أوائل أيام الثورة، وبينما الكل متفائل بمستقبل نقى ومعبر عن روحها جاءنى اتصال من قارئ محترم يعلق على الجدل الذى ثار وقتها بشأن حرمان نواب الحزب الوطنى المنحل من المشاركة فى الحياة السياسية خمس سنوات على الأقل.. كان القارئ معترضا على الاكتفاء بهذا الإجراء، فمضى إلى أبعد من ذلك للمطالبة بتوسيع دائرة الحظر لتشمل كل الذين كانوا يترشحون داخل الحزب الوطنى ليقع عليهم الاختيار لخوض الانتخابات فى إطار ما كان يعرف بالمجمع الانتخابى للحزب الذى اخترعه جمال مبارك وأحمد عز.
والآن وبعد أن مضت سبعة شهور إلا أسبوع على خلع مبارك تبدو الصورة وكأن هذه الثورة لم تقم إلا لكى يستفيد منها فلول الحزب الوطنى الذى تم حله بحكم قضائى، وها هو يعود الآن مضروبا فى خمسة، حيث وصل عدد أحزاب رموز النظام السابق إلى خمسة أحزاب فى عين الثورة، وتلك هى الحصيلة الأبرز لما أسموها المرحلة الانتقالية، وفى ظل هذه الأوضاع المضادة لكل ما نادت به الثورة وقامت من أجله يمكنك أن تسميها «المرحلة الانتقامية».
إن المشهد يبدو شديد القتامة والعبثية الآن، ذلك أن شعبا ثار ودفع ثمنا باهظا لثورته الملهمة للعالم كله، تمثل فى نحو ألف شهيد وآلاف الجرحى والمصابين، بينما تساقطت ثمار هذه الثورة فى حجر أولئك الذين قامت الثورة ضدهم، ذلك أن المستفيد الأول من هذه المرحلة الانتقالية الممطوطة المتثائبة المرتبكة المتلعثمة هم رموز النظام السابق، من يقبع منهم خلف أسوار طرة، ومن يمارس نشاطه فى البراح الفسيح خارجها، بينما أهل الثورة الأصلاء يعانون من ملاحقات القضاء العسكرية، ويواجهون حملة تخوين وتكفير غير مسبوقة، تحاول تسميم العلاقة بينهم وبين الشعب الذى صنعوا ثورتهم من أجله.
ولقد كتب كثيرون فى بيان حجم الكارثة المقبلة لو جرت الانتخابات البرلمانية فى ظل هذه الأوضاع المقلوبة، فكل المعطيات المتوفرة حاليا تؤدى إلى إعادة إنتاج النظام السابق بكامل تشكيلاته، خصوصا مع هذا التجاهل التام لكل الأصوات المحترمة التى حذرت وتحذر من أن قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى بصيغته الراهنة، بما يشتمل عليه من إقرار تخصيص خمسين فى المائة من الدوائر للنظام الفردى، هو الباب الكبير لعودة النظام السابق للهيمنة على البلاد والعباد.
والحاصل أن غالبية القوانين والإجراءات التى اتخذت لتنظيم المرحلة المقبلة جاءت مناقضة تماما لكل الشعارات البراقة والكلام المعسول الذى انهمر فوق رؤوس المصريين فى أيام الثورة الأولى، ليفيق الجميع على كابوس مخيف يطل منه وجه النظام السابق ضاحكا مستبشرا ولسان حاله يقول شكرا لمن أدار المرحلة الانتقالية.
وتخطئ التيارات السياسية المناهضة للنظام السابق كثيرا إن هى تصورت أن الذهاب إلى الانتخابات بالتركيبة الحالية سيكون فى صالحها، لأن كل المؤشرات تقول إن الطريق مفتوح ومفروش بالورود أمام النظام السابق لإعادة احتلال ما حررته الثورة من قبضته.
وانظر حولك ستكتشف كيف تمضى الثورات العربية الشقيقة فى طريق تبدو وعرة لكنها واضحة ومستقيمة، بينما نعيش نحن «ثورة الشك فى أننا قمنا بثورة»، وفى أجواء كهذه ليس غريبا أن يتداعى البعض لمقاطعة مهزلة الانتخابات المقبلة، والاحتشاد لتصحيح مسار الثورة.
مقالات وائل قنديل
أنزلوا على سالم من فوق سفارة العدو المزيد من المقالاترق مسكوت عليه اغتصاب فلسطين وأسطورة عودة المسيح هذا الانفلات السلوكي ... إلى متى؟