كتاب حادى الأرواح إلى بلاد الأرواح لإبن القيم الجوزيهالباب السابع و الستون
في ابدية الجنة و اها وأنها لا تفنى و لا تبيد
هذا مما يعلم بالاضطرارا ان الرسول اخبر به قال تعالى و أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ أي مقطوع و لا تنافي بين هذا و بين قوله إلا ما شاء ربك و اختلف السلف في هذا الاستثناء فقال معمر عن الضحاك هو في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة يقول سبحانه و تعالى انهم خالدون في الجنة ما دامت السماوات و الارض إلا مدة مكثهم في النار قلت و هذا يحتمل امرين احدهما ام يكون الاخبار عن الذين سعدوا وقع عن قوم مخصوصين و هم هؤلاء و الثاني و هو الاظهر ان يكون وقع عن جملة السعداء و التخصيص بالمذكورين هو في الاستثناء و ما دل عليه و احسن من هذين التقديرين ان ترد المشيئة إلى الجميع حيث لم يكونوا في الجنة في الموقف و على هذا فلا يبقى في الاية تخصيص و قالت فرقة اخرى هو استثناء استثناه الرب تعالى
و لا يفعله كما تقول و الله لاضربنك إلا ان ارى غير ذلك و أنت لا تراه بل تجزم بضربه و قالت فرقة اخرى العرب إذا استثنت شيئا كثيرا مع مثله و مع ما هو اكثر منه كان معنى إلا في ذلك و معنى الواو سواء و المعنى عى هذا سوا ما شاء الله من الزيادة على مدة دوام السماوات و الارض هذا قول الفراء و سيبويه يجعل إلا بمعنى لكن قالوا و نظير ذلك لان تقول لي عليك الف إلا الالفين الذين قبلها أي سوى الالفين قال ابن جرير و هذا احب الوجهين إلى ان الله تعالى لا خلف لوعده و قد وصل الاستثناء بقوله عطاء غير مجذوذ قالوا و نظيره ان تقول اسكنتك داري حولا إلا ما شئت أي سوى ما شئت أو لكن ما شئت من الزيادة عليه و قالت فرقة اخرى هذا الاستثناء انما هو مدة احتباسهم عن الجنة ما بين الموت و البعث و البرزخ إلى ان يصيروا إلى الجنة ثم هو الخلود الابد فلم يغيبوا عن الجنة إلا بمقدار اقامتهم في البرزخ و قالت فرقة اخرى العزيمة قد وقعت لهم من الله بالخلود الدائم إلى ان يشاء الله خلاف ذلك اعلاما لهم بأنهم مع خلودهم في مشيئته و هذا كما قال لنبيه و لئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك و قوله فان يشا الله يختم على قلبك و قوله قل لو شاء الله ما تلوته علكم و نظائره و اخبر عباده سبحانه و ان الامور كلها بمشيئته ما شاء الله كان و ما شاء لم يكن و قالت فرقة اخرى الرماد بمدة دوام السماوات و الارض في هذا العالم فأخبر سبحانه أنهم خالدون في الجنة مدة دوام السموات والأرض إلا ما شاء الله ان يزيدهم عليه و لعل هذا قول من قال ان إلا بمعنى سوى و لكن اختلفت عبارته و هذا اختيار بن قتيبة قال المعنى خالدين فيها مدة العالم سوى ما شاء ان يزيدهم من الخلود على مدة العالم و قالت فرقة اخرى ما بمعنى من قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء و المعنى إلا من شاء ربك ان يدخله النار بذنوبه من السعداء و الفرق بين هذا القول و بين اول الاقوال ان الاستثناء على هذا القول من المدة و على ذلك القول من الاعيان و قالت فرقة اخرى المراد بالسماوات و الارض سماء الجنة و ارضها و هما باقيتان ابدا و قوله إلا ما شاء ربك ان كانت ما بمعنى من فهم الذين يدخلون النار ثم يخرجون منها و ان كانت بمعنى الوقت فهو مدة احتباسهم في البرزخ و الموقف قال الجعفي سالت عبد الله بن وهب عن هذا الاستثناء فقال سمعت
فيه انه قدر وقوفهم في الموقف يوم القيامة إلى ان يقضي بين الناس و قالت فرقة اخرى الاستثناء راجع إلى مدة لبثهم في الدنيا و هذه الاقوال متقاربة و يمكن الجمع بينها بان يقال اخبر سبحانه وعن خلودهم في الجنة كل وقت إلا وقتا يشاء ان لا يكونوا فيها و ذلك يتناول وقت كونهم في الدنيا و في البرزخ و في موقف يوم القيامة و على الصراط و كون بعضهم في النار مدة و على كل تقدير فهذه الاية من المتشابه و قوله فيها عطاء غير مجذوذ محكم و كذلك قوله و ما هم منها وقوله ان هذا لرزقنا ما له من نفاد و قوله اكلها دائم وظلها وقوله دمائهم منها بخرجين و قد اكد الله سبحانه و تعالى خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القران و اخبر انهما لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى و هذا الاستثناء منقطع و إذا ضممته إلى الاستثناء في قوله إلا ما شاء ربك تبين لك المراد من الايتين و استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الاولى من جملة الموت فهذه موتة تقدمت على حياتهم الابدية و ذاك مفارقة للجنة تقدم على خلودهم فيها و بالله التوفيق و قد تقدم قول النبي من يدخل الجنة ينعم و لا يبؤس و يخلد و لا يموت و قوله ينادي مناد يا أهل الجنة ان لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا و ان تشبوا فلا تهرموا ابدا و ان تحيوا فلا تموتوا ابدا و ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي انه قال يجاء بالموت في صورة كبش املح فيوقف بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون مشفقين و يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت فيذبح بين الجنة و النار ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت و يا أهل النار خلود فلا موت فصل
و هذا موضع اختلف فيه المتاخرون على ثلاثة اقوال احدها ان الجنة و النار فانيتان غير ابدتيين بل كما هما حادثتان فهما فانيتان و القول الثاني انهما باقيتان دائمتان لا يفنيان ابدا و القول الثالث ان الجنة باقية ابدية و النار فانية و نحن نذكر هذه الاقوال و ما قابلها و ما احتج به ارباب كل قوله و نرد ما خالف كتاب الله و سنة رسوله فاما القول بفنائهما فهو قول قاله جهم بن صفوان امام المعطلة الجهمية و ليس له فيه سلف قط من الصحابة و لا من التابعين و لا أحد
