الباب السادس عشر في توحد طريق الجنة وأنه ليس لها إلا طريق واحد هذا
مما اتفقت عليه الرسل من اولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم وأما
طرق الجحيم فأكثر من أن تحصى وأن تحصي ولهذا يوحد سبحانه سبيله ويجمع سبل النار كقوله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وقال وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر أي ومن السبيل جائر عن القصد وهي سبيل الغي وقال هذا صراط علي مستقيم وقال ابن مسعود خط لنا رسول الله خطا وقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ثم قال هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل الآية فأن قيل فقد قال الله تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام قيل هي سبل تجمع في سبيل واحد وهي بمنزلة الجواد والطرق في الطريق الأعظم فهذه هي شعب الأيمان يجمعها الإيمان وهو شعبة كما يجمع ساق الشجرة أغصانها وشعبها وهذه السبل هي إجابة داعي داعي الله بتصديق خبره وطاعة أمره وطريق الجنة هي إجابة الداعي إليها ليس إلا وقد روى البخاري في صحيحه عن جابر قال جاءت ملائكة إلى النبي فقال بعضهم أنه نائم وقال بعضهم العين نائمة والقلب يقظان فقالوا أن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا فقالوا مثله مثل رجل بني دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا أولوها له يفقهها فقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس ورواه الترمذي عنه ولفظه خرج علينا رسول الله يوما فقال إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه أضرب له مثلا فقال أسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك أتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل ما فيها وصحح الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال صلى رسول الله العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى خرج بي إلى بطحاء مكة فاجلسني ثم خط على خطا ثم قال لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك ثم مضى رسول الله
حيث أراد فبينا أنا جالس في خطي إذا أتاني رجال كلهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى بشرا وينتهون إلى لا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله حتى إذا كان آخر الليل لكن رسول الله قد جاءني وأنا جالس فقال لقد رآني منذ الليلة ثم دخل على في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان رسول الله إذا إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد ورسول الله متوسد فخذي إذا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إلى مجلس طائفة منهم عند راس رسول الله وطائفة منهم عند رجليه ثم قالوا ما رأينا عبدا قد أوتى مثل ما أوتى هذا النبي أن عينيه تنامان وقلبه يقظان اضربوا له مثلا مثل سيد بنى قصرا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبة أو قال عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله عند ذلك فقال سمعت ما قال هؤلاء وهل تدري من هم قلت الله ورسوله أعلم قال هم الملائكة فتدري ما المثل الذي ضربوه قلت الله ورسوله اعلم قال الرحمن بني الجنة ودعا إليها عباده فمن إجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عذبه
الباب السابع عشر في درجات الجنة قال تعالى
لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدون درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ذكر ابن جرير عن هشام ابن حسان عن جبلة بن عطية عن أبن محيريز قال فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه قال هي سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين عاما وقال ابن المبارك أنبأنا سلمة بن نبيط عن الضحاك في قوله تعالى لهم درجات عند ربهم قال بعضهم أفضل من بعض فيرى الذي قد فضل به فضله ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد من الناس وتأمل قوله كيف أوقع التفضيل أولا بدرجة ثم أوقعه ثانيا بدرجات
فقيل الأول بين القاعد المعذور والمجاهد والثاني بين القاعد بلا عذر والمجاهد وقال تعالى أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون وقال تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم وفي الصحيحين من حديث مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغاير من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ولفظ البخاري في الأفق وهو أبين والغابر هو الذاهب الماضي الذي قد تدلى للغروب وفي التمثيل به دون الكواكب المسامت للرأس وهو أعلى فائدتان أحدهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض وأن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله والله أعلم وفي الصحيحين أيضا من حديث سهل بن سعد أن رسول الله قال أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفة في الجنة كما ترون الكوكب في أفق السماء وقال الأمام أحمد حدثنا فرات أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله أن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاصيل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ورجال هذا الإسناد احتج بهم البخاري في صحيحه وفي هذا الحديث الغارب وفي حديث أبي سعيد الخدري الغابر وقوله الطالع صفة للكوكب وصفة بكونه غاربا وبكونه طالعا وقد صرح بهذا المعنى في الحديث الذي رواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن أبي هريرة عن النبي قال أن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاصيل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله
وصدقوا المرسلين وهذا على شرط البخاري أيضا
وفي المسند من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله أن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء فيقال هؤلاء المتحابون في الله عز و جل في المسند من حديث أبي سعيد الخدري أيضا عن النبي قال أن في الجنة مائة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم وفي المسند عنه أيضا عن النبي قال يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة وأما حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي قال أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة فأما أن تكون هذه المائة من جملة الدرج وإما أن تكون نهايتها هذه المائة وفي ضمن كل درجة دونها ويدل على المعنى الأول حديث زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله يقول من صلى هؤلاء الصلوات الخمس وصام شهر رمضان كان حقا على الله أن يغفر له هاجر أو قعد حيث ولدته أمه قلت يا رسول الله ألا أخرج فأوذن الناس قال لا ذر الناس يعملون وإن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض وأعلى درجة منها الفردوس وعليها ما يكون العرش وهي أوسط شيء في الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة وإذا سألتم الله فسلوه الفردوس رواه الترمذي هكذا بلفظه وروى أيضا من حديث عطاء عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال أن في الجنة مائة درجة ثم ذكر نحو حديث معاذ وفيه أيضا من حديث عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام قال هذا حديث حسن غريب
وفيه أيضا من حديث أبي سعيد يرفعه أن في الجنة مائة درجة لو أن العالمين إ جتمعوا في إحداهن لوسعتهم ورواه أحمد بدون لفظة في كما تقدم وقد رويت هذه الأحاديث بلفظة في وبدونها وإن كان
المحفوظ ثبوتها فهي من جملة درجتها وإن كان المحفوظ سقوطها فهي الدرج الكبار المتضمنة للدرج الصغار والله أعلم ولا تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديره بالخمسمائة لاختلاف السير في السرعة والبطء والنبي ذكر هذا تقريبا للافهام ويدل عليه حديث زيد بن حبان حدثنا عبد الرحمن بن شريح حدثني أبو هانيء التجيبي سمعت أبا علي التجيبي سمعت أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله يقول مائة درجة في الجنة ما بين الدرجتين ما بين السماء والأرض أو بعد ما بين السماء والأرض قلت يا رسول الله لمن قال للمجاهدين في سبيل الله
الباب الثامن عشر في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة روى مسلم في
صحيحه من حديث عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فأنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي وقال أحمد أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا صليتم فسلوا الله لي الوسيلة قيل يا رسول الله وما الوسيلة قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو
هكذا الرواية أن أكون أنا هو ووجهها أن تكون الجملة خبرا عن اسم كان المستتر فيها ولا يكون أنا فصلا ولا توكيدا بل مبتدأ وفي الصحيحين من حديث جابر قال قال رسول الله من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة هكذا لفظ الحديث مقاما بالتنكير ليوافق لفظ الآية ولأنه لما تعين وانحصر نوعه في شخصه جرى مجرى المعرفة فوصف بما توصف به المعارف وهذا ألطف من جعل الذي وعدته بدلا فتأمله وفي المسند من حديث عمارة بن غزية عن موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله
الوسيلة درجة عند الله عز و جل ليس فوقها درجة فسلوا الله لي الوسيلة وذكره أبن أبي الدنيا وقال فيه درجة في الجنة ليس في الجنة درجة أعلى منها فسلوا الله أن يؤتيها على رؤوس الخلائق وقال أبو نعيم أنبأنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن عمرو بن مسلم حدثنا عبد الله بن عمران العابد حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله والله أنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من أهلي وأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي حتى نزل جبريل بهذا الأية ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي لا أعلم بإسناد هذا الحديث بأسا وسميت درجة النبي الوسيلة لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن وهي أقرب الدرجات إلى الله وأصل اشتقاق لفظ الوسيلة من القرب وهي فعيلة من وسل إليه إذا تقرب إليه قال لبيد بلى كل ذي رأي إلى الله واسل ومعني الوسيلة من الوصلة ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا وقال صالح بن عبد الكريم قال لنا فضيل بن عياض أتدرون لم حسنت الجنة لأن عرش رب العالمين سقفها وقال الحكم آبن أبان عن عكرمة عن آبن عباس نور سقف مساكنكم نور عرشه وقال بكر عن أشعث عن الحسن إنما سميت عدن لأن فوقها العرش ومنها تفجر أنهار الجنة وللحور العدنية الفضل على سائر الحور والقربى والزلفى واحد وإن كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل وقال الكلبي آطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة وقد كشف سبحانه عن هذا المعنى كل الكشف بقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم اقرب فقوله أيهم اقرب هو تفسير للوسيلة التي يبتغيها هؤلاء الذين يدعوهم المشركون من دون الله فيتنافسون في القرب منه ولما كان رسول أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية واعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى
الله وهي أعلى درجة في الجنة وأمر النبي أمته أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء زلفى من الله وزيادة الإيمان وأيضا فإن الله سبحانه قدرها له بأسباب منها دعاء أمته له بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى صلوات الله وسلامه عليه وقوله حلت عليه يروى عليه وله فمن رواه باللام فمعناه حصلت له ومن رواه بعلى فمعناه وقعت عليه شفاعتي والله أعلم
الباب التاسع عشر في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي
طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وبين ربهم
قال تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التواراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم فجعل سبحانه ها هنا الجنة ثمنا لنفوس المؤمنين وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد
أحدها إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد باداة أن
الثاني الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر
الثالث إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع
الرابع أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه
الخامس أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على نفسه
السادس أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه
السابع أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن الثامن إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحانه
التاسع أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة من قد تم له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه
العاشر أنه أخبرهم إخبارا مؤكدا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم والبيع ههنا بمعنى المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة وقوله بايعتم به أي عاوضتم و ثامنتم به ثم ذكر سبحانه أنه هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم وهم التائبون
مما يكره العابدون له بما يحب الحامدون له على ما يحبون وما يكرهون السائحون وفسرت السياحة بالصيام وفسرت بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن سائحات وليست سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه ذكره
وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين هذه ترك ما يكره وهذه فعل ما يحب والحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب وجعل الإسلام والإيمان قرينتين فهذا علانية وهذا في القلب كما في المسند عنه الإسلام علانية والإيمان في القلب وجعل القنوت والتوبة قرينتين هذا فعل ما يحب وهذا ترك ما يكره وجعل الثيوبة والبكارة قرينتين فهذه قد وطئت وارتاضت وذللت صعوبها وهذه روضة أنف لم يرتع فيها بعد وجعل الركوع والسجود قرينتين وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينتين وأدخل بينهما الواو دون ما تقدم إعلاما بأن إحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر وجعل ذلك قرينا لحفظ حدوده فهذا حفظها في نفس الإنسان وذلك أمر غيره بحفظها وأفهمت الآية خطر النفس الإنسانية وشرفها وعظم مقدارها فإن السلعة إذا خفى عليك قدرها فآنظر إلى المشتري لها من هو ونظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو وانظر إلى ما جرى على يده عقد التبايع فالسلعة النفس والله سبحانه المشتري لها والثمن لها جنات النعيم والسفير في هذا العقد خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه وخيرهم من البشر وأكرمهم عليه
قد هيؤك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا أن سلعة الله غالية ألا إن
سلعة الله الجنة قال هذا حديث حسن غريب وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم من حديث أبان عن أنس قال جاء أعرابي إلى رسول الله فقال ما ثمن الجنة قال لا إله إلا الله وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله فقال يا رسول دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه فلما ولى قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا وفي صحيح مسلم عن جابر قال أتى النعمان بن قوقل إلى رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أدخل الجنة فقال النبي نعم وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك شيئا دخل الجنة قلت وأن زنى وأن سرق قال وإن زنى وأن سرق وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء وفي لفظ أدخله الله الجنة على ما كان من عمل وفي صحيح مسلم أن رسول الله أعطى أبا هريرة نعليه فقال أذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة وقال روح آبن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال ثمن الجنة لا إله إلا الله وروى أبو نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله يقول لا يدخل أحدا منكم الجنة عمله ولا يجيره من النار ولا أنا
