ما زلنا ننتظر تفاصيل اغتيال الشيخ اسامة بن لادن على يد مجموعة كوماندوز امريكية اقتحمت منزله الذي كان يقيم فيه مع بعض زوجاته وأطفاله في ابوت اباد قرب العاصمة الباكستانية اسلام اباد مطلع الشهر الحالي.
حتى هذه اللحظة لم تفرج السلطات الامريكية، عن الصورة التي قالت انها التقطتها لجثة الشيخ بعد اطلاق الرصاص عليه تحت ذريعة انها على درجة كبيرة من البشاعة بحيث يمكن ان تثير غضب اتباع تنظيمه المنتشرين في مختلف انحاء العالم.
آخر الاقتراحات الرائجة في الاوساط الامريكية تفيد بانه قد يتم عرضها على مجموعة منتقاة من اعضاء لجنتي الأمن والاستخبارات في الكونغرس الامريكي داخل مقر وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي. اي. ايه) لاثبات واقعة القتل، وهي مقترحات لو جرى تطبيقها عملياً وفعلياً لن تغير من قناعاتنا، والملايين مثلنا، في اجزاء عديدة من العالم الاسلامي.
الادارة الامريكية التي حاضرت علينا لعقود حول ضرورة تحلينا، نحن ابناء العالم الاسلامي، بـ'الشفافية'، وحرية المعلومات بالتالي، تمارس ابشع انواع الكذب والتعتيم فيما يتعلق بحالة اغتيال رجل اعزل، أُخذ على حين غرة، داخل غرفة نومه، وامام اطفاله الصغار وزوجته.
هناك 'سر خطير' لا تريدنا الادارة الامريكية ان نعرفه، وتحاول بكل الطرق والوسائل تحويل الانظار عنه، وتراهن على عامل النسيان في هذا المضمار، ويتضح هذا بجلاء من خلال الافراج عن اشرطة هزيلة، تتضمن لقطات بلا قيمة اخبارية او معلوماتية، مثل تلك التي تظهره رجلاً مسناً اشيب اللحية يشاهد احد اشرطته التي تبثها قناة 'الجزيرة' الفضائية في حينها عبر جهاز تلفزيون قديم جداً ربما لا نجد له مثيلاً الا في المزابل.
الرجل يتعرض الى عملية اغتيال شخصية حتى بعد استشهاده حسب قول انصاره، ففي البداية قالوا انه يقيم في قصر فاخر، لنكتشف ان منزله متواضع للغاية وثمنه لا يزيد عن مئة وخمسين الف دولار وليس الملايين، ثم قالوا انه 'نرجسي' يتمتع بمشاهدة نفسه وأشرطته عبر التلفزة، فمن منا ومنهم، خاصة رجال السياسة والاعلام من لا يعيد مشاهدة تسجيلات تلفزيونية لمقابلاته لمعرفة أين أصاب وأين اخطأ، أين أجاد وأين قصّر.
ولعل أسوأ أنواع اغتيال الشخصية لرجل ميت، هو الكشف عن العثور عن حبات 'فياغرا عشبية' كانت مدسوسة بين أدويته، وكأن هذا اكتشاف عظيم سيجعل العالم اكثر أمناً واستقراراً، انه هبوط الى القعر الأسفل من انعدام الاخلاق لدولة تدعي انها قائدة العالم الحر وقيمه الحضارية والديمقراطية.
' ' '
مسلسل الكذب مستمر، وأحدث حلقاته التراجع عن رواية استشهاد ابنه حمزة معه، والقول ان الشخص الآخر القتيل هو ابنه الأصغر خالد (لاسامة بن لادن 25 ولداً وبنتاً من خمس زوجات) اما حمزة الذي كان يقيم في المنزل قبيل، او ربما اثناء الهجوم، فقد اختفى عن الانظار.
التقيت الشيخ اسامة بن لادن، ولم أجده نرجسياً، ولا مغروراً، وانما في قمة التواضع والخجل، وكان يفرض التقشف على افراد اسرته جميعاً، حتى انه رفض ان يركب مكيفات هواء في منزله في الخرطوم عندما اقام هناك قبل انتقاله الى افغانستان، حيث تصل درجة الحرارة الى 55 درجة مئوية، حتى لا يتميز عن غالبية السودانيين الفقراء. وأكد ابنه عمر الذي لم يحتمل شظف العيش هذا وعاد الى المملكة العربية السعودية، انه منع عليهم الالعاب والمشروبات الغازية والحلوى والشيكولاته.
الرجل انتقل الآن الى جوار ربه، ولكن ما نختلف حوله، او ما نريد معرفته الآن، هو التفاصيل، فلماذا لم يوار الرجل الثرى مثل كل البشر بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وجنسهم. فالامريكان والانكليز لم يدفنوا النازيين الذين تسببوا في قتل عشرات الملايين في البحر بعد تقديمهم الى محاكم عادلة، هل هو الخوف من خروج مئات الالوف، بل ربما الملايين في جنازته لو جرى دفنه في باكستان او المملكة العربية السعودية مسقط رأسه؟
السلطات الباكستانية التي تواطأت في عملية اغتيال الرجل، واذا كانت لم تتواطأ مثلما تدعي، فإنها لم تدافع عن حرمة ارض بلادها وسيادتها عندما لم تتصد للطائرات المروحية الامريكية الاربع التي نفذت العملية، هذه السلطات تحتجز زوجات الشيخ واطفاله تحت ذريعة التحقيق معهم، وهناك تقارير تفيد بانها قد تسلمهم الى الادارة الامريكية.
' ' '
هؤلاء اهلنا، وعرضنا، ولم يرتكبوا اي خطأ او خطيئة، ويجب على كل انسان مسلم ان يدافع عن هذا العرض ـ وعلينا ان لا ننسى اصغرهن السيدة آمال السادة اليمنية الحرة التي دافعت عن زوجها بشجاعة معرضة نفسها للموت من اجل حمايته، واصيبت اصابة بليغة، هذه الانسانة البطلة، التي تذكرنا بالصحابيات الجليلات تستحق منا ان نقف الى جانبها، وان نحفظ كرامتها، ونصون عرضها الى جانب زوجاته الأخريات ـ ويجب ان يتصاعد الضغط على الحكومة الباكستانية للافراج عن هؤلاء فوراً وعدم تسليمهم الى الولايات المتحدة تحت اي ظرف من الظروف، فالاستمرار في احتجاز هؤلاء جريمة كبرى لانهم ابرياء ولا ذنب لهن كونهن زوجات رجل دوخ القوة الاعظم في التاريخ، وجرها الى حربين عظميين في افغانستان والعراق، وكبدها تريليونات الدولارات خسائر مادية وقتل اكثر من خمسة آلاف جندي وعشرات الآلاف من الجرحى، والنزيف ما زال مستمراً.
نأسف لاننا لم نسمع، وبعد مرور اسبوعين تقريبا، مطالبة المملكة العربية السعودية بالافراج عن الزوجات والابناء لرجل سعودي، ونأسف اكثر لان السفير السعودي في اسلام اباد لم يتفضل بالسؤال عن مواطنيه وترتيب انتقالهم الى ارض ابيهم، واجدادهم، للعيش في كنف اسرتهم معززين مكرمين مثل باقي الخلق بعد سنوات من المعاناة، وهي معاناة لا تتحملها الجبال، فليس سهلاً ان تكون ابناً او بنتاً او زوجة لرجل تطارده كل مخابرات العالم لاكثر من خمسة عشر عاماً متواصلة، وينجح في الافلات منها طوال هذه السنوات حتى يدنو اجله.
تنظيم 'القاعدة' لن يضعف باستشهاد زعيمه، بل ربما يزداد قوة، لانه لم يعد مركزياً، والجيل الجديد من قياداته اكثر تشدداً من الحرس القديم المؤسس. وعلينا ان نتذكر ان حركة 'حماس' لم تضعف باستشهاد مؤسسها الشيخ احمد ياسين، وحركة 'الاخوان المسلمين' لم تنقرض باعدام الشيخ الدكتور سيد قطب او بعد اغتيال مؤسسها الشيخ حسن البنا، بل ازدادت قوة وصلابة.
العالم لم يعد اكثر امناً باغتيال زعيم تنظيم القاعدة مثلما بشرنا الرئيس باراك اوباما بعد اذاعة النبأ، ليس لان التنـــظيم سينــتقم حتماً لمقتــــل زعيــــمه، وانما لان الاسباب التي ادت وتؤدي الى نشوء الحركات والتنظيمات المتشددة في العالم الاسلامي، واولها الارهاب الاسرائيلي والدعم الامريكي له، ما زالت على حالها.
الاستقرار والامن لن يسودا العالم طالما ان الدولة العظمى التي لا تلتزم بحكم القانون، وتلجأ الى القتل والتصفية للعزل على طريقة عصابات المافيا، والخارجين على القانون. فالرجل الاعزل كان يستحق ان يقف في قفص الاتهام امام قضاء مستقل ليدافع عن نفسه اسوة بالآخرين الاخطر منه، والاكثر ارهاباً، وعلينا ان لا ننسى ان من قتلوا مليون عراقي في لندن وتكساس ما زالوا ينعمون بالحرية والعيش الرغيد في دول الحكم الديمقراطي الرشيد.
المزيد من المقالاتعبد السلام البسيونى: أوبامة بن لادغ يقتل أسامة بن لادن القزم الأمريكي والعملاق "بن لادن" بقلم مختار نوح