من ائمة الاسلام و لا قال به أحد من أهل السنة و هذا القول مما انكره عليه و على اتباعه ائمة الاسلام و كفروهم به و صاحوا بهم من اقطار الارض كما ذكره عبد الله بن الامام احمد في كتاب السنة عن خارجة بن مصعب انه قال كفرت الجهمية بثلاث ايات من كتاب الله عز و جل بقول الله سبحانه و تعالى اكلها دائم و ظلها و هم يقولون لا يدوم و بقول الله تعالى ان هذا لرزقنا ما له من نفاد و هم يقولون ينفد و بقول الله عز و جل ما عندكم ينفد و ما عند الله باق قال شيخ الاسلام و هذا قاله جهم لا صلة الذي اعتقده و هو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث و جعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم فراى الجهم ان ما يمنع من حوادث لا اول لها في الماضي يمنع في المستقبل كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي و ابو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وافقه على هذا الاصل لكن قال ان هذا يقتضي فناء الحركات لكونها متعاقبة شيئا بعد شيء فقال بفناء حركات أهل الجنة و النار حتى يصيروا في سكون دائم لا يقدر احد منهم على حركة و زعمت فرقة ممن وافقهم على امتناع حوادث لا نهاية لها ان هذا القول مقتضى العقل لكن لما جاء السمع ببقاء الجنة و النار قلنا بذلك و كان هؤلاء لم يعلموا ان ما كان ممتنعا في العقل لا يجيء في الشرع بوقوعه إذ يستحيل عليه ان يخبر بوجود ما هو ممتنع في العقل و كانهم لم يفرقوا بين محالات العقول ومجازاتها فالسمع يجيء بالثاني لا بالاول فالسمع يجيء بما يعجز العقل عن ادراكه و لا يستقل به و لا يجيء بما لا يعلم العقل احالته و الاكثرون الذين وافقوا جهما و ابا الهذيل على هذا الاصل فرقوا بين الماضي و المستقبل و قالوا الماضي قد دخل في الوجود بخلاف المستقبل و الممتنع انما هو دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تقدير دخوله شيئا بعد شيء قالوا أو هذا نظيران يقول القائل لا أعطيك درهما إلا وأعطيتك بعده درهما آخر فهذا ممكن والأول نظير أن يقول لا أعطيك درهما إلا و أعطيك قبله درهما فهذا محال و هؤلاء عندهم وجود ما لا يتناهى في الماضي محال و وجوده في المستقبل واجب و نازعهم في ذلك آخرون فقالوا بل الامر في الماضي كهو في المستقبل و لا فرق بينهما بل الماضي و الاستقبال امر نسبي فكل ما يكون مستقبلا
يصير ماضيا و كل ماض فقد كان مستقبلا فلا يعقل امكان الدوام في أحد الطرفين و احالته في الطرف الآخر الاخر قالوا و هذه مسألة دوام فاعلية الرب تبارك و تعالى و هو لم يزل ربا قادرا فاعل فانه لم يزل حيا عليما قديرا و من المحال ان يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته ثم ينقلب فيصير ممكنا لذاته من غير تجدد شيء و ليس للازل حد محدود حتى يصير الفعل ممكنا له عند ذلك الحد و يكون قبله ممتنعا عليه فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده و يكفي في فساده ان الواقت الذي انقلب فيه الفعل من الاحالة الذاتيه إلى الأماكن الذات إما ان يصح أن يفرض قبله وقت يمكن فيه الفعل اولا لا يصح فان قلتم لا يصح كان هذا تحكما غير معقول و هو من جنس الهوس و ان قلتم يصح قيل و كذلك ما يفرض قبله لا إلى غاية فما من زمن محقق أو مقدر إلا و الفعل مكن فيه و هو صفة كمال و احسان و متعلق حمد الرب وتعالى و ربوبيته و ملكه و هو لم يزل ربا حميدا ملكا قادرا لم تتجدد له هذه الاوصاف كما انه لم يزل حيا مريدا عليما و الحياة و الارادة و العلم و القدرة تقتضي آثارها و متعلقاتها فكيف يعقل حي قدير عليم مريد ليس له مانع و لا قاهر يقهره يستحيل عليه ان يفعل شيئا البتة و كيف يجعل هذا اصل من اصول الدين و يجعل معيارا على ما اخبرالله به و رسوله و يفرق به بين جائزات العقول و محالاتها فإذا كان وهذا شان الميزان فكيف يستقيم الموزون به و أما قول من فرق بان الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل فكلام لا تحقيق وراءه فان الذي يحصره الوجود من الحركات هو المتناهي ثم يعدم فيصير ماضيا كما كان معدوما لما كان مستقبلا فوجوده بين عدمين و كلما انقضت جملة حدثت بعدها جملة اخرى فالذي صار ماضيا هو بعينه الذي كان مستقبلا فان دل الدليل على امتناع ما لا يتناهى شيئا قبل شيء فهو بعينه دال على امتناعه شيئا بعد شيء و أما تفريقكم بقولكم المستقبل نظير قوله ما أعطيك درهما إلا وأعطيك بعده درهما فهذا ممكن والماضي نظير قوله ما أعطيك درهما إلا و أعطيك قبله درهما فهذا الفرق فيه تلبيس لا يخفى و ليس بنظير ما نحن فيه بل نظيره ان يقول ما أعطيك درهما إلا و قد تقدم مني أعطاء درهم قبله فهذا ممكن الدوام في الماضي على حد امكانه في المستقبل و لا فرق في العقل الصحيح بينهما البتة و لما لم يجد الجهم و ابو الهذيل و اتباعهما بين الامرين فرقا قالوا بوجوب تناهي الحركات في المستقبل كما يجب ابتداؤها عندهم
