عناصر الخطبة
1/ واقع الأمة مع شهر رمضان
2/ واجب الأمة تجاه هذا الشهر الكريم
3/ سنة التبشير بهذا الشهر وتشويق الناس إليه
4/ الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستعداد لرمضانالحمد لله يمنُّ على عباده بمواسم الخير أفراحًا، ويدفع عنهم بلطفه أسباب الردى شرورًا وأتراحًا، أحمده تعالى وأشكره شكرًا يتجدد ويتألق غدوًا ورواحًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مبدع الكائنات أرواحًا وأشباحًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله رافع لواء الدين دعوة وإصلاحًا، والهادي إلى طريق الرشاد سعادة وفلاحًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خيار هذه الأمة تقىً وصلاحًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام مساءً وصباحًا، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، فهي العدة العتيدة لمن رام خيرًا وصلاحًا، ونشد عزًا وفلاحًا، وقصد برًّا وتوفيقًا ونجاحًا.
أيها المسلمون: أرأيتم بماذا تقاس أفراح أهل الإيمان؟! إنها أفراح علوية، ومسرات روحية، تطلق النفوس من قيد المطامع الشخصية، وتحررها من أسر الأغراض المادية، وتحلق بها في آفاق أسمى وأولى، وتترقى بها في طموحاتٍ أرحب وأعلى، لذلك كانت أفراح أهل الإيمان عن الملذات تتسامى، وعن المشتهيات تترفع وتتعالى، أفراح المؤمنين تتجدد بتجدد مواسم الخير والعطاء، ومناسبات الطهر والصفاء، والمحبة والمودة والإخاء، والبر والسعادة والهناء.
إخوة الإسلام: ويا لها من فرحة غامرة تعيشها الأمة الإسلامية هذه الأيام، فهي إزاء دورة جديدة من دورات الفلك السيار، والزمن الدوار، وإن في مرور الليالي والأيام لعبرًا، وفي تصرُّم الشهور والأعوام لمزدجرًا ومدكرًا.
تمر الأيام وما أسرعها! وتمضي الشهور وما أعجلها! ويطل علينا موسمٌ كريم، وشهر عظيم، ويفد علينا وافدٌ حبيب وضيف عزيز، فبعد ساعاتٍ معدودات يهل علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه العبقة، وأيامه المباركة الوضاءة، ولياليه الغر المتلألئة، ونظامه الفريد المتميز، وأحكامه وحِكَمه السامية.
هو من فضل الله -سبحانه وتعالى- على هذه الأمة؛ لما له من الخصائص والمزايا، ولما أعطيت فيه أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- من الهبات وخصت فيه من الكرامات، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين".
فيا لها من فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتهفو إليها الأرواح، وتكثر فيها دواعي الخير، تفتح الجنات، وتتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وتحط الأوزار والخطيئات، يجزل الله فيها العطايا والمواهب، ويفتح أبواب الخير لكل راغب، ويعظم أسباب التوفيق لكل طالب، فلله الحمد والشكر على جزيل نعمائه، وترادف مننه وآلائه.
معاشر المسلمين: إن الأفراد والأمم لمحتاجون لفترات من الراحة والصفاء لتجديد معالم الإيمان، وإصلاح ما فسد من أحوال، وعلاج ما جد من أدواء، وشهر رمضان المبارك هو الفترة الروحية التي تجد فيها هذه الأمة فرصة لاستجلاء تاريخها، وإعادة أمجادها، وإصلاح أوضاعها، إنه محطة لتعبئة القوى الروحية والخلقية التي تحتاج إليها الأمة، بل يتطلع إليها كل فردٍ في المجتمع، إنه مدرسة لتجديد الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتقوية الأرواح، وإصلاح النفوس، وضبط الغرائز، وكبح جماح الشهوات، إنه مضمار يتنافس فيه المتنافسون للوصول إلى قمم الفضائل، ومعالي الشمائل، وبه تتجلى وحدة الأمة الإسلامية.