إلا بتوحيد الله تعالى وإسناده على شرط مسلم وأصل الحديث في الصحيح فصل
وههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله تعالى وليس عمل العبد مستقلا بدخولها وإن كان سببا ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله بما كنتم تعملون ونفى رسول الله دخولها بالأعمال بقوله لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولا تنافي بين الأمرين لوجهين أحدهما ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون النجاة من النار يعفر الله ودخول الجنة برحمته واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال ويدل على هذا حديث أبي هريرة الذي سيأتي أن شاء الله تعالى أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم رواه الترمذي والثاني أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيرة وأن لم يكن مستقلا بحصوله وقد جمع النبي بين الأمرين بقوله سدوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أن أحدا منكم لن ينجو بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا ألا أن يتغمدني الله برحمته ومن عرف الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره وذنوبه وابصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به والله سبحانه وتعالى المستعان
الباب العشرون في طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم وشفاعتها فيهم
إلى ربهم عز و جل قال الله تعالى حكاية عن أولي الألباب من عباده قولهم ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للأيمان أن أمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الإبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد والمعنى وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من دخول الجنة وقالت طائفة
معناه وآتنا ما وعدتنا على الإيمان برسلك وليس بسهل حذف الأسم والحرف معا إلا أن يقدر على تصديق رسلك وطاعة رسلك وحينئذ فيتكافأ التقديران ويترجح الأول بأنه قد تقدم قولهم ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للأيمان أن آمنوا بربكم فآمنا وهذا صريح في الأيمان بالرسول والمرسل ثم توسلوا إليه بأيمانهم أن يؤتيهم ما وعدهم على السنة الرسل فإنهم أنما سمعوا بوعدهم لهم بذلك من الرسل وذلك أيضا يتضمن التصديق بهم وانهم بلغوهم وعده فصدقوا به وسألوه أن يؤتيهم إياه وهذا هو الذي ذكره السلف والخلف في الاية وقيل المعنى آتنا ما وعدتنا من النصر والظفر على ألسنة الرسل والأول أعم وأكمل وتأمل كيف تضمن إيمانهم به والإيمان بأمره ونهيه ورسله ووعده ووعيده وأسمائه وصفاته وأفعاله وصدق وعده والخوف من وعيده واستجابتهم لأمره فبمجموع ذلك صاروا مؤمنين بربهم فبذلك صح لهم التوسل إلى سؤال ما وعدهم به والنجاة من عذابه وقد أشكل على بعض الناس سؤالهم أن ينجز لهم وعده مع أنه فاعل لذلك ولا بد وأجاب بأن هذا تعبد محض كقوله رب أحكم بالحق وقول الملائكة فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وخفي على هؤلاء أن الوعد معلق بشروط منها الرغبة إليه سبحانه وتعالى وسؤاله أن ينجزه لهم كما أنه معلق بالأيمان وموافاتهم به وان لا يلحقه ما يحبطه فإذا سألوه سبحانه أن ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على الأسباب التي ينجز لهم بها وعده فكان هذا الدعاء من أهم الأدعية وأنفعها وهم أحوج إليه من كثير من الأدعية وأما قوله رب أحكم فهذا سؤال له سبحانه وتعالى أن ينصرهم على أعدائهم فيحكم لهم عليهم بالنصر والغلبة وكذا سؤال الملائكة ربهم أن يغفر للتائبين هو من الأسباب التي توجب بها لهم المغفرة فهو سبحانه نصب الأسباب التي يفعل بها ما يريده بأوليائه وأعدائه وجعلها أسبابا لإرادته كما جعلها أسبابا لوقوع مراده فمنه السبب والمسبب وأن أشكل عليك ذلك فانظر إلى خلقه الأسباب التي توجب محبته وغضبه فهو يحب ويرضى ويغضب ويسخط عن الأسباب التي خلقها وشاءها فالكل منه وبه مبتدأ من مشيئته وعائد إلى حكمته وحده وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد لا يلجه إلا العالمون بالله ونظير هذه الآية في سؤاله ما وعد به قوله تعالى قل أذلك خيرا أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء
ومصيرا لهم فيها ما يشاؤن خالدين كان على ربك وعدا مسؤلا يسأله إياه عباده المؤمنون ويسأله إياه ملائكته لهم فالجنة تسأل ربها أهلها وأهلها يسألونه إياها والملائكة تسألها لهم والرسل يسألونه إياها لهم ولأتباعهم ويوم القيامة يقيمهم سبحانه بين يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه وجوده وكرمه وأعطائه ما سئل ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالرب تعالى جواد له الجود كله يحب أن يسئل ويطلب منه ويرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق له ما يسأله إياه فهو خالق السائل وسؤاله ومسئوله وذلك لمحبته سؤال عباده له ورغبتهم إليه وطلبهم منه وهو يغضب إذا لم يسئل