في الماضي و قال أهل الحديث بل هما سواء في الامكان و الوقوع و لم يزل الرب سبحانه تعالى فعالا لما يريد و لم يزل و لا يزال موصوفا بصفات الكمال منعوتا بنعوت الجلال و ليس المتمكن من الفعل كل وقت كالذي لا يمكنه الفعل إلا في وقت معين و ليس من يخلق كمن لا يخلق و من يحسن كمن لا يحسن و من يدبر الامر كمن لا يدبر و أي كمال في ان يكون رب العالمين معطلا عن الفعل في مدة مقدرة أو محققة لا تتناهى يستحيل منه الفعل و حقيقة ذلك انه لا يقدر عليه وإن أبيتم هذا الاطلاق و قلتم ان المحال لا يوصف بكونه غير مقدور عليه فجمعتم بين محالين الحكم باباحة الفعل من غير موجب لاحالته و انقلابه من الاحالة الذاتية إلى الامكان الذاتي من غير تجدد سبب و زعمتم ان هذا هو الاصل الذي تثبتون به وجود الصانع و حدوث العالم و قيامه إلابدان فجنيتم علىالعقل الشرع و الرب تعالى لم يزل قادرا على الفعل و الكلام بمشيئته و لم يزل فعالا لما يريد و لم يزل ربا محسنا و المقصود ان القول بفناء الجنة و النار قول مبتدع لم يقله أحد من الصحابة و لا التابعين و لا أحد من ائمة المسلمين و الذين قالوه انما تلقوه عن قياس فاسد كما اشتبه اصله على كثير من الناس فاعتقدوه حقا وبنوا عليه القول بخلق القران و نفي الصفات و قد دل القرآن و السنة و العقل الصريح على ان كلمات الله وافعاله لا تتناهى و لا تنقطع باخر و لا تحد باول قال تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و قال تعالى و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم فاخبر عن عدم نفاد كلماته لعزته و حكمته و هذان وصفان ذاتيان له سبحانه و تعالى لا يكون إلا كذلك و ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن سليمان بن عامر قال سمعت الربيع بن انس يقول ان مثل علم العباد كلهم في علم الله عز و جل كقطرة من هذه البحور كلها و قد انزل الله سبحانه و تعالى في ذلك و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام الاية و قوله قل لو كان البحر مدادا الاية يقول سبحانه و تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات الله و الشحرة كلها اقلام لانكسرت الاقلام و فني ماء البحر وكلمات الله تعالى باقية لا يفنيها شيء لان احدا لا يستطيع ان يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي بل هو كما اثنى على نفسه ان
ربنا كما يقول وفوق ما يقول ثم ان مثل نعيم الدنيا اوله و آخره وفي نعيم الاخر كحبة من خردل في خلال الارض كلها فصل
وأما ابدية النار ودوامها فقال فيها شيخ الاسلام فيها قولان معروفان عن السلف و الخلف و النزاع في ذلك معروف عن التابعين قلت ههنا اقوال سبعة احدها ان من دخلها لا يخرج منها ابدا بل كل من دخلها مخلد فيها ابد الاباد باذن الله و هذا قول الخوارج و المعتزلة و الثاني ان أهلها يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم و هذا قول امام الاتحادية ابن عربي الطائي قال في فصوصه الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد و الحضرة الالهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ولم يقل وعيده بل قال ويتجاوز عن سيئاتهم مع انه توعد على ذلك واثنى على اسماعيل بانه كان صادق الوعد و قد زال الامكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق عين تعاين
وان دخلوا دار الشقاء فانهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد و الامر واحد ... وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... وذاك له كالقشر والقشر صاين
وهذا في طرف والمعتزلة الذين يقولون لا يجوز على الله ان يخلف وعيده بل يجب عليه تعذيب من توعده بالعذاب في طرف فاولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها اصلا و هذا عنده لا يعذب بها أحد اصلا والفريقان مخالفان لما علم بالاضطرار ان الرسول جاء به واخبر به عن الله عز و جل الثالث قول من يقول ان أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود ثم يخرجون منها ويخلفهم فيها قوم اخرون وهذا القول حكاه اليهود للنبي فاكذبهم فيه وقد اكذبهم الله تعالى في القران فيه فقال تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا اياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون وقال تعالى الم تر إلى اوتوا نصيبا من الكتاب
يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون فهذا القول إنما هو قول أعداء الله اليهود فهم شيوخ أر بابه والقائلين به وقد دل القران والسنة وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام على فساده قال تعالى وما هم بخارجين من النار وقال وما هم منها بمخرجين وقال كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقال تعالى كلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها وقال تعالى لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها و قال تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وهذا ابلغ ما يكون في الإخبارعن استحالة دخولهم الجنة الرابع قول من يقول يخرجون منها وتبقى نارا على حالها ليس فيها أحد يعذب حكاه شيخ الإسلام والقران والسنة أيضا يردان على هذا القول كما تقدم الخامس قول من يقول بل تفنى بنفسها لأنها حادثة بعد أن لم تكن وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه وأبديته وهذا قول جهنم بن صفوان و شيعته ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار السادس قول من يقول تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادا لا يتحركون ولا يحسون بألم وهذا قول أبى الهذيل العلاف إمام المعتزلة طردا لامتناع حوادث لا نهاية لها والجنة والنارعنده سواء في هذا الحكم السابع قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى فانه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها قال شيخ الإسلام وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبى هريرة وأبى سعيد وغيرهم وقد روى عبد بن حميد وهو من اجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال قال عمر لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه وقال حدثنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون منه ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى لابثين فيها أحقابا فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج ابن منهال وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به وحماد يرويه عن ثابت وحميد
وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال عمر بن الخطاب ولو قدر انه لم يحفظ عن عمر فتداول هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد مع انهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا فلو كان خذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله و سنة رسوله وإجماع الأئمة لكانوا أول منكر له قال ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر و نقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم انهم يخرجون منها وانهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي أما أهل النار الذين هم أهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولا يناقض هذا قوله تعالى خالدين فيها وقوله وما هم منها بمخرجين بل ما اخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه لكن إذا انقضى اجلها وفنيت تفنى الدنيا لم تبق نارا ولم يبق فيها عذاب قال أرباب هذا القول وفي تفسير علي بن ابي طلحة الوالبي عن ابن عباس في قوله تعالى قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم قال لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا قالوا وهذا الوعيد في هذه الآية ليس مختصا بأهل القبلة فانه سبحانه ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال اولياء وهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله انم ربك حكيم عليم وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وأولياء الجن من الإنس يدخل فيه الكفار قطعا فانهم أحق بموالاتهم من عصاة المسلمين كما قال تعالى إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وقال تعالى انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وقال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون وقال تعالى افتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو وقال تعالى فقاتلوا أولياء الشيطان وقال تعالى أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
251 - وقال تعالى وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون والاستثناء وقع في الآية التي أخبرت عن دخول أولياء الشياطين النار فمن ههنا قال ابن عباس لا ينبغي لاحد أن يحكم على الله في خلقه قالوا قول من قال أن إلا بمعنى سوى أي سوى ما شاء الله أن يزيدهم من أنواع العذاب وزمنه لا تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه وإن الذي يفهمه المخاطب مخالفة ما بعد لما قبلها قالوا وقول من قال انه لإخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان كزمان البرزخ والموقف ومدة الدنيا أيضا لا يساعد عليه وجه الكلام فانه استثناء من جملة خبرية مضمونها انهم إذا دخلوا النار لبثوا فيها مدة دوام السموات والأرض إلا ما شاء الله وليس المراد الاستثناء قبل الدخول هذا ما لا يفهمه المخاطب ألا ترى انه سبحانه يخاطبهم بهذا في النار حين يقولون ربنا استمتع بعضنا ببعض و بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا فيقول لهم حينئذ النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله و في قوله ربنا استمتع بعضنا ببعض و بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا نوع اعتراف واستسلام وتحسر أي استمتع الجن بنا و استمتعنا بهم فاشتركنا في الشرك ودواعيه وأسبابه و آثرنا الاستمتاع على طاعتك و طاعة رسلك و انقضت آجالنا و ذهبت أعمارنا في ذلك و لم نكتسب فيها رضاك و إنما كان غاية امرنا في مدة آجالنا استمتاع بعضنا ببعض فتأمل ما في هذا القول من الاعتراف بحقيقة ما هم عليه و كيف بدت لهم تلك الحقيقة ذلك اليوم وعلموا أن الذي كانوا فيه في مدة آجالهم هو حظهم من استمتاع بعضهم ببعض ولم يستمتعوا بعبادة ربهم و معرفته وتوحيده ومحبته و إيثارمرضاته وهذامن نمط قولهم لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير و قوله فاعترفوا بذنبهم و قوله فعلموا أن الحق لله و نظائرة والمقصود أن قوله إلا ما شاء الله عائد إلى هؤلاء المذكورين مختصا بهم أو شاملا لهم و لعصاة الموحدين وأما اختصاصه بعصاة المسلمين دون هؤلاء فلا وجه له ولما رأت طائفة ضعف هذا القول قالوا الاستثناء يرجع الى مدة البرزخ والموقف وقد تبين ضعف هذا القول و رأت طائفة أخرى أن الاستثناء يرجع إلى نوع آخر من العذاب غير النار قالوا والمعنى أنكم في النار أبدا إلا ما شاء الله أن يعذبكم بغيرها وهو الزمهرير وقد قال تعالى أن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا قالوا وإلا بدلا يقدر بالأحقاب و قد