الصيام مدرسة للبذل والجود والبر والصلة، هو حقًّا معين الأخلاق ورافد الرحمة، ومنهل عذب لأعمال الخير في الأمة.
فما أجدر الأمة الإسلامية وهي تستقبل شهرها أن تقوم بدورها! وتحاسب نفسها! وتراجع حساباتها! وتعيد النظر في مواقفها.
ما أحوجها إلى استلهام حكم الصيام، والاستفادة من معطياته، والنهل من معين ثمراته ونمير خيراته.
أمة الإسلام: بماذا عسانا أن نستقبل شهرنا الكريم، وموسمنا الأغر العظيم؟! إن الناظر في واقع الناس اليوم إزاء استقبال هذا الشهر الكريم يجدهم أصنافًا:
فمنهم من لا يرى فيه أكثر من حرمانٍ لا داعي له، وتقليدٍ لا مبرر له، بل قد يرفع عقيرته مدعيًا أنه قيودٌ ثقيلة وطقوسٌ كليلة، تجاوزها عصر الحضارة وتطور الثقافة وركب المدنية الحديثة.
ومنهم من لا يرى فيه إلا جوعًا لا تتحمله البطون، وعطشًا لا تقوى عليه العروق.
ومنهم من يرى فيه موسمًا سنويًّا للموائد الزاخرة باللذيذ المستطاب من الطعام والشراب، وفرصة سانحة للسمر والسهر واللهو إلى هجيعٍ من الليل، بل إلى بزوغ الفجر، ممتطين صهوة الفضائيات، وما تقذف به شتى القنوات، وما تعج به شبكات المعلومات، يتبع ذلك استغراق في نومٍ عميق نهارًا، فإذا كان من ذوي الأعمال تبرم بعمله، وإذا كان من أصحاب المعاملات ساءت معاملاته وضاق عطنه، وإذا كان موظفًا ثقل عليه الالتزام بأداء مسئولياته، وقلَّ إنتاجه وعطاؤه، وغالب هذا الصنف هم من يملؤون الأسواق هذه الأيام تبضعًا وتخزينًا للمواد الغذائية المتنوعة، زاعمين أن ذلك يترجم الاستقبال الأمثل لرمضان.
وفي الأمة -بحمد الله وهم الأكثرون إن شاء الله- من يرى في رمضان غير هذا كله، وأجلَّ منه جميعه، يرون فيه دورة إيمانية تدريبية لتجديد معانٍ عظيمة في النفوس، من الإيمان العميق، والخلق القويم، والصبر الكريم، والعمل النبيل، والإيثار الجليل، والتهذيب البليغ، والإصلاح العام للأفراد والمجتمعات.
إن استقبالنا لرمضان -يا عباد الله- يجب أن يكون بالحمد والشكر لله -جل وعلا-، والفرح والاغتباط بهذا الموسم العظيم: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
والتوبة والإنابة من جميع الذنوب والمعاصي، وأي عبدٍ لم يلم بشيءٍ منها؟! كما يجب الخروج من المظالم، وأداء الحقوق إلى أصحابها، وفتح باب المحاسبة الجادة للنفوس، والمراجعة الدقيقة للمواقف، والعمل على الاستفادة من أيامه ولياليه صلاحًا وإصلاحًا، بهذا الشعور والإحساس يتحقق الأمل المنشود، وتسعد الأفراد والمجتمعات بإذن الله.
أما أن يدخل رمضان ويراه بعض الناس تقليدًا موروثًا، وأعمالاً صورية محدودة الأثر ضعيفة العطاء، بل لعل بعضهم أن يزداد سوءًا وانحرافًا والعياذ بالله، فذلك انهزام نفسي، وعبثٌ شيطاني، له عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". ألا فلتهنأ الأمة الإسلامية جميعًا بحلول هذا الشهر العظيم، وليهنأ المسلمون قاطبة بهذا الوافد الكريم.
إنه فرصة للطائعين للاستزادة من العمل الصالح، وفرصة للمذنبين للتوبة والإنابة، كيف لا يفرح المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! وكيف لا يفرح المذنب بإغلاق أبواب النيران؟! يا لها من فرصٍ لا يرحم فيها إلا مرحوم، ولا يحرمها إلا محروم! ويا بشرى للمسلمين بحلول شهر الصيام والقيام!
فالله الله -عباد الله- في الجد والتشمير دون استثقالٍ لصيامه، واستطالة لقيامه، واستبطاءٍ لأيامه، وحذار حذار من الوقوع في نواقضه ونواقصه، أو تعاطي مفطراته الحسية والمعنوية، وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
إخوة الإيمان: إن شهر رمضان آتٍ بعد لحظات:
جاء شهر الخيرات بالبركات *** فأكرم به من زائرٍ هو آت
فالذين يستقبلونه على أنه شهر جوعٍ ونومٍ، وحرمانٍ نهاري، وشبع وسهر ليلي، وأعمالٍ وأقوالٍ لا تجاوز اللسان، ولا يعمر به جنان، لن يستفيدوا من معطياته، ولن ينهلوا من خيراته.
وأما الذين يستقبلونه على أنه مدرسة لتجديد الإيمان، ومحطة لتهذيب الأخلاق والسلوك، وتقوية الضمائر والأرواح، وانطلاقة جادة لحياة أفضل، ومستقبلٍ أكمل، فهؤلاء هم المستثمرون على الحقيقة، قد أغذوا السير وأعدوا الحياة لتروح نسماته، والنهل من خيراته وبركاته، هؤلاء هم الخليقون بالرحمات، الحقيقون بالخيرات، الجديرون بالعطايا والهبات، المبشرون بروح الجنات، هؤلاء -بإذن الله- هم المعوَّل عليهم -بعد الله- في صلاح الأوضاع، واستنـزال النصر والعزة، وكسب الجولات، في إسعاد المجتمعات، ومواجهة التحديات.
وما أحوجنا إلى هذا الجيل الإيماني اليوم ونحن نواجه المؤامرات من قوى الشر والطغيان، وإن الغيور ليتساءل بحرقة وأسى: بأي حالٍ يستقبل إخواننا المسلمون في الأرض المباركة فلسطين شهر رمضان المبارك، وهم يواجهون العدوان اليهودي الغاشم ضد مقدسات الأمة ومقدراتها هناك؟! بأي حال يستقبل إخواننا في العقيدة على ثرى كشمير والشيشان وفي بقاعٍ كثيرة من العالم هذا الشهر الكريم؟!
إن الواجب علينا -يا عباد الله- شكر نعمة الله على ما نعيشه من أمنٍ وأمان، وأن نقدم لإخواننا المسلمين المضطهدين في دينهم في كل مكان، ما نستطيعه من دعاءٍ وبذل وعطاء، لا سيما من ذوي المال واليسار، والغنى والاقتدار، في تلمُّس احتياجات إخوانهم الذين تربطهم بهم عقيدة الإسلام، كيف لا وقد حلَّ فينا شهر الخير والبركة، وهو شهر الجود والبذل والعطاء، فلنتحسس إخواننا المحتاجين من قريبٍ وبعيد، فنمد لهم يد العون والمساعدة، وهذا من واجب الأخوة الإسلامية.
وهمسة محبٍ ناصح في أذن كل من يواقع معصية، أو يقترف خطيئة، فإن شهر رمضان فرصة للإقلاع والندم والتوبة والإنابة، وهو مدرسة الصبر والتحمل والقوة والإرادة، فلنبادر جميعًا إلى الكف عن الوقوع في أي لونٍ من ألوان المحرمات في حقوق الله أو في حقوق عباد الله، لاسيما والأجواء الإيمانية والأوقات الروحانية تعين على ذلك، كيف لا والعمر قصير، والأجل يأتي بغتة. والله المستعان.
كما أن الدعوة موجهة وبإلحاح إلى القائمين على وسائل الإعلام، والمسؤولين عن القنوات الفضائية، أن يتقوا الله في الأمة في هذا الشهر الكريم، فيبثوا الخير والفضيلة، ويكفوا عن الشر والرذيلة، تأدبًا مع قدسية الزمان، ورعاية لحرمة شهر رمضان، هذا إن رمنا الاستفادة من هذا الشهر الكريم، وإننا لفاعلون إن شاء الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
اللهم بلغنا بمنك وكرمك شهر رمضان، اللهم أهلَّ علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبه وترضاه يا ذا الجلال والإكرام، واغفر اللهم لنا ما سلف وكان، من الذنوب والخطايا والعصيان، اللهم اجعله شهر عزٍّ ونصرٍ للإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم وأعنا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، إنك خير مسؤول وأكرم مرتجى مأمول.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يمنُّ على عباده بمواسم الخيرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب البريات، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله المبعوث بكريم السجايا وشريف الصفات، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- واشكروه على ما منّ به عليكم من قرب حلول شهر الصيام والقيام، واعلموا -يا رعاكم الله- أن إدراك شهر رمضان نعمة عظمى ومنة كبرى، فكم من أناسٍ حال بينهم وبينه هادم اللذات ومفرق الجماعات، ولقد كان رسولكم -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، يستحث بذلك عزائم المؤمنين، ويشرح صدور المسلمين للإقبال على طاعة رب العالمين، ويشوقهم ويرغبهم فيما عند الله من الفضل العظيم والخير العميم، فقد روى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي من حديث سلمان -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يومٍ من شعبان فقال: "أيها الناس: قد أظلكم شهرٌ كريم مبارك، شهرٌ فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر...". الحديث.
وفي الحديث الآخر: "أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه فينـزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله -عز وجل-". رواه الطبراني وغيره، ورواته ثقات من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-.
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير: أقبل، ويا باغي الشر: أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة".
فيا أيها المسلمون: أروا الله من أنفسكم خيرًا، افتحوا صفحة جديدة من حياتكم، مسطرة بأحرف الخير والبر والتقوى والعمل الصالح.
أتى رمضان مزرعة العباد *** لتطهير القلوب من الفسادِ
فأدِّ حقوقـه قولاً وفعلاً *** وزادك فـاتخذه إلـى المعادِ
فمن زرع الحبوب وما سقاها *** تأوه نـادمًا يوم الحصادِتأسوا بنبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- إذا جاء رمضان استعد له، لا بالمآكل والمشارب، بل بالطاعة والعبادة والجود والسخاء، فإذا هو -مع ربه- العبدُ الطائعُ والمنيبُ الخاشعُ، ومع عباده الرسولُ الجائعُ السخيُّ الجوادُ الكريمُ: وكان -عليه الصلاة والسلام- أجود بالخير من الريح المرسلة.
فيا أيها المؤمنون: استعدوا لشهر رمضان، واستقبلوه بالخير والعمل الصالح.
إذا رمضان أتى مقبلاً *** فأقبل فبالخير يستقبلُ
لعلك تخطئه قابلاً *** وتأتي بعذر فلا يقبلُوأعدوا أنفسكم للتخلق بأخلاقه، والاستفادة من حكمه وأسراره، فيا من يريد تجارة لن تبور، ورزقًا لا ينفد، وربحًا لا يحد ولا يعد: في هذا الشهر تدرك، وبالصيام فيه تلحق بركب الفائزين، ها هي سوق الخير نصبت فأين المتاجرون؟! وساحة العفو اتسعت فأين المتنافسون؟!
هيا أيها المؤمنون: قد فتحت أبواب الجنة، فأين الراغبون؟!
ويا أيها المذنبون: قد أغلقت أبواب النار، فأين التائبون توبة صادقة نصوحًا شاملة لكل جوانب الحياة؟!
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم بمنه وكرمه.
هذا، وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير الورى وأفضل من وطئ الثرى، كما أمركم بذلك المولى -جل وعلا-، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله أبي القاسم، ما تعاقب الجديدان وتتابعت المواسم، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.