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسئل يغضب
وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا وهو يحب الملحين في الدعاء وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه في الحديث من لم يسأل الله يغضب عليه فلا إله إلا هو أي جناية جنت القواعد الفاسدة على الإيمان وحالت بين القلوب وبين معرفة ربها وأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
قال أبو نعيم الفضل حدثنا يونس هو إبن أبي إسحاق حدثنا يزيد بن أبي مرثد قال قال أنس بن مالك قال رسول الله ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار بالله ثلاثا قالت النار اللهم إجره من النار رواه الترمذي والنسائي وإبن ماجه عن هناد بن السري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن يزيد به وقال الحسن بن سفيان حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن ليث عن يونس بن حبان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ما سأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات الا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا يسالني فأدخلينه وقال ابو يعلى الموصلى حدثنا ابو خيثمة زهير بن حرب حدثنا جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار أن عبدك فلانا إستجار مني فأجره ولا يسأل عبد الجنة سبع مرات إلا قالت الجنة يا رب أن عبدك فلانا سألني فأدخله
الجنة وإسناده على شرط الصحيحين وقال أبو داود في مسنده حدثنا شعبة حدثني يونس بن حبان سمع أبا علقمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من قال أسأل الله الجنة سبعا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة وقال الحسن بن سفيان حدثنا المقدمي حدثنا عمر بن علي عن يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله أكثروا مسألة الله الجنة واستعيذوا به من النار فأنهما شافعتان مشفعتان وأن العبد إذا أكثر مسألة الله الجنة قالت الجنة يا رب عبدك هذا الذي سألينك فأسكنه إياي وتقول النار يا رب عبدك هذا الذي إستعاذ بك مني فاعذه وقد كان جماعة من السلف لا يسألون الله الجنة ويقولون حسبنا أن يجيرنا من النار فمنهم أبو الصهباء صلة بن أشيم صلى ليلة إلى السحر ثم رفع يديه وقال اللهم أجرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ومنهم عطاء السلمي كان لا يسأل الجنة فقال له صالح المري أن أبان حدثني عن أنس أن النبي قال يقول الله عز و جل انظروا في ديوان عبدي فمن رايتموه سألني الجنة أعطيته ومن أستعذ بي من النار أعذته فقال عطاء كفاني أن يجيرني من النار ذكرها أبو نعيم وقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر في قصة صلاة معاذ وتطويله بهم أن النبي قال للفتي يغنى الذي شكاه كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت قال أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وأني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ فقال النبي أني ومعاذا حولها ندندن وفي سنن أبي داود من حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن عبد الله قال قال رسول الله لا يسئل بوجه الله إلا الجنة رواه عن أحمد بن عمرو العصفري حدثنا يعقوب بن إسحاق حدثنا سليمان بن معاذ عن محمد فذكره وقد تقدم في أول الكتاب حديث الليث عن معاوية عن صالح عن عبد الملك أبن أبي بشير يرفع الحديث ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان تقول الجنة يا رب قد طابت تماري وأطردت أنهاري واشتقت إلى أوليائي فعجل إلى بأهلي الحديث فالجنة تطلب أهلها بالذات وتجذبهم إليه جذبا والنار كذلك وقد أمرنا رسول الله أن لا نزال نذكرهما ولا ننساهما كما روى أبو يعلي الموصلي في مسنده حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا أيوب بن أبي
شبيب الصنعاني قال كان فيما عرضنا على رباح بن زيد حدثني عبد الله بن نمير سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله يقول لا تنسوا العظيمتين قلنا وما العظيمتان يا رسول الله قال الجنة والنار وذكر أبو بكر الشافعي من حديث كليب بن حرب قال سمعت رسول الله يقول اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات فلا تلهينكم عن الآخرة
الباب الحادي والعشرون في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها ولها عدة
أسماء باعتبار صفاتها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة من هذا الوجه وتختلف باعتبار الصفات فهي متباينة من هذا الوجه وهكذا أسماء الرب سبحانه وتعالى وأسماء كتابه وأسماء رسله وأسماء اليوم الآخر وأسماء النار
الاسم الأول الجنة وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرة الأعين واصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن والجان لاستتاره عن العيون والمجن لستره ووقايته الوجه والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه والجان وهي الحية الصغيرة الرقيقة ومنه قول الشاعر
فذقت وجلت وأبكرت ... وأكملت فلو جن إنسان من الحسن جنت
