أصدق أن المجلس العسكرى حمى الثورة، لكنى أرى أيضا أن المجلس حمى الثورة المضادة، سواء كان ذلك بوعى وإدراك كاملين، أو بدون.
لقد أديرت المرحلة التالية لخلع المخلوع تحت عنوان «على مسافة واحدة من جميع الأطراف» فالتقط أعداء الثورة الإشارة وبدأوا التحرك مشمولين برعاية مبطنة من مديرى المرحلة، حتى أن بعضهم لم يجد حرجا فى الإفصاح عن لقاءات تمت مع أعضاء فى المجلس العسكرى خرجوا بعدها يعلنون أن «العسكرى» أبلغهم بحياديته (مجلة روزاليوسف القومية نشرت ذلك ولم يعلق المجلس أو يكذب).
وتأمل صور أنصار المخلوع أمس الأول أمام مقر المحكمة تجدهم يحملون لافتتين، الأولى ترفض محاكمة مبارك، والثانية تعلن تأييدها للمجلس العسكرى، وبين اللافتتين هتافات تسب الثورة وترقص فرحا لفشلها، واسأل نفسك من منح هؤلاء كل هذه الجرأة والشعور بالثقة فى أن هناك من هو راض وسعيد بوجودهم.. ثم أعد التفكير مرة أخرى فى ذلك الربط الصريح بين تأييد المجلس والدفاع عن المخلوع.
وانظر إلى الضفة الأخرى من البركة (حاولت مع القلم أن يضع كلمة النهر بدلا منها فرفض) تجد مجموعة من أنبل وأروع الثوار يساقون إلى التحقيقات العسكرية، ويتم حبس واحد من أشرف وأجمل شباب مصر الثائرة، أو بتعبير رئيس المجلس العسكرى «نبت مصر الطيب» هو الناشط علاء عبدالفتاح 15 يوما احتياطيا على ذمة تحقيق لم يتم فى جملة من الاتهامات الطريفة، من ضمنها مهاجمة مدرعة عسكرية والاستيلاء على سلاحها واستخدامه، وهى اتهامات تليق بسوبر مان أو هرقل، ولا تتناسب أبدا مع مناضل يمتلك قلما بديعا وفكرا راقيا، وينتمى إلى أسرة عريقة فى تاريخ الثقافة والنضال السياسى السلمى.
وحسنا فعل علاء سيف حين رفض الخضوع للتحقيق أمام من يلعب دور الخصم والحكم معا، مفضلا الحبس على إعطاء شرعية للزج بالمدنيين أمام القضاء العسكرى، وبذلك يؤسس لمبدأ جديد ومعنى محترم، بتصرف عملى هادئ وواع يجسد رفض إحالة المدنيين للقضاء العسكرى، ويضع سجانه فى قفص الاتهام، مدشنا مرحلة النضال ببلاغة الصمت، عندما يكون الكلام عبثا.
لقد احتفل المجلس والحكومة أمس برفع علم مصر على أطول سارية فى العالم، وبصرف النظر عن الاحتفال يصادف عيد ميلاد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فإن الوضع سيكون أفضل لو اهتموا بالقدر ذاته برفع رايات الحرية فى نفوس المصريين، وساعتها يمكن أن يكون مثل هذا الحدث مناسبة سعيدة.
إن أعلى ناطحة سحاب فى العالم لن تستطيع أن تغطى على إهدار حق مواطن مصرى فى المثول أمام قاضيه الطبيعى.
غير أن الموضوعية تقتضى توجيه الشكر إلى أولئك الذى يعيدون شحن بطارية الإصرار على استكمال هذه الثورة العظيمة فى نفوس المصريين من حيث لا يعلمون، وربما يعلمون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات وائل قنديل
لقطاء الثورة وأشباه الوطنيين اصطياد الثورة السورية بطعم عمر سليمان اعتذار الوزير فى حضرة البابا المدرعات التى تحكم مصر