فيما عُرف بربيع العرب، إستطاعت بعض الشعوب العربية، أن تكسر حاجز الخوف واليأس، وأن تصحوا من سُباتها علي مدي سنوات وعقود طويلة، حينما خرجت جموعها الغفيرة ، بالآلاف ثم بالملايين، مرددين كلمات إهتزت لها الدنيا كلها "الشعب يريد إسقاط النظام".
هكذا سيكتب التاريخ عن ثوراتنا العربية، وربما يكتب أيضًا، أن الثوار قد نجحوا بالفعل في إسقاط الأنظمة المستبدة، خلال أيام معدودة، كما حدث في تونس ومصر، أو إستغرق ذلك وقتًا أطول قبل أن يسقط الطغاة، كما سيحدث في بلدان عربية أخري بإذن الله. وسيكتب التاريخ، أن الثمن قد دُفع مُقدمًا من دماء شبابٍ في عمر الزهور، لم ينعم برؤية شعبه حرًا مكرمًا، حتي ولو للحظة واحدة.
لكني لا أعلم تحديدًا، ماذا سيُكتب في صفحات التاريخ بعد ذلك؟؟؟
فإذا كانت الخطوة الأولي، التي يبدأ بها مشوار الألف ميل، تحظي بقدر كبير من الأهمية، لكونها البادية والمغيرة لحالة السكون، ولكونها الترجمة الفعلية الأولي لتنفيذ القرار علي الأرض، وتحويلة إلي واقع، إلا أنها غير كافية أبدًا للوصول الي نهاية المشوار ، ولن يصبح لها أي معني أو فائدة، إلا إذا أُردفت بملايين الخطوات.
أسقطنا أنظمتنا الحاكمة... ربما، لكن ماذا عن نظامي أنا وأنت علي المستوي الشخصي، هل سقط هو الأخر؟ أو حتي تغير؟ أم أننا إكتفينا كعادتنا بدفع المسؤلية عن كواهلنا، وإلصاق كل التهم الممكنة بالآخرين، وكأننا لا ننتمي لهذه الشعوب، التي أفرزت تلك الحكومات، البارعة في فنون الظلم والقهر والفساد؟ أو أنهم هبطوا علينا من كوكب آخر، ليسقونا المر من تحت أقدامنا ألوانًا؟!!!
ففي داخل كل منا –وربما البعض فقط- نظام فاسد، وأفكار ومبادئ وعادات بالية، لن يكون من المناسب أبدًا لها الإستمرار في أجواء ثورية، كهذه التي نحياها الأن، فالتسقط هي الأخري، ولتذهب مع الأنظمة التي وُلدت وترعرعت في عهدها. أنا وأنت قادرون علي ذلك، لكننا ربما نحتاج إلي فرصة جيدة.
وبما أن رمضان قد أهل علينا ببشائره، فإنه لمن الحكمة، إغتنام فرصة قدومة في أجواء الثورات والتحرير، وكيف لا وهو شهر التغيير.
تتغير فيه العادات والسلوكيات السيئة الضارة، لتستبدل بأخري حسنه نافعة...
نتغير فيه من مجرد مدللين لأنفسنا، محققين لها مطالبها دون تردد، إلي مربين لها ومهذبين...
والنفس كالطفل إن تهمله شب علي حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
إحترام والتزام كامل بالوقت، علي مستوي الثواني والدقائق، فالإمساك في لحظة والإفطار في أخري.
تمرين وتدريب علي إتخاذ القرار، وعدم التردد فيه، حينما ننوي صيام الشهر كاملًا في أول ليلة من لياليه، عازمين بكل جد علي تنفيذ ذلك، مع علمنا التام بكل ما يحمله من مشاق.
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددًا
التزام تام من غالبيتنا بختم المصحف، مرة علي الأقل، وقراءة ورد يومي ثابت من القرآن.
أليس هذا برهان كبير، علي أمتلاكي أنا وأنت قدرة هائلة، علي التغيير والتحول نحو الأفضل؟؟؟
إن هناك فئة من الناس لا يريدون التغييرأبدًا، فهؤلاء لا إختلاف عليهم ، فقد حدَّدوا ما يريدون من البداية، والجدال معهم هو مضيعة للوقت على حد زعمهم!!