أي لو غطى وستر عن العيون لفعل بها ذلك ومنه سمى البستان جنة لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه ولا يستحق هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار مختلف الأنواع والجنة بالضم ما يستجن به من ترس أو غيره ومنه قوله تعالى أتخذوا أيمانهم جنة أي يستترون بها من إنكار المؤمنين عليهم ومنه الجنة بالكسر كما قال تعالى من الجنة والناس وذهبت طائفة من المفسرين إلى أن الملائكة يسمون جنة واحتجوا بقوله تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا قالوا وهذا النسب قولهم الملائكة بنات الله ورجحوا هذا القول بوجهين
أحدهما إن النسب الذي جعلوه إنما زعموا أنه بين الملائكة وبينه ولا بين الجن
وبينه
الثاني قوله تعالى ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون أي قد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب والصحيح خلاف ما ذهب إليه هؤلاء وإن الجنة هم الجن نفسهم كما قال تعالى من الجنة والناس وعلى هذا ففي الآية قولان أحدهما قول مجاهد قال قالت كفار قريش الملائكة بنات الله فقال لهم ابو بكر فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن وقال الكلبي قالوا تزوج من الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا صاهر الجن فخرج من بينهما الملائكة وقال قتادة قالوا صاهر الجن والقول الثاني هو قول الحسن قال أشركوا الشياطين في عبادة الله فهو النسب الذي جعلوه والصحيح قول مجاهد وغيره وما احتج به أصحاب القول الأول ليس بمستلزم لصحة قولهم فإنهم لما قالوا الملائكة بنات الله وهم من الجن عقدوا بينه وبين الجن نسبا بهذا الإيلاد وجعلوا هذا النسب متوالد بينه وبين الجن وأما قوله ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون فالضمير يرجع إلى الجنة أي قد علمت الجنة أنهم لمحضرون الحساب قاله مجاهد أي لو كان بينه وبينهم نسب لم يحضروا للحساب كما قال تعالى وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم فجعل سبحانه عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطلا لدعواهم الكاذبة وهذا التقدير في الاية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير الأول فتأمله والمقصود ذكر أسماء الجنة فصل
الاسم الثاني دار السلام وقد سماها الله بهذا الاسم في قوله لهم دار السلام عند ربهم وقوله والله يدعوا إلى دار السلام وهي احق بهذا الاسم فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلمها وسلم اهلها وتحيتهم فيها سلام والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم والرب تعالى يسلم عليكم من فوقهم كما قال تعالى لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم وسيأتي حديث جابر في سلام الرب تبارك وتعالى عليهم في الجنة وكلامهم كلهم فيها سلام أي لا لغو فيها ولا فحش ولا باطل كما قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما واما قوله تعالى واما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين فأكثر المفسرون حاموا حول المعنى وما وردوه وقالوا أقوالا لا يخفى بعدها عن المقصود وإنما معنى الآية والله أعلم فسلام لك ايها الراحل عن الدنيا حال كونك من أصحاب اليمين
أي فسلامه لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وإنكارها ومن النار وعذابها فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله كما يبشر الملك روحه عند أخذها بقوله ابشري بروح وريحان ورب غير غضبان وهذا أول البشرى التي للؤمن في الآخرة فصل
الاسم الثالث دار الخلد وسميت بذلك لأن أهلها لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى عطاء غير مجذوذ وقال إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ وقال أكلها دائم وظلها وقال وما هم منها بمخرجين وسيأتي إبطال قول من قال من الجهمية والمعتزلة بفنائها أو فناء حركات أهلها أن شاء الله تعالى فصل الاسم الرابع دار المقامة قال تعالى حكاية عن أهلها وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن أن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب قال مقاتل أنزلنا دار الخلود أقاموا فيها ابدا لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا قال الفراء والزجاج المقامة مثل الإقامة يقال أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما فصل
الاسم الخامس جنة المأوى قال تعالى عندها جنة المأوى والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر به وقال عطاء عن ابن عباس هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة وقال مقاتل والكلبي هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء وقال كعب جنة المأوى جنة فيها طير خضر ترتع فيها أرواح الشهداء وقالت عائشة رضي الله عنها وزر بن حبيش هي جنة من الجنان والصحيح أنه اسم من أسماء الجنة كما قال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وقال في النار فإن الجحيم هي المأوى وقال ومأواكم النار
فصل
