بدأ مجلس الامن الدولي مداولاته امس حول طلب الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الامم المتحدة، الذي تقدم به الرئيس محمود عباس قبيل خطابه الذي القاه امام الجمعية العامة وحظي بإعجاب الكثيرين وتقديرهم، لقوته وصراحته ونبرته التي تنطوي على الكثير من التحدي للظلم الاسرائيلي والدعم الامريكي له والشلل الاممي تجاهه.
هناك عدة احتمالات يمكن ان تتمخض عنها هذه المداولات:
* الاول: ان تفشل المجموعة العربية في الحصول على تسعة اصوات مؤيدة للطلب، مما يعفي امريكا من تنفيذ تهديدها باستخدام 'الفيتو'. * الثاني: ان يحظى الطلب بدعم تسعة اصوات، الامر الذي يدفع امريكا مرغمة ومكرهة الى اخراج 'الفيتو' من غمده وقطع رأس الطلب. *الثالث: ان تحاول الادارة الامريكية استخدام سلاح المماطلة، واحالة الطلب الى لجان لدراسته، وبمعنى آخر تجميده لأطول فترة ممكنة.
الاحتمال الثالث ربما يكون الاكثر ترجيحاً في رأينا، لان الادارة الامريكية وبتخطيط محكم مع اسرائيل نتنياهو، وفرنسا ساركوزي، وبريطانيا ديفيد كاميرون، سارعت الى اجهاض التحرك الدبلوماسي المشروع بتدويل القضية الفلسطينية من خلال محاولة اعادتها الى 'مقبرة' اللجنة الرباعية.
الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي اصبح دمية في يد اللوبي الاسرائيلي، هدد بأن الطريق الوحيد للفلسطينيين للحصول على دولة هو التفاوض المباشر مع الاسرائيليين، وليس عبر بوابة الامم المتحدة ومجلس أمنها، واوعز الى اللجنة الرباعية، التي ماتت وشبعت موتاً، بالتقدم بمبادرة للدعوة الى مفاوضات فلسطينية ـ اسرائيلية في غضون ستة اسابيع، وبسقف زمني حتى نهاية العام المقبل.
المبادرة الجديدة لا ترتكز الى اي مرجعية دولية، ولا تتضمن اي تجميد للاستيطان، ولا تعترف بحدود الرابع من حزيران (يونيو) التي يريد الرئيس عباس ان تكون حدوداً لأي دولة فلسطينية مستقلة، اي ان هذه المبادرة هي اعادة تفسير الماء بالماء، ولا تنطوي على اي جديد، لكنها في الوقت نفسه مبادرة 'خبيثة' تعكس لؤم الغرب، واحتقاره للعرب، والضحك على ذقونهم وعقولهم.
السلطة الفلسطينية ستجد نفسها خاسرة في نهاية المطاف، فالقبول بالمبادرة هذه، والعودة الى المفاوضات دون التجاوب مع مطالبها بتجميد الاستيطان والاعتراف بحدود الدولة، يعني انها تخلت عن جميع هذه المطالب، ورضخت لشروط نتنياهو كاملة دون نقصان. اما رفض هذه المبادرة، ومقاطعة المفاوضات، فهذا يعني انها لا تريد السلام، وتتحدى اللجنة الرباعية التي تضم الاتحادين الاوروبي والروسي، علاوة على الولايات المتحدة والمنظمة الدولية، وربما هذا ما يسعى اليه نتنياهو بتواطؤ امريكي اوروبي.
' ' '
اللجنة الرباعية لم تحترم مطلقاً مبادراتها، ولم تلتزم بأي سقف زمني للمفاوضات، منذ ان خطفت القضية الفلسطينية من الامم المتحدة، وانفردت برعاية المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
للتذكير فقط، نقول ان السقف الزمني لاتفاقات اوسلو كان اربع سنوات من الحكم الذاتي، وسنة خامسة من مفاوضات حول قضايا المرحلة النهائية مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه، تتوج بدولة فلسطينية مستقلة.
للتذكير فقط ايضا، نقول ان خريطة الطريق التي رسمتها اللجنة الرباعية للوصول الى حل الدولتين، لم تقد إلا الى الجدار العنصري العازل، واكثر من خمسمئة حاجز امني مذل في الضفة الغربية، والاخطر من ذلك مضاعفة عدد المستوطنين في الاراضي المحتلة بما فيها القدس مرتين، اي حوالى نصف مليون مستوطن.
الطرف الفلسطيني التزم بالكامل بتنفيذ الشق المتعلق به، والوارد في خريطة الطريق هذه، حيث شكل قوات امنية وبتدريب امريكي، باشراف الجنرال الامريكي سيىء الذكر دايتون، وتنسيق امني كامل مع اجهزة الامن الاسرائيلية، بينما لم تطبق اسرائيل حرفاً واحداً مما هو مطلوب منها في هذه الخريطة المثقوبة والمهلهلة.