حياتهم بلا معني، فلا طعم لحاضرهم ولا لون لمستقبل البلاد عندهم، دائمًا متشائمون مثبطون لاتري أعينهم سوي السواد القاتم، ولاتسمع أذانهم إلا أصوات المؤامرة، فالكل في نظرهم متآمرون، وهم وحدهم ضحايا مساكين.
يريدون إصلاح الدنيا بالكلام والنقض وفقط ، لا هدف ولا غاية، وكأنه قد خفي عليهم أن من ليس لديه هدف، محكوم عليه للأبد، أن يعمل لمن لديه أهداف....
تتحدث مع أحدهم، فيسرد لك قصصًا وروايات عن مشاكل وقضايا الوطن، وعن مدي فساد البلاد ومعاناة العباد ماقبل ومابعد الثورة، وربما صرخ في وجهك فجأة، أين ذهب حق الشهداء؟؟؟
تسأله هل لديك أنت إجابة؟ هل فكرت في حلول؟ هل عندك تصور لخطة ما ؟؟
هنا فقط يعم الصمت المكان!!!
فالفيلسوف الوطني، والسياسي المحنك، ليس لديه أي تصور لحلول عملية، أو حتي أفكار نظرية لخطة مدروسة....
وقديمًا قالوا " من فشل في التخطيط ...فقد خطط للفشل"
لهؤلاء وغيرهم، أعتقد أن في رمضان وقتًا مناسبًا، لتحقيق تقدم كبير في مشوار الألف ميل- والذي بدأه شباب بتقديم أرواحهم في سبيل التحرك لخطوته الأولي - بتقديم المبادرة بإصلاح أنفسنا من الداخل أولًا، يقول الله تعالي: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا" فالمسببات مرتبطة بالاسباب، والمقدمات منوطة بالنتائج.
ألا تري أن في رمضان ثلاثون يومًا، تمسك فيها من الصباح الى المغرب، فلا طعام ولاشراب ولا سباب ولافسوق... مدرسة حقيقة للصبر، إنه تدريب مستمر له أكبر الأثر على برمجة النفس وعلاج قصورها ومشاكلها، وعلماء النفس يرون أن التغيير الحقيقي، يجب أن يكرر على التوالي من ست إلى واحد وعشرين مرة، ليحدث تغييرًا ناجحًا ملموسًا في الحياة.
فالنبدأ سويًأ بكل عزيمة وإصرار ، ولنتذكر أن البناء لا يمكن أن ينهض في يوم وليلة، لاسيما بناء البشر، بل لا بد من حفر الأساس في أعماق النفس، ثم البدء خطوة بخطوة حتى تكمل معالم شخصية عظيمة، تؤثر ولا أقول في محيط مدينتها أو وطنها فقط، بل وحتي في العالم كله، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
وفي شهر الصبر يجب أن نتحلي بصفته، ولنترك للوقت مجاله الطبيعي ، فلن تستقيم الدنيا بين عشية وطحاها يقول محمد بن المنكدر:" كابدت نفسي أربعين سنة حتى إستقامت"
أعتقد أنك معي الأن ، في أنه قد آن الأوان ، لإسقاط أي نظام سلبي فاسد - حتي لو كان هذا النظام في داخلك ، متغلغل في أعماقك – وتغييره أو إستبداله، ولندعوا الي وقفة "شخصية " مع - أوبدلًا من- "المليونية" ولنستبدل هتافاتنا "بمكبرات الصوت" الي مجرد حديث هادئ وصريح مع أنفسنا "بصوت خافت" قد لايسمعه أحد غيرنا.
وسواءً كنا في ميدان التحرير، هاتفين واقفين مع الملايين، أو كنا في بيوتنا متحدثين مع أنفسنا، أوحتي صامتين،
فإن هدفنا واحد، وشعارنا واحد "الشعب يريد إسقاط النظام...."
داعية إسلامي مصري
بالولايات المتحدة الأمريكية
المزيد من المقالاتعصام شرف يكيل بمكيالين؟ فضيحة فى المحكمة من يكره ميدان التحرير لن يهتم بإبادة السوريين