الاسم السادس جنات عدن فقيل هي اسم لجنة من الجنان والصحيح أنه اسم لجنة الجنان وكلها جنات عدن قال تعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب وقال تعالى جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير وقال تعالى ومساكن طيبة في جنات عدن والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن فإنه من الإقامة والدوام يقال عدن بالمكان إذا أقام به وعدنت البلد توطنته وعدنت الإبل بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه قال الجوهري ومنه جنات عدن أي إقامة ومنه سمى المعدن بكسر الدال لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ومركزه كل شيء معدنه والعادن الناقة المقيمة في المرعى فصل
الاسم السابع دار الحيوان قال تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان والمراد الجنة عند أهل التفسير قالوا وأن الآخرة يعني الجنة لهي الحيوان لهي دار الحياة التي لا موت فيها فقال الكلبي هي حياة لا موت فيها قال وقال الزجاج هي دار الحياة الدائمة وأهل اللغة على أن الحيوان بمعنى الحياة قال أبو عبيدة وأبن قتيبة الحياة الحيوان قال أبو عبيدة الحياة والحيوان والحي بكسر الحاء واحد قال أبو علي يعني أنها مصادر فالحياة فعلة كالجلبة والحيوان كالنزوان والغليان والحي كالعي قال العجاج كنا بها إذا الحياة حي ... أي إذا الحياة حياة وأما أبو زيد فخالفهم وقال الحيوان ما فيه روح والموتان والموات ما لا روح فيه والصواب أن الحيوان يقع على ضربين أحدهما مصدر كما حكاه أبو عبيدة والثاني وصف كما حكاه أبو زيد وعلى قول أبي زيد الحيوان مثل الحي خلاف الميت ورجح القول الأول بأن الفعلان بابه المصادر كالنزوان والغليان بخلاف الصفات فإن بابها فعلان كسكران وغضبان واجاب من رجح القول الثاني بإن فعلان قد جاء في الصفات أيضا قالوا رجل ضميان للسريع الخفيف وزفيان قال في الصحاح ناقة رفيان سريعة وقوس زفيان سريعة الارسال للسهم فيحتمل قوله تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان معنيين احدهما أن الحياة الآخرة هي الحياة لآنها لا تنغيص فيها ولا نفاد لها
أي لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار فيكون الحيوان مصدرا على هذا الثاني أن يكون المعنى أنها الدار التي تفنى ولا تنقطع ولا تبيد كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت فصل
الاسم الثامن الفردوس قال تعالى أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وقال تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها والفردوس اسم يقال على جميع الجنة ويقال على أفضلها وأعلاها كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات وأصل الفردوس البستان والفراديس البساتين قال كعب هو البستان الذي فيه الاعناب وقال الليث الفردوس جنة ذات كروم يقال كرم مفردس أي معرش وقال الضحاك هي الجنة الملتفة بالأشجار وهو اختيار المبرد وقال الفردوس فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب وجمعه الفراديس قال ولهذا سمى باب الفراديس بالشام وانشد لجرير
فقلت للركب إذ جد المسير بنا ... يا بعد من باب الفراديس
وقال مجاهد هذا البستان بالرومية واختاره الزجاج فقال هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية قال وحقيقتة أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين قال حسان وأن ثواب الله كل مخلد ... جنان من الفردوس فيها يخلد فصل
الاسم التاسع جنات النعيم قال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم وهذا ايضا آسم جامع لجميع الجنات لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها من المأكول والمشروب والملبوس والصور والرائحة الطيبة والمنظر البهيج والمساكن الواسعة وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن فصل
الاسم العاشر المقام الأمين قال تعالى أن المتقين في مقام أمين والمقام الأمين موضع الإقامة والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها
فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص واهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد والبلد الأمين الذي قد أمن من أهله فيه مما يخالف منه سواهم وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى أن المتقين في مقام أمين وفي قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة آمنين فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتا فصل
الاسم الحادي عشر والثاني عشر مقعد الصدق وقدم الصدق قال تعالى إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق فسمى جنته مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها كما يقال مودة صادقة إذا كانت ثابتة تامة وحلاوة صادقة وحملة صادقة ومنه الكلام الصدق لحصول مقصوده منه وموضع هذه اللفظة في كلامهم الصحة والكمال ومنه الصدق في الحديث والصدق في العمل والصديق الذي يصدق قوله بالعمل والصدق بالفتح الصلب من الرماح ويقال للرجل الشجاع أنه لذو مصدق أي صادق الحملة وهذا مصداق هذا اي ما يصدقه ومنه الصداقة لصفاء المودة والمخالة ومنه صدقني القتال وصدقني المودة ومنه قدم صدق ولسان صدق ومدخل صدق ومخرج صدق وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يرغب فيه بخلاف الكذب الباطل الذي لا شيء تحته وهو لا يتضمن أمرا ثابتا قط وفسر قوم صدق بالجنة وفسر بالأعمال التي تنال بها الجنة وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله وفسر بالرسول الذي على يده وهدايته نالوا ذلك والتحقيق أن الجميع حق فأنهم سبقت لهم من الله الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدرها لهم على يد رسوله وأدخر لهم جزاءها يوم القيامة ولسان الصدق وهو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال وجميل الطرائق وفي كونه لسان صدق اشارة إلى مطابقته للواقع وأنه أثناء بحق لا بباطل ومدخل الصدق ومخرج الصدق هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنا على الله وهو دخوله وخروجه بالله ولله وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد فإنه لا يزال داخلا في أمر وخارجا من أمر فمتى كان دخوله لله وبالله وخروجه كذلك كان قد أدخل مدخل صدق واخرج مخرج صدق والله المستعان
