24akhbar
| | احداث الفتنه الكبرى الحلقه السادسه | |
[center]استسلام الخليفة لقدره وموقف الصحابة
أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله أن عليا أرسل إلى عثمان فقال: إن معي خمسمائة دارع، فأذن لي فأمنعك من القوم، فإنك لم تحدث شيئا يستحل به دمك، فقال: "جُزيت خيرا، ما أحب أن يهراق دم في سببي."
ويقول ابن سيرين: كان مع عثمان في الدار سبعمائة، لو يدعهم لضربوهم إن شاء الله حتى يخرجوهم من أقطارها، منهم: ابن عمر، والحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير. وبذلك يظهر زيف ما أتهم به الصحابة مهاجرين وأنصارا من تخاذل عن نصرة عثمان ، وكل ما روي في ذلك فإنه لا يسلم من علة إن لم تكن عللا قادحة في الإسناد والمتن جميعا.
ولما رأى بعض الصحابة إصرار عثمان على رفض قتال المحاصرين، وأن المحاصرين مصرون على قتله، لم يجدوا حيلة لحمايته سوى أن يعرضوا عليه مساعدته في الخروج إلى مكة هربا من المحاصرين، فقد روى أن عبد الله بن الزبير، والمغيرة بن شعبة، وأسامة بن زيد، عرضوا عليه ذلك، وكان عرضهم متفرقا، فقد عرض كل واحد منهم عليه ذلك على حدة، وعثمان يرفض كل هذه العروض.
موقف أمهات المؤمنين وبعض الصحابيات 1ـ أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما: كان موقف السيدة أم حبيبة أم المؤمنين من المواقف البالغة الخطر في هذه الأحداث، ذلك أنهلما حوصر عثمان t ومنع عنه الماء، سرَّح عثمان ابنا لعمرو بن حزم الأنصاري من جيران عثمان إلى علي بأنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا منالماء فافعلوا، وإلى طلحة وإلى الزبير وإلى عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة. جاءت أم حبيبة، فضربوا وجه بغلتها، و مالت راحلتها، فتعلقوا بها وقد كادت تقتل.
2- صفية زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما فعلته السيدة أم حبيبة فعلت مثله السيدة صفية رضي الله عنها؛ فلقد روي عن كنانة قال: كنت أقود بصفية لتردَّ عن عثمان، فلقيها الأشتر، فضرب وجه بغلتها حتى مالت، فقالت: ذروني لا يفضحني هذا، ثم وضعت خشبا من منزلها إلى منزل عثمان تنقل عليه الطعام والماء.
3- عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ولما حدث ما حدث للسيدة أم حبيبة أعظمه الناس جدا، فخرجت عائشة -رضي الله عنها- من المدينة وهي ممتلئة غيظا على المتمردين، وجاءها مروان بن الحكم، فقال: أم المؤمنين، لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل، فقالت: أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة، ثم لا أجد من يمنعني وخرجت للحج مع أمهات المؤمنين، ولم يكن هذا الخروج هربا محضا، وإنما كان محاولة منهن لتخليص عثمان من أيدي هؤلاء المفتونين، الذين كان منهم محمد بن أبي بكر، أخو السيدة عائشة رضي الله عنها، الذي حاولت أن تستتبعه معها إلى الحج فأبى. فقالت السيدة عائشة: أما والله لو استطعت أن يحرمهم الله ما يجولون لأفعلن.
استشهاد عثمان 35 هجرية
تحركت بعض جيوش الأمصار لنجدة الخليفة، وكادت أيام الحج تنقضي سريعا وتوشك جماعات من هؤلاء أن تزحف إلى المدينة للتصدي لهؤلاء الخارجين الذين قرروا الإسراع بقتل عثمان رضي الله عنه.
وفي آخر أيام الحصار وهو اليوم الذي قتل فيه نام فأصبح يحدِّث الناس: ليقتلني القوم ثم قال:
" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ومعه أبو بكر وعمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عثمان أفطر عندنا"
فأصبح صائما وقتل من يومه
هاجم المتمردون الدار فتصدى لهم الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص، ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم، فنشب القتال فناداهم عثمان: الله الله، أنتم في حل من نصرتي، فأبوا، ودخل غلمان عثمان لينصروه، فأمرهم ألا يفعلوا؛ بل إنه أعلن أنه من كف يده منهم فهو حر.
وقال عثمان في وضوح وإصرار وحسