بعض الصحف المصرية لاتزال تصر على أن السلفيين سيذهبون إلى ميدان التحرير غدا لطرد العلمانيين، وأنها ستكون جمعة تطهير الميدان من المعتصمين. الأمر الذى إذا صدقناه فلابد أن نتوقع حربا أهلية فى الميدان، ستشل العاصمة وتحطم المحال التجارية ولن يسلم منها السكان، ليس فقط الذين يطلون على الميدان، ولكنها ستطول كل سكان وسط البلد.
صحيح أن هناك من تحدث فى الطرد والتطهير، ولكن هذه كانت أصوات آحاد ممن يغلب عليهم الانفعال والشطط، ونظائرهم كثيرون فى كل اتجاه وساحة. وقد سمعنا هتافات بعضهم التى نادت باسقاط المجلس العسكرى والمشير وإعدام حسنى مبارك وحبيب العادلى فى ميدان التحرير. لكن هذه الأصوات الشاذة تراجعت أمام صوت العقل الذى عبر عنه آخرون، ودعوا إلى ضرورة أن تكون الجمعة إعلانا عن عودة «اليد الواحدة» إلى جماهير ثورة 25 يناير. ورغم أن موقف العقلاء برز خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، فإن بعض الصحف لاتزال حتى أمس (الأربعاء) تتحدث عن زحف مليونية السلفيين على ميدان التحرير.
واستخدام مصطلح «الزحف» يستدعى على الفور احتمال الصدام والاقتتال، لان الكلمة لا تستخدم فى وصف الذاهبين للتصالح والتوافق.
لا أستطيع أن أفسر هذا الموقف بحسن نية. وأشم فيه رائحة التهييج والتحريض والوقيعة.
ذلك أنه إذا تحدث صوت واحد عن تطهير الميدان من العلمانيين. فى حين دعا عشرة آخرون إلى تضامن الجميع وتعاهدهم على تحقيق الوحدة الوطنية، فإنه من الغفلة أن تفترض البراءة فيمن يردد كلام الأول ويتجاهل كلام العشرة.
النموذج الذى نحن بصدده ليس فريدا فى بابه، لاننا نشهد فى بعض منابر الإعلام المقروءة والمرئية جهدا حثيثا سواء لتشويه بعض القوى والتيارات أو للوقيعة بين فصائل القوى الوطنية. وهذا وذاك يعتمد أسلوب اصطياد الكلمات أو تحريفها، ولم يخل الأمر من اختلاق بعض الاخبار وإشاعتها بين الناس. التجمعات الإسلامية لها حصتها التقليدية ونصيبها الأوفر من تلك الحملة. وخلال الأسابيع الأخيرة أصبح المجلس العسكرى هدفا آخر لها. إذ المطلوب أن تظل العلاقة متوترة والخصومة قائمة بين الإسلاميين والسلطة من ناحية، وبينهم وبين العلمانيين من ناحية ثانية، وبينهم وبين الأقباط من ناحية ثالثة، كما صار مطلوبا أيضا أن تتعمق الفجوة ويستمر الاشتباك بين المجلس العسكرى وبين قوى المجتمع، كأنما المراد الآن إقناع الرأى العام بأن القوى الإسلامية تمثل تهديدا للمجتمع المدنى وأن المجلس العسكرى يمثل تهديدا لأهداف الثورة.
لا يحسبن أحد أننى أدعو إلى تحصين أى طرف ضد النقد أو الحساب، لكننى أدعو فقط إلى تجنب التحريض والتشويه والوقيعة. فحين يكون قرار الجماعات السلفية أن تذهب لكى تتلاحم مع غيرها من قوى الثورة، فمن عدم الأمانة أن يقال إنها ذاهبة لتطهير الميدان من المعتصمين. وحين يطلب من عميل للموساد أن يحاول الاتصال بالإخوان، ثم تنشر إحدى الصحف على صفحتها الأولى أنه اتصل فعلا فإن ذلك يعد كذبا يثبت سوء النية. وليس من البراءة أن يوصف تراجع عدد الفائزين فى انتخابات طلاب جامعة القاهرة بأنه «انتصار» للقوى الوطنية والديمقراطية، فى حين إذا فاز الإخوان فى انتخابات نقابة الصيادلة فإن ذلك يعد عندهم «انقضاضا» على النقابة.
بذات القدر فليس من الأمانة ولا حتى من الكياسة ان يوصف ذهاب بعض المتظاهرين إلى مقر وزارة الدفاع بأنه مسيرة للثوار ضد المجلس العسكرى، أو أنه بمثابة سحب للثقة من المجلس، وأسوأ من ذلك أن يطرح سؤال حول ما إذا كان المجلس مع الثورة أم ضدها. فذلك لعب خطر بالألفاظ يضعنا بإزاء مجموعة من الرسائل المفخخة.
المشكلة أن مصر تعيش الآن حالة من الفلتان الإعلامى، خصوصا على صعيد الصحافة المقروءة والإعلام المرئى. وتأثير الأخير أخطر بكثير، ليس فقط على الجماهير العادية ولكن أيضا بالنسبة لصانع القرار ذاته. حتى أزعم أن التليفزيون يلعب الآن الدور الأخطر فى تشكيل الإدراك وصناعة القرار. ولذلك صار جاذبا لأعداد كبيرة من رجال الأعمال، حتى إن بعض القنوات أصبحت تعبر عن مصالح وأجندات أصحابها الممولين بأكثر مما تعبر عن المصالح الوطنية العليا.
مطلوب منا أن نفتح أعيننا جيدا، لأن بعض الذى ينشر فى الصحف لم يعد مجرد كلام جرايد ولكنه فى الحقيقة رسائل مفخخة يراد بها ان تنفجر فى وجوهنا جميعا.
المزيد من المقالاتالدرس الأول إنهم يخططون لإسقاط هيبة الجيش المصري لتعم الفوضى بعيون إسرائيلية ثورة العلم وبوصلة الأمل