قال ابن مسعود في هذه الآية ليأتين يوم على جهنم زمان و ليس فيها أحد و ذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا وعن أبي هريرة مثله حكاه البغوي عنهما ثم قال ومعناه عند أهل السنة أن ثبت انه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان قالوا قد ثبت ذلك عن أبي هريرة و ابن مسعود وعبد الله بن عمر وقد سال حرب اسحق بن راهويه عن هذه الآية فقال سالت إسحاق قلت قول الله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك فقال أتت هذه الآية على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا أبو نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي قال هذه الآية تأتي على القران كله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال المعتمر قال أتى على كل وعيد في القران حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا حدثنا عبيد الله حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال ما أنا بالذي لا أقول انه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرا قوله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق الآية قال عبيد الله كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين حدثنا أبو معن حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن جابر ابن عبد الله أو بعض أصحابه في قوله خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال هذه الآية تأتي على القران كله و قد حكى ابن جرير هذا القول في تفسيره عن جماعة من السلف فقال وقال آخرون عنى بذلك أهل النار و كل من دخلها ذكر من قال ذلك ثم ذكر الآثار التي نذكرها و قال عبد الرزاق أنبانا ابن التيمي عن أبيه عن أبي نضرة عن جابر أو أبي سعيد أو عن رجل من أصحاب رسول الله في قوله إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد قال هذه الآية تأتي على القران كله يقول حيث كان في القران خالدين فيها تأتي عليه قال و سمعت أبا مجلز يقول جزاؤه فان شاء الله تجاوز عن عذابه و قال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى أنبانا عبد الرزاق فذكره و قال وحدثت عن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال لا يموتون وما هم منها بمخرجين ما دامت السماوات و الأرض
إلا ما شاء ربك قال استثنى الله قال أمر الله النار أن تاكلهم قال و قال ابن مسعود ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد بعد ما يلبثون فيها أحقابا حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن بيان عن الشعبي قال جهنم أسرع الدارين عمرانا و أسرعهما خرابا و حكى ابن جرير في ذلك قولا آخر فقال و قال آخرون اخبرنا الله عز و جل بمشيئته لأهل الجنة فعرفنا معنى ثنياه بقوله عطاء غير مجذوذ وأنها لفي الزيادة على مقدار مدة السماوات و الأرض قالوا و لم يخبرنا بمشيئته في أهل النار و جائز أن يكون مشيئته في الزيادة و جائز أن تكون في النقصان حدثني يونس أنبانا ابن وهب قال اقل ابن زيد في قوله تعالى خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك فقرا حتى بلغ عطاء غير مجذوذ فقال اخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة فقال عطاء غير مجذوذ و لم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار و قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان بن احمد حدثنا جبير بن عرفة حدثنا يزيد بن مروان الخلال حدثنا أبو خليد حدثنا سفيان يعني الثوري عن عمرو بن دينار عن جابر قال قرا رسول الله فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك قال رسول الله أن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل و هذا الحديث يدل على أن الاستثناء إنما هو للخروج من النار بعد دخولها خلافا لمن زعم انه لما قبل الدخول و لكن إنما يدل على إخراج بعضهم من النار و هذا حق بلا ريب و هو لا ينفي انقطاعها و فناء عذابها وآكلها لمن فيها و انهم يعذبون فيها دائما ما دامت كذلك و ما هم منها بمخرجين فالحديث دل على آمرين أحدهما أن بعض الأشقياء أن شاء الله أن يخرجهم من النار و هي نار فعل و أن الاستثناء إنما هو فيما بعد دخولها لا فيما قبله و على هذا فيكون معنى الاستثناء ما شاء ربك من الأشقياء فانهم لا يخلدون فيها و يكون الأشقياء نوعين نوعا يخرجون منها النار و نوعا يخلدون فيها فيكونون من الذين شقوا أولا ثم يصيرون من الذين سعدوا فتجتمع لهم الشقاوة و السعادة في وقتين قالوا و قد قال تعالى أن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا و لا شرابا إلا حميما و غساقا جزاء وفاقا انهم كانوا لا يرجون حسابا و كذبوا بآياتنا كذابا فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته ولا يقدر إلا بدي بهذه الأحقاب و لا غيرها كما لا يقدر به القديم و لهذا
قال عبد الله بن عمرو فيما رواه شعبة عن أبي بلخ سمع عمرو بن ميمون يحدث عنه ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد و ذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا فصل
و الذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق أحدها اعتقاد الإجماع فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة و التابعين لا يختلفون فيه و أن الاختلاف فيه حادث و هو من أقوال أهل البدع الطريق الثاني أن القران دل على ذلك دلالة قطعية فانه سبحانه و تعالى اخبر انه عذاب مقيم و انه لا يفتر عنهم وأنه لن يزيدهم إلا عذابا و انهم خالدين فيها أبدا و ما هم بخارجين منها أي من النار و ما هم منها بمخرجين و أن الله حرم الجنة على الكافرين وانهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط و انهم لا يقضي عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها و أن عذابها كان غراما أي مقيما لازما قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه و استمراره الطريق الثالث أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار و أحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة بخروج عصاة الموحدين من النار و أن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم و لم يختص الخروج بأهل الإيمان الطريق الرابع أن الرسول وقفنا على ذلك و علمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقل معين كما علمنا من دينه دوام الجنة و عدم فنائها الطريق الخامس أن عقائد السلف و أهل السنة مصرحة بان الجنة و