الباب الثاني والعشرون في عدد الجنات وأنها نوعان جنتان من ذهب وجنتان
من فضة
الجنة اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جدا كما روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سرقة أتت رسول الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غريب فإن كان في الجنة صبرت وأن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال يا أم حارثة أنها جنان في الجنة وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاشعري عن رسول الله أنه قال جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وقد قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فذكرهما ثم قال ومن دونهما جنتان فهذه أربع وقد اختلف في قوله ومن دونهما هل المراد به انهما فوقهما او تحتهما على قولين فقالت طائفة من دونهما أي أقرب منهما إلى العرش فيكونان فوقهما وقالت طائفة بل معنى من دونهما تحتهما قالوا وهذا المنقول في لغة العرب إذا قالوا هذا دون هذا أي دونه في المنزلة كما قال بعضهم لمن بالغ في مدحه أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك وفي الصحاح دون نقيض فوق وهو تقصير عن الغاية ثم قال ويقال هذا دون هذا أي أقرب منه والسياق يدل على تفضيل الجنتين الأوليين من عشرة أوجه
أحدها قوله ذواتا أفنان وفيه قولان أحدهما أنه جمع فنن وهو الغصن والثاني أنه جمع فن وهو الصنف أي ذواتا أصناف شتى من الفواكه وغيرها ولم يذكر ذلك في اللتين بعدهما الثاني قوله فيهما عينان تجريان وفي الآخريين فيهما عينان نضاختان والنضاخة هي الفوارة والجارية السارحة وهي أحسن من الفوارة فإنها تتضمن الفوران والجريان الثالث أنه قال فيهما من كل فاكهة زوجان وفي الآخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان ولا ريب أن وصف الأوليين أكمل واختلف في هذين الزوجين بعد الاتفاق على أنهما صنفان فقالت طائفة الزوجان الرطب واليابس الذي لا يقصر في فضله وجودته عن الرطب وهو يتمتع به كما يتمتع باليابس وفيه نظر لا يخفى
وقالت طائفة الزوجان صنف معروف وصنف من شكله غريب وقالت طائفة نوعان ولم تزد والظاهر والله أعلم أنه الحلو والحامض والأبيض والأحمر وذلك لأن اختلاف أصناف الفاكهة أعجب واشهى وألذ للعين والفم
الرابع أنه قال متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وهذا تنبية على فضل الظهائر وخطرها وفي الأخريين قال متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان وفسر الرفرف بالمح2ابس والبسط وفسر بالفرش وفسر بالمحابس فوقها وعلى كل قول فلم يصفه بما وصف به فرش الجنتين الأوليين
الخامس أنه قال وجنى الجنتين دان أي قريب وسهل يتناولونه كيف شاؤا ولم يذكر ذلك في الآخريين
السادس أنه قال فيهن قاصرات الطرف أي قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يرون غيرهم لرضاهن بهم ومحبتهن لهم وذلك يتضمن قصر أطراف أزواجهن عليهن فلا يدعهم حسنهن أن ينظروا إلى غيرهن وقال في الآخريين حور مقصورات في الخيام ومن قصرت طرفها على زوجها باختيارها أكمل ممن قصرت بغيرها
السابع أنه وصفهن بشبه الياقوت والمرجان في صفاء اللون وأشراقه وحسنه ولم يذكر ذلك في التي بعدها الثامن أنه قال سبحانه وتعالى في الجنتين الأوليين هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وهذا يقتضي أن أصحابهما من أهل الاحسان المطكق الكامل فكان جزاؤهم بإحسان كامل التاسع أنه بدأ بوصف الجنتين الأوليين وجعلهما جزءا لمن خاف مقامه وهذا يدل على أنهما أعلى جزاء الخائف لمقامه فرتب الجزاء المذكور على الخوف ترتيب المسبب على سببه ولما كان الخائفون على نوعين مقربين وأصحاب يمين ذكر جنتي المقربين ثم ذكر جنتي أصحاب اليمين
العاشر أنه قال ومن دونهما جنتان والسياق يدل على أنه نقيض فوق كما قال الجوهري فإن قيل فكيف انقسمت هذه الجنان الأربع على من خاف مقام ربه قيل لما كان الخائفون نوعين كما ذكرنا كان للمقربين منهم الجنتان العاليتان ولأصحاب اليمين الجنتان اللتان دونهما فإن قيل فهل الجنتان لمجموع الخائفين يشتركون فيهما أم لكل واحد جنتان وهما البستانان قيل هذا فيه قولان للمفسرين ورجح القول الثاني بوجهين أحدهما من جهة النقل والثاني من جهة المعنى فأما الذي من جهة النقل فإن أصحاب هذا القول رووا عن رسول الله قال هما بستانين في رياض الجنة وأما الذي
من جهة المعنى فإن إحدى الجنتين جزاء أداء الأوامر والثانية جزاء اجتناب ا
02.08.10 17:38 من طرف 24akhbar