كلما اشتدت محاولات اغتيال ميدان التحرير سياسيا وأخلاقيا اكتسب هذا المكان الرائع قيمة روحية أكثر، وأصبح بحق العنوان الثابت لكل الباحثين عن التغيير فى مصر.
وكنت قد حذرت فى مقال سابق من أن الأشرار نجحوا فى زرع بعض الحشائش السامة فى أرضية الميدان ولوثوا هواءه بروائح كريهة، صنعت فى مطابخهم وأطلقوها على الميدان، وطالبت نبلاء الثورة وحراسها الحقيقيين بمنح الميدان فرصة كى يتنفس ويلفظ ما فى جوفه من سموم دسوها له لتشويه صورته، وتقبيح صوته، وإلصاق تهم به من قبيل التحريض على ضرب الاقتصاد بإغلاق قناة السويس وتعطيل المصالح الحكومية.
والآن أكرر أن الميدان يبقى دائما هو أروع الأماكن وطهرها فى مصر، وأثق فى قدرته على طرد الأرواح الشريرة والتطهر الذاتى مما علق به من نفايات معادية للثورة ومقاومة للتغيير والتطهير.
غير أن بعض الخفافيش الإلكترونية فسرت هذه الدعوة على أنها انتقاص من قدر الميدان، أو مطالبة بفض الاعتصام وإنهاء الإضراب عن الطعام الذى أعلنه عشرات من شباب الثورة الجميل، وهو ما لم أتطرق إليه على الإطلاق، كما لم أقصد أبدا النيل من نصاعة وجدان المرابطين فيه من أسر الشهداء والثوار الحقيقيين، ذلك أن قناعتى أن الميدان هو جيش الثورة الوفى، بمتظاهريه، وحتى باعته الجائلين الذين حفظنا وجوههم وأحببنا وجودهم فى المكان منذ الخامس والعشرين من يناير، والذين صاروا جزءا من معالم المكان وبعضا من وقود الثورة وعتادها.
وما قصدته بالضبط أن هناك من القوى المضادة للثورة من تسلل إلى المكان متنكرا فى زى الثوار، مدفوعا ومجهزا من جهات ضاقت زرعا بالميدان وقررت استنزافه وإنهاكه معنويا، وهؤلاء هم من طالبت بحصرهم وتنظيف الساحة منهم، كى لا يصبحوا الطابور الخامس فى الثورة.
وإذا كان بعض الأنقياء فى ميدان التحرير الممتد من الإسكندرية حتى أقاصى الصعيد قد ساءهم ما كتبته هنا قبل يومين، فإننى أعتذر علنا لهم وللميدان، وأضيف أن أحدا لا يستطيع أن يطالب بفض الاعتصام وإنهاء الإضراب، بل إن طريقة تعامل الجهات المعنية بالأمر مع الموقف تجعلنى أشد على أيدى المعتصمين وأحيى صمودهم الباسل أمام الحرب الإعلامية القذرة التى تشن على الميدان الآن.
إنك لو أدرت مؤشر الراديو أو قلبت ريموت التليفزيون ستجد أن الإعلام الرسمى ارتد إلى حالة ما قبل 11 فبراير، واستعاد قاموسه الساقط فى التعبير عن كراهيته للميدان والثوار، بما يذكرك بأجواء ما قبل موقعة الجمل.
وإذا كان وزير الإعلام الجديد يستمع ويشاهد ما يبث من سموم عبر الأثير ضد الميدان هذه الأيام فتلك مصيبة، أما إذا كان مهرجان الدجل الإعلامى هذا منصوبا دون علمه فإن المصيبة تكون أعظم.
إن الحرب ضد الميدان تجرى على جبهتين الآن: حملة تشويه منظمة ضد المعتصمين.. وصمت مطبق وتجاهل تام من الحكومة والمجلس العسكرى لمطالب الثوار المشروعة، وكأنهم يراهنون على إنهاكهم نفسيا لإجبارهم على الانسحاب والتسليم.
اقرأوا التاريخ القريب جيدا ستدركون أنه رهان تعيس وخاسر، مع ثورة تشبه طائر العنقاء كلما أحرقوها يخرج من رمادها مخلوق جديد.
المزيد من المقالاتالتخلص من كراكيب يحيى الجمل هل حقًا فشلت الثورة ؟ رحيل رجل نبيل الماضوية العلمانية