النار مخلوقتان و انهما لا يفنيان بل هما دائمتان و إنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع الطريق السادس أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار و هذا مبني على قاعدة و هي أن المعاد و ثواب النفوس المطيعة و عقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين و كثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القران في غير موضع كإنكاره سبحانه على من زعم انه يسوى بن الأبرار و الفجار في المحيا و الممات و على من زعم انه خلق خلقه عبثا و انهم إليها لا يرجعون و انه يتركهم سدى أي لا يثيبهم و لا يعاقبهم و ذلك يقدح في حكمته و كماله و انه نسبه إلى ما لا يليق به و ربما قرروه بان النفوس البشرية باقية و اعتقاداتها و صفاتها لازمة لها لا تفارقها و أن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولا قال تعالى و لو ترى إذ وقفوا على النار
فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون فهؤلاء قد ذاقوا العذاب و باشروه و لم يزل سببه و مقتضيه من نفوسهم بل خبثها و كفرها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا كما كانوا و هذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضى به العقل كما جاء به السمع قال أصحاب الفناء الكلام على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسالة فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم و إنما يظن الإجماع في هذه المسالة من لم يعرف النزاع و قد عرف النزاع فيها قديما و حديثا بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد انه قال إن النار لا تفنى أبدا لم يجد إلى ذلك سبيلا و نحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك بل التابعون حكوا عنهم هذا و هذا قالوا و الإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما و نوع ثالث مختلف فيه و لم يوجد واحد منها في هذه المسالة النوع الأول ما يكون معلوما من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام و تحريم المحرمات الظاهرة الثاني ما ينقل عن أهل الاجتهاد التصريح بحكمه والثالث أن يقول بعضهم القول و ينشر في الأمة و لا ينكره أحد فأين معكم واحد من هذه الأنواع ولو أن قائلا ادعى الإجماع من هذه الطرق و احتج بان الصحابة صح عنهم و لم ينكر أحد منهم عليه لكان اسعد بالإجماع منكم قالوا و أما الطريق الثاني و هو دلالة القران على بقاء النار و عدم فنائها فأين في القران دليل واحد يدل على ذلك نعم الذي دل عليه القران أن الكفار خالدين في النار ابدا وانهم غير خارجين منها وانه لا يفتر عنهم عذابها وانهم لا يموتون فيها و أن عذابهم فيها مقيم و انه غرام لازم لهم و هذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة و التابعين و أئمة المسلمين و ليس هذا مورد النزاع و إنما النزاع في أمر آخر و هو انه هل النار أبدية أو مما كتب الله عليه الفناء و أما كون الكفار لا يخرجون منها و لا يفتر عنهم من عذابها و لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فلم يختلف في ذلك الصحابة و لا التابعون و لا أهل السنة و إنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود و الاتحادية وبعض أهل البدع و هذه النصوص و أمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب ما دامت باقية و لا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها فالفرق بين من يخرج من الحبس و هو حبس على حاله و بين من يبطل جنسه بخراب الحبس و انتقاضه قالوا و أما الطريق الثالث و هو مجيء
السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك فهي حق لا شك فيه و هي إنما تدل على ما قلناه من خروج الموحدين منها و هي دار العذاب لم تفن و يبقى المشركون فيها ما دامت باقية و النصوص دلت على هذا وعلى هذا قالوا و أما الطريق الرابع وهو أن رسول الله و قفنا على ذلك ضرورة فلا ريب انه من المعلوم من دينه بالضرورة و أما كونها أبدية لا انتهاء لها و لا تفنى كالجنة فأين من القران و السنة دليل واحد يدل على ذلك قالوا و أما الطريق الخامس و هو أن في عقائد أهل السنة أن الجنة و النار مخلوقتان لا يفنيان أبدا فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية و المعتزلة و هذا القول لم يقله أحد من الصحابة و لا التابعين و لا أحد من أئمة المسلمين و أما فناء النار وحدها فقد أوجدنا كم من قال به من الصحابة و تفريقهم بين الجنة و النار فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع مع انه لا يعرف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين فقولكم انه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم و آرائهم و اختلافهم قالوا و القول الذي يعد من أقوال أهل البدع ما خالف كتاب الله و سنة رسوله و إجماع الأمة أما الصحابة أو من بعدهم و أما قول يوافق الكتاب و السنة و أقوال الصحابة فلا يعد من أقوال أهل البدع و أن دانوا به و اعتقدوه فالحق يجب قبوله ممن قاله و الباطل يجب رده على من قاله و كان معاذ بن جبل يقول الله حكم قسط هلك المرتابون أن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال و يفتح فيها القران حتى يقرؤه المؤمن والمنافق والمرآة والصبي والأسود والأحمر فيوشك أحدهم أن يقول قد قرأت القران فما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع بدلهم غيره فإياكم و ما ابتدع فان كل بدعة ضلالة و إياكم و زيغة الحكيم فان الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة و أن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فان على الحق نورا قالوا و كيف زيغة الحكيم قال هي الكلمة تروعكم و تنكرونها و تقولون ما هذه فاحذروا زيغته و لا تصدنكم عنه فانه يوشك أن يفيء و أن يراجع الحق و أن العلم و الإيمان مكانهما إلى يوم القيامة و الذي اخبر به أهل السنة في عقائدهم هو الذي دل عليه الكتاب و السنة و اجمع عليه السلف أن الجنة و النار مخلوقتان و أن أهل النار لا يخرجون منها و لا يخفف عنهم من عذابها العذاب و لا يفتر عنهم و انهم خالدون فيها و من ذكر منهم أن النار لا تفنى
