا تستقل التاكسى فتفاجأ ــ كما يحدث فى مصر ــ بأن السائق عبارة عن شريط كاسيت ما إن تجلس بالسيارة حتى يدور تلقائيا لاعنا الثورة ووقف الحال وخراب البيوت بسبب العيال بتوع الثورة.
فى تونس لم يخترع الذين يديرون البلاد مؤقتا ميادين موازية لابتذال ميادين الثورة الحقيقية. فى تونس لا يوجد شعبان عبدالرحيم يجرى استخدامه بالطريقة ذاتها التى استخدمه بها إعلام نظام مبارك، وكما قرأت على موقع «اليوم السابع» فإن السيد شعبان يتأهب للتعامل «مع العيال بتوع الثورة» بمونولوج وطنى جدا يقول فيه: الناس كلها تعبانة واللى بيحصل ده كتير..خلاص مبقاش ورانا.. إلا ميدان التحرير»..
فى تونس لم يحرقوا أرض الميدان الذى نبعت منه الثورة.
المزيد من المقالاتالتوافق بديلاً عن التنابذ العبث بشخصية الميدان «خط أحمر» جمعة الخلاص..! تلك الرسائل المفخخة الدرس الأول