قوات امن السلطة منعت الهجمات الفدائية كلياً، واعتقلت كل الناشطين الفلسطينيين الذين يؤمنون بالخيار العسكري، وخاصة من تنظيمي 'حماس' و'الجهاد الاسلامي'، وجعلت من العمليات الاستشهادية مجرد تاريخ منقرض. فماذا كانت مكافأة اللجنة الرباعية لهذا التلميذ الفلسطيني النجيب؟ المزيد من الاهانات والإذلال على شكل اعمال استيطانية مكثفة فرضت وقائع غير شرعية على الارض، وطمست الهوية العربية للضفة الغربية وهوّدتها بالكامل، بما في ذلك القدس طبعاً.
الرئيس اوباما الذي كان آخر الرؤساء الامريكيين تبشيراً بالدولة الفلسطينية، استجدى نتنياهو، وهو رئيس الدولة الاعظم في التاريخ، من اجل تجميد الاستيطان لمدة شهرين فقط، لجر الرئيس عباس الى المفاوضات مجدداً، وتخديره ببعض الكلام المعسول، ولكنه لم يجد الا الصدّ المتعجرف، والمحاضرات المتغطرسة من نتنياهو في السياسة الدولية، والدور الاسرائيلي في صياغتها، ليعود بعدها حوارياً مخلصاً لنتنياهو، وعضواً فاعلاً في منظمة 'الايباك' اليهودية الداعمة لاسرائيل، ظالمة او مظلومة، وهي دائماً ظالمة للفلسطينيين على اي حال.
' ' '
سبحان الله، وبعد اشهر من الخمول، افاقت اللجنة الرباعية من سباتها العميق، وباتت تريد دولة فلسطينية في خلال عام، لماذا جاءتها الحمية الآن، ولماذا هذه السرعة؟.. قطعاً ليس لتخليص الفلسطينيين من عذاباتهم تحت الاحتلال او في المنافي ومخيمات اللجوء، وانما لكسر العزلة الدولية عن اسرائيل.
توني بلير مبعوث الرباعية الدولية الذي تطرده الفضائح المالية، والاتهامات بالتربح من منصبه هذا بجمع الملايين من الجنيهات، يلعب دوراً كبيراً وفاعلاً في مخطط التسويف والمماطلة وكسب الوقت، لابتلاع ما تبقى من اراض في الضفة الغربية، فهذا الرجل الذي خدع شعبه، وكذب عليه، وورطه في حرب دموية في العراق ادت الى استشهاد مليون عراقي على الأقل، والتسبب بطريقة او بأخرى في الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، لماذا لا يكذب على الشعب الفلسطيني ويخدعه ولمصلحة الاطماع التوسعية التوراتية الاسرائيلية؟
توني بلير لا يخدع الفلسطينيين فقط وانما يجني ثمار هذا الخداع ملايين الدولارات من دول عربية نفطية، مثل الكويت وقطر وليبيا معمر القذافي. فقد استغل منصبه هذا من اجل الحصول على عقود كمستشار لدى كبرى الشركات العالمية مثل مصرف كي. جي. مورغان الاستثماري وتسهيل حصول هذا البنك (راتبه 4 ملايين دولار) على استثمارات وودائع ليبية بمليارات الدولارات.
كما حصل ومعاونوه على عقد مع دولة الكويت قيمته 50 مليون دولار لتقديم استشارات لحكومتها.
توني بلير قام بحوالى 71 رحلة الى الشرق الاوسط في اطار مهمته كمبعوث للجنة الرباعية، بتكلفة 6 ملايين دولار، فماذا حقق للسلام في الشرق الاوسط من انجازات؟ اللهم اذا كانت هذه الانجازات التحول الى صديق حميم لاسرائيل، والعمل كمستشار في خدمة سياساتها الاستيطانية والعنصرية، وابرز خدماته في هذا الخصوص تقديم توصياته لمؤتمر انعقد في هيرتزيليا حول كيفية التصدي بفاعلية لمحاولات عربية وفلسطينية لنزع الشرعية عن اسرائيل، وفي بريطانيا وجامعاتها على وجه الخصوص.
الرئيس عباس يجب ان يرفض مصيدة الرباعية الجديدة، وان لا يعود الى المفاوضات العبثية مجدداً، وان يقود حملة لطرد توني بلير من منصبه هذا، بعد ان اثبت صهيونيته، وان يعود الى شعبه يحتمي به، ويستند اليه، وقد شاهد بعينيه مدى اخلاص هذا الشعب وشجاعته والتفافه حول قيادته عندما تسلك طريق الكرامة والتحدي. الشعب الفلسطيني يريد الخبز مع الكرامة، وكرامة هذا الشعب في استراد حقوقه المشروعة كاملة، وعلى ترابه الوطني وفق القرارات الدولية والحدود التاريخية دون اي نقصان.
المزيد من المقالاتعن اختطاف الربيع العربى يوم هرب السفير بليلٍ حماس والالتباس