أبدا فإنما قاله لظنه أن بعض أهل البدع قال بفنائها و لم يبلغه تلك الآثار التي تقدم ذكرها قالوا و أما حكم العقل بتخليد أهل النار فيها فأخبار عن العقل بما ليس عنده فان المسالة من المسائل التي لا تعلم إلا بخبر الصادق و أما اصل الثواب و العقاب فهل يعلم بالعقل مع السمع أول لا يعلم إلا بالسمع وحده ففيه قولان لنظار المسلمين من اتباع الأئمة الأربعة و غيرهم و الصحيح أن العقل دل على المعاد و الثواب و العقاب إجمالا و أما تفصيله فلا يعلم إلا بالسمع و دوام الثواب و العقاب مما لا يدل عليه العقل بمجرده وأنما علم بالسمع و قد دل السمع دلالة قاطعة على دوام ثواب المطيعين و أما عقاب العصاة فقد دل السمع أيضا دلالة قاطعة على انقطاعه في حق الموحدين و أما دوامه و انقطاعه في حق الكفار فهذا معترك النزال فمن كان السمع من جانبه فهو اسعد بالصواب وبالله التوفيق فصل
و نحن نذكر الفرق بين دوام الجنة و النار شرعا و عقلا و ذلك يظهر من وجوه أحدها أن الله سبحانه و تعالى اخبر ببقاء نعيم اهل الجنة ودوامه و انه لا نفاد له و لا انقطاع و انه غير مجذوذ و أما النار فلم يخبر عنها بأكثر من خلود أهلها فيها و عدم خروجهم منها و انهم لا يموتون فيها و لا يحيون و إنها مؤصدة عليهم و انهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها و أن عذابها لازم لهم و انه مقيم عليهم لا يفتر عنهم و الفرق بين الخبرين ظاهر الوجه الثاني أن النار قد اخبر سبحانه و تعالى في ثلاث آيات عنها بما يدل على عدم أبديتها الأولى قوله سبحانه و تعالى قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله أن ربك حكيم عليم و الثانية قوله خالدين فيها ما دامت السموات و الأرض إلا ما شاء ربك أن ربك فعال لما يريد الثالثة قوله لابثين فيها أحقابا و لولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة و دوامها لكان حكم الاستثنائين في الموضعين واحدا كيف وفي الايتين من السياق ما يفرق بين الاستثنائين فانه قال في أهل النار أن ربك فعال لما يريد فعلمنا أنه الله سبحانه و تعالى يريد أن يفعل فعلا لم يخبرنا به و قال في أهل الجنة عطاء غير مجذوذ فعلمنا أن هذا العطاء و النعيم غير مقطوع عنهم أبدا فالعذاب موقت معلق و النعيم ليس بموقت و لا معلق الوجه الثالث انه قد ثبت أن الجنة لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من المعذبين الذين يخرجهم الله من النار و أما النار فلم يدخلها من لم يعمل سوءا قط و لا يعذب إلا من عصاه الوجه الرابع انه قد ثبت أن الله سبحانه و تعالى ينشئ للجنة خلقا آخر يوم
القيامة يسكنهم إياها و لا يفعل ذلك بالنار و أما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله و أما النار فينشئ الله لها خلقا آخرين فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث و إنما هو ما ساقه البخاري في الباب نفسه و أما الجنة فينشئ الله لها خلقا آخرين ذكره البخاري رحمه الله مبينا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلاف هذا و هذا والمقصود انه لا تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق يوضحه الوجه الخامس أن الجنة من موجب رحمته و رضاه و النار من غضبه و سخطه و رحمته سبحانه تغلب غضبه و تسبقه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه انه قال لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي و إذا كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه و ما هو من موجب غضبه ممتنعا يوضحه الوجه السادس أن ما كان بالرحمة و للرحمة فهو مقصود لذاته قصد الغايات و ما كان من موجب الغضب و السخط فهو مقصود لغيره قصد الوسائل فهو مسبوق مغلوب مراد لغيره و ما كان بالرحمة فغالب سابق مراد لنفسه يوضحه الوجه السابع و هو انه سبحانه و تعالى قال للجنة أنت رحمتي ارحم بك من أشاء و قال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء و عذابه مفعول منفصل و هو ناشئ عن غضبه و رحمته ههنا هي الجنة وهي رحمة مخلوقة ناشئة عن الرحمة التي هي صفة الرحمن فههنا أربعة أمور رحمة هي وصفه سبحانه وثواب منفصل هو ناشىء عن رحمه وغضب يقوم به سبحانه و عقاب منفصل ينشا عنه فإذا غلبت صفة الرحمة صفة الغضب فلان يغلب ما كان بالرحمة لما كان بالغضب أولى و أحرى فلا تقاوم النار التي نشأت عن الغضب الجنة التي نشأت عن الرحمة يوضحه الوجه الثامن أن النار خلقت تخويفا للمؤمنين و تطهيرا للخاطئين و المجرمين فهي طهرة من الخبث الذي اكتسبته النفس في هذا العالم فان تطهرت ههنا بالتوبة النصوح و الحسنات الماحية و المصائب المكفرة لم يحتج إلى تطهير هناك و قيل لها مع جملة الطيبين سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين و أن لم ننطهر في هذه الدار و وافت الدار الأخرى بدرنها و نجاستها و خبثها أدخلت النار طهرة لها و يكون مكثها في النار بحسب زوال ذلك الدرن و الخبث و النجاسة التي لا يغسلها الماء فإذا تطهرت الطهر التام أخرجت من النار و الله سبحانه خلق عباده حنفاء و هي فطرة الله التي فطر الناس عليها فلو خلوا و فطرهم لما
