المحامي محمد احمد بكور
خلال أربعة أشهر مضت والساحة السورية تشهد تطورات متسارعة لانتفاضة الكرامة والحرية ، و لأنتصار الحياة على الموت وثورة حياة العزة على الذل والعبودية ، والعدل على الجور الاجتماعي الممارس منذ أكثر من أربعة عقود ، أنها ليست ترفا فكريا أو سياسيا للهواة و المحترفين والطامحين .
فالحرية حق أنساني وحاجة اجتماعية وضرورة سياسية تتطلب نضالا وتضحية بالنفس لانتزاعها وشهداؤها أحياء عند ربهم وخالدون في ذاكرة المجتمع والتاريخ ، وأجسادهم صراط عبورٍ من الظلم إلى العدل ومن الظلام إلى النور .
وبرغم كل التطورات واتساع الحراك الشعبي شاملا معظم الساحة السورية بمسيرات نهارية وليلية وعصيانات مدنية محدودة ، وحرق صور رموز النظام وتحطيم أصنام اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى في الساحات العامة لإزالة آثار تقديس الفرد ومرحلة العبودية من أرضنا وتاريخنا الوطني ، فلم يدرك النظام أنها نهاية الحكم الشمولي وبدايةٌ لبزوغ عصرٍ جديد للحرية وحقوق الإنسان .
ولا يزال يراهن على عامل الزمن لنجاح حله الأمني ، بل أسرف في استخدامه القوة ، لكن أيمان الشعب بحقوقه المسلوبة وتصميمه على استردادها قد أفشل حلّهُ .
فأختار كما هي طبائعه وعاداته أن يلبس ثياب المصلحين قولا ويناقضها فعلاً ، فأعلن عن لقاءات ومشاورات واعدا بمؤتمرات رافعا شعار الحوار الخالي من أي مضمون وجديّة .
فلو كان صادقاً كان لديه متسع من الوقت لإصدار مراسيم وقرارات وتعديلات جوهرية تضع البلاد على سكة التغيير ، لإنقاذ الدولة من التفكك والتدمير و الانهيار وتجنيب البلاد من الصراعات والزلازل والهزات ، ولكن حب السلطة أعمى بصره وبصيرته و زيّنَ له أن الانتفاضة حالة عابرة .
فالحوار من حيث المبدأ وتوفر القناعة له شروط أبسطها أن يكون بين متحاورين يملكون الحرية و الإرادة لأنهم مختلفون ،وليس بين مجموعة من السمّار من حواريين ومؤلفة قلوبهم أو مطايا ، كاد يطير كلٌّ منهم فرِحاً عندما علّق الساجور برقبته منتظرا أداء دوره على مسرح التزوير والتبرير للأستبداد .
ومن إدراكنا ووعينا لعمق الأزمة السورية وتعقيداتها والزمن الذي قد تستغرقه ، وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات فأننا نؤيد كل اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات التي تعقدها المعارضة في الداخل والخارج وغرضها الانتقال السلمي إلى الديمقراطية البرلمانية والتعددية وتداول السلطة و أقامة دولة العدل والمساواة ، ومع كل لقاء أو مؤتمر لدعم الانتفاضة سياسيا وإعلاميا وحشداً وتعبئةً .
ولكن لا نخفي وجهة نظرنا بأنَّ ما تم حتى الآن لا يرتقي إلى مستوى مؤتمر وطني يوّحد المعارضة وينقذ سورية ، هو دونما يجري على أرض الواقع أو ما يتطلع أليه الشارع السوري ويخفف من قلقه الحاضر ومن خوفه على المستقبل ، ومع ذلك فهي خطوات مفيدة لدعم ومساندة الانتفاضة أذا لم تُصادر حقها أو تدّعي أنها ممثلة للشعب ، وتجنبت القضايا الخلافية وتم الابتعاد عن التسرع والاستعجال ورغبات البعض بالاستئثار .
ونرى أن أي مؤتمر سواءً كان بمعزل عن السلطة أو بمشاركة أجنحة منها تؤيد التغيير الحقيقي ولن تسهم في ممارسات إجرامية .
أن مثل هكذا مؤتمر ليُكتب له النجاح يتطلب عاملين رئيسيين هما :
1- العامل الفني 2- العامل المبدئي
العامل الفني أو التنظيمي أي كل ما يتعلق بالتنظيم والأعداد من حيث الشكل للتحضير للمؤتمر وتحديد المشاركين دون إقصاء والزمان والمكان وضمان حرية المشاركين و أمنهم وأن لا يكون عليهم رقيباً ألاّ ضمائرهم والمصالح العليا للوطن والشعب وأن يكون حول طاولة مستديرة وليس بين حاكم ومحكوم أو أدّعاءٍ بحجوم ......
العامل المبدئي وهو ما يتعلق بمضمون الحوار كتشخيص عوامل الأزمة وكيفية الخروج منها وتحديد المبادئ الأساسية لهذا الحوار بدّقة ، والابتعاد عن الصيغ العامة حمّالة الأوجه والاتفاق على برنامج وطني لإنهاء الحكم الشمولي والانتقال إلى الحرية والديمقراطية ، فلا يكفي أن نتفق على ضرورة التغيير بل على صيغ العمل الايجابي لما بعده ، وأن التداول والحوار والاتفاق يجب أن يتمحور في آلية وكيفية هذا التحول كإلغاء الدستور ، انتخاب هيئة تأسيسية تضع دستورا يقوم على عقد اجتماعي جديد ، ويحرّم فيه حكم الفرد والحزب الواحد والاستئثار بالسلطة تحت أيّ صفةٍ كانت ويضع قيودا شديدة لمنع انتهاك الحريات العامة ويحرّم ممارسة التعذيب ، وانتخاب مجلس نيابي وتحديد الفترات الزمنية للمراحل الانتقالية لكل مرحلة من المراحل ، وان تكون صناديق الاقتراع وحدها التي تحدد حجم وثقل كل حركةٍ وحزبٍ .
إذ لا يجوز لعشرات من الأفراد غير منتخبين من الشعب حق مصادرة حق الشعب في تحديد خياراته .
وبرغم من قناعتنا بأن النظام آيّل للسقوط عاجلا أم آجلا ، لكن تشكيل حكومة ظل نظرة سطحية وتبسيط للأمور وفكرة غير صائبة وخطرة لان لهذا الأجراء مناخه وشروطه وننصح بعدم الاستعجال لأنه مثير للجدل والاختلاف ، ولقد راودت هذه الفكرة الكثيرين قبل هذا التاريخ دون أن يعوا أخطارها ، فوقفنا ضدها منذ مؤتمر للمعارضة في واشنطن عام 2005 وما تلاه من مؤتمرات سواء بمقالاتنا أو بمن كان يمثلنا في تلك اللقاءات .
أن تشكيل مثل هذه الحكومة تحت أي أسم له شروطهُ ومحدداتهُ وزمانهُ ولا زلنا بعيدين عنها وبنفس الوقت فهي مَدّعاة للانقسام وبذور للشقاق والتشرذم ، لهذا لا نرى مبرراً للاستعجال ، وعلى المتعاطين بالشأن السوري أن يقرؤوا الواقع السياسي على الأرض جيدا ويقدرون الموقف بشكل دقيق وأن لا يكتفوا برؤية القسم الظاهر من السفينة على وجه البحر ، ونفضّل أن تُركز الجهود على توحيد المعارضة وإيجاد صلات مع قيادات الانتفاضة بقدر ما تسمح به ظروفهم وليس مصادرة حقهم ، واستنهاض الهمم وتفجير الطاقات الكامنة والقطاعات الصامتة من الشعب و أيجاد السبل لتحريكها وتعبئتها.
ونجد أن هذا يتطلب تشكيل لجان شعبية في كل حيّ وفي القرى والنواحي و الاقضية وتحقيق التواصل فيما بينها على مستوى القطر لربط وضبط الحركة الجماعية على الساحة .
أن هذا سيؤدي إلى اختلال موازين القوى بين أكثرية الشعب المسحوقة وبين أقليّة متحكمة وهذا سيفرز تداعيات كبيرة على كل المستويات وأولها المؤسسة العسكرية لتنحاز إلى الشعب .
ونقترح على قيادات المعارضة عدم تسّلم أي منصب رسمي في المرحلة الانتقالية للحفاظ على نزاهتها وعدم أثارة الشكوك حولها أو التنافس فيما بينها .
أن ما تم حتى الآن لا يعدوا أن يكون لقاءات وحوارات وندوات مفيدة لا ترتقي إلى مستوى مؤتمر وطني يضم أطياف المعارضة ، فنحن أمام مفهومين ومشروعين متناقضين.
مفهوم التغيير الجذري ومشروع أقامة دولة المواطنة والعدل والمساواة ومرجعيتها الشعب ، ومفهوم التجميل والتزوير والتبرير لاستمرار الحكم الشمولي ومرجعيته الفرد ومع ذلك يبقى فارقا كبيرا وبوناً شاسعا بين هذه اللقاءات التي تسعى في مجملها إلى التغيير وبين مؤتمرات السلطة التي ترمي إلى التزوير والتبرير.
17-7-2011
المحامي محمد احمد بكور
syrdwc@gmail.comالمزيد من المقالاتبين الشعب والجيش من أنتم ؟!! أنا الوزير