ربما يكون أهم موقف امريكي من الاوضاع في ليبيا هو قول الرئيس الامريكي باراك اوباما ان الزعيم الليبي معمر القذافي فقد كل شرعيته "وعليه ان يرحل".
ردد اعضاء ادارة اوباما الموقف ذاته، لكن مواقف الرئيس الامريكي من العمل العسكري تبدو متقدّمة كثيراً على مواقف وزرائه وكذلك دول الاطلسي واعضاء مجلس الامن الدولي.
ويوم الاثنين الماضي، تحدث اوباما الى رئيس وزراء كندا، ونشر البيت الابيض مضمون الاتصال وقال ان الزعيمين "اتفقا على ضرورة ردع نظام القذافي ومنعه من ارتكاب أعمال عنف اضافية، وايضا حماية من هم اهداف محتملين لهذا العنف"، واضاف انه تمّ الاتفاق على محاسبة من يعتدون على حقوق الانسان، كما تمّ الاتفاق على تقديم المساعدات الانسانية.
وفي الأيام التالية، تمّت إحالة القذافي وعدد من رموز نظامه الى محكمة الجنايات الدولية واستعد الامريكيون لارسال المساعدات ويبقى "الردع".
ويبدو اعضاء الادارة الأمريكية في حالة من التردد، فوزارة الدفاع، وخصوصاً الوزير روبرت غيتس يقول ان فرض منطقة حظر جوي يستدعي حملة عسكرية يتمّ خلالها قصف الدفاعات الجوية الليبية، كما يشير المدنيون في وزارة الدفاع الى ان فرض حظر جوي بالتزامن مع عمليات كبيرة في افغانستان واستمرار نشر آلاف الامريكيين في العراق، وايضاً الابقاء على حالة من التأهب تجاه ايران، كل هذا يجعل عملية فرض حظر جوي على ليبيا امراً معقداً.
ويشير المخططون العسكريون أيضاً الى ان ليبيا بلد شاسع، وفرض حظر جوي عليها سيعني القيام على مدى اشهر بعمليات تحليق واسعة النطاق لمنع قوات العقيد القذافي من استعمال المروحيات او الطائرات الحربية.
وأقلّ ما يقال عن كلام غيتس هو انه يعبّر عن شخصية الرجل، فهو يتردد امام اي عمل عسكري جديد، وهو عبّر عن تردد في مواقفه لدى مناقشة الادارة لخطة جديدة في افغانستان، ويعبّر عادة عن تردد في الموضوع الايراني. وربما لا يكون هناك اي مبرر لهذا التردد، فالدفاعات الجوية الليبية لا ترقى في تقنيتها وعددها الى قدرات الامريكيين او قدرات حلف الاطلسي ولا حتى اي دولة اوروبية.
بالمقابل، يعبّر العسكريون الامريكيون عن قدرتهم الاكيدة على القيام بأي عمل يطلبه الرئيس اوباما، ويشيرون الى ان أمر العمليات يبدأ بحملة قصف لتدمير الدفاعات الجوية يتبعها فرض منطقة منع التحليق.
ولا يبدو أن الاوروبيين واعضاء مجلس الامن أكثر حماساً من وزير الدفاع الامريكي، ففي المشاورات، استبعد الجميع القيام بعملية عسكرية.
يبدو الآن الرئيس الامريكي من الصقور في مواجهة أطراف كثيرة اختارت معسكر الحمائم. وهذه من المفارقات، فالمرشح الرئاسي اوباما اعطى الانطباع بأنه يعارض حروب جورج دبليو بوش، وبدا للامريكيين والعرب والمسلمين والاوروبيين انه مسالم، لكنه يثبت مع الوقت انه يريد استعمال القوة "ولكن في محلّها" أي في افغانستان حيث لم يتردد في ارسال آلاف من الجنود الى مسرح الحرب، ومنذ تسلّم السلطة قتلت طائرات بدون طيار مئات من عناصر طالبان والقاعدة في باكستان وافغانستان. ولم يعتقد اوباما ان الحرب في العراق حرباً مبررة لكنه اليوم يعتبر ان استعمال "الردع" في ليبيا مبرر.
يفتقد اوباما لصقور في المجتمع الدولي، ويفتقد المجتمع الدولي الى مأساة، فقرار التدخل متعلق الآن بغطاء عربي غير متوفّر وبقرار دولي يصدر عن مجلس الامن وهو غير موجود، ولكن سيصبح موجوداً لو حلّقت طائرات القذافي وقصفت امام أعين العالم متظاهرين او متمردين.
هذا الثمن من دماء الليبيين انما يعبّر عن عقم السياسة الدولية، اما مؤيّدو الرئيس الاسبق جورج دبليو بوش فينظرون الى توقّع الماساة بأسف، ففي زمن ذاك الرئيس ما كان يجب انتظار المآسي ويقولون ان "الضربة الاستباقية" كانت الافضل.
يبقى ان الامريكيين اولا والاوروبيين ثانياً يتمنون ان يسقط القذافي ونظامه على يد الثوار من دون مأساة او تدخّل خارجي ولا ضربة جوية.