نشؤا إلا على التوحيد و لكن عرض لا كثر الفطر ما غيرها و لهذا كان نصيب النار اكثر من نصيب الجنة و كان هذا التغيير مراتب لا يحصيها إلا الله فأرسل الله رسله و انزل كتبه يذكر عباده بفطرته التي فطرهم عليها فعرف الموفقون الذين سبقت لهم من الله الحسنى صحة ما جاءت به الرسل و نزلت به الكتب بالفطرة الأولى فتوافق عندهم شرع الله و دينه الذي أرسل به رسله و فطرته التي فطرهم عليها فمنعتهم الشرعة المنزلة و الفطرة المكملة أن تكتسب نفوسهم خبثا و نجاسة و درنا يعلق بها و لا يفارقها بل كلما ألم بهم شيء من ذلك و مسهم طائف من الشيطان اغاروا عليه بالشرعة و الفطرة فأزالوا موجبه و أثره و كمل لهم الرب تعالى ذلك باقضية يقضيها لهم مما يحبون أو يكرهون تمحص عنهم تلك الآثار التي شوشت الفطرة فجاء مقتضى الرحمة فصادف مكانا قابلا مستعدا لها ليس فيه شيء يدافعه فقال ههنا أمرت و ليس لله سبحانه غرض في تعذيب عباده بغير موجب كما قال تعالى ما يفعل الله بعذابكم أن شكرتم و آمنتم و كان الله شاكرا عليما و استمر الأشقياء مع تغيير الفطرة و نقلها مما خلقت عليه إلى ضده حتى استحكم الفساد و تم التغيير فاحتاجوا في ازالة ذلك إلى تغيير آخر و تطهير ينقلهم إلى الصحة حيث لم تنقلهم آيات الله المتلوة و المخلوقة و أقداره المحبوبة و المكروهة في هذه الدار فأتاح لهم آيات آخر وأقضية و عقوبات فوق التي كانت في الدنيا تستخرج ذلك الخبث و النجاسة التي لا تزول بغير النار فإذا زال موجب العذاب و سببه زال العذاب و بقي مقتضى الرحمة لا معارض له فان قيل هذا حق و لكن سبب التعذيب لا يزول إلا إذا كان السبب عارضا كمعاصي الموحدين أما إذا كان لازما كالكفر و الشرك فان أثره لا يزول كما لا يزول السبب و قد أشار سبحانه إلى هذه المعنى بعينه في مواضع من كتابه منها قوله تعالى و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فهذا إخبار بان نفوسهم و طبائعهم لا تقتضي غير الكفر و الشرك و إنها غير قابلة للإيمان أصلا ومنها قوله تعالى و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا فاخبر سبحانه أن ضلالهم و عماهم عن الهدى دائم لا يزول حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل و إذا كان العمى و الضلال لا يفارقهم فان موجبه وأثره و مقتضاه لا يفارقهم ومنها قوله تعالى و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو اسمعهم لتولوا و هم معرضون و هذا يدل على انه ليس فيهم خير
يقتضي الرحمة و لو كان فيهم خير لما ضيع عليهم أثره و يدل على انهم لا خير فيهم هناك أيضا قوله اخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من خير فلو كان عند هؤلاء أدنى ادنى مثقال ذرة من خير لخرجوا منها مع الخارجين قيل لعمر الله أن هذا لمن أقوى ما يتمسك به في المسئلة و أن الأمر لكما قلتم و أن العذاب يدوم بدوام موجبه و سببه و لا ريب انهم في الآخرة في عمى و ضلال كما كانوا في الدنيا و وبواطنهم خبيثة كما كانت في الدنيا و العذاب مستمر عليهم دائم ما داموا كذلك و لكن هل هذا الكفر والتكذيب و الخبث أمر ذاتي لهم زواله مستحيل أم هو امر عارض طارئ على الفطرة قابل للزوال هذا حرف المسئلة و ليس بأيديكم ما يدل على استحالة زواله و انه أمر ذاتي و قد اخبر سبحانه و تعالى انه فطر عباده على الحنيفية و أن الشياطين اجتالتهم عنها فلم يفطرهم سبحانه على الكفر و التكذيب كما فطر الحيوان البهيم على طبيعته و إنما فطرهم على الإقرار بخالقهم و محبته و توحيده فإذا كان هذا الحق الذي قد فطروا عليه وقد خلقوا عليه قد أمكن زواله بالكفر و الشرك الباطل فإمكان زوال الكفر و الشرك الباطل بضده من الحق أولى و أحرى و لا ريب انهم لو ردوا على تلك الحال التي هم عليها لعادوا لما نهوا عنه و لكن من أين لكم أن تلك الحال لا تزول و لا تتبدل بنشأة أخرى ينشئهم فيها تبارك و تعالى إذا أخذت النار مأخذها منهم و حصلت الحكمة المطلوبة من عذابهم فان العذاب لم يكن سدى و إنما كان لحكمة مطلوبة فإذا حصلت تلك الحكمة لم يبق في التعذيب أمر يطلب و لا غرض يقصد و الله سبحانه ليس يشتفي بعذاب عباده كما يشتفى المظلوم من ظالمه و هو لا يعذب عبده لهذا الغرض و إنما يعذبه طهرة له و رحمة به فعذابه مصلحة له و أن تألم به غاية الألم كما أن عذابه بالحدود في الدنيا مصلحة لأربابها و قد سمى الله سبحانه و تعالى الحد عذابا و قد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل لكل داء دواء يناسبه و دواء الضال يكون من اشق الأدوية و الطبيب الشفيق يكون المريض بالنار كيا بعد كي ليخرج منه المادة الرديئة الطارئة على الطبيعة المستقيمة و أن رأى قطع العضو اصلح للعليل قطعه و أذاقه اشد الألم فهذا قضاء الرب و قدره في إزالة مادة غريبة طرأت على الطبيعة المستقيمة بغير اختيار العبد فكيف إذا طرا على الفطرة السليمة مواد فاسدة باختيار العبد و اراداته و إذا تأمل اللبيب شرع الله تبارك و تعالى و قدره في الدنيا و ثوابه و عقابه
في الآخرة وجد ذلك في غاية التناسب و التوافق و ارتباط ذلك ببعضه البعض فان مصدر الجميع عن علم تام وحكمة بالغة و رحمة سابغة و هو سبحانه و الملك الحق المبين و ملكه ملك رحمة و إحسان و عدل الوجه التاسع أن عقوبته للعبد ليست لحاجته إلى عقوبته لا لمنفعة تعود إليه و لا لدفع مضرة و ألم يزول عنه بالعقوبة بل يتعالى عن ذلك و يتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب و النقائص و لا هي عبث محض خال عن الحكمة و الغاية الحميدة فانه أيضا يتنزه عن ذلك و تعالى عنه فأما أن يكون من تمام نيعم أوليائه و أحبابه و أما أن يكون من مصلحة الأشقياء و مداواتهم
02.08.10 17:27 من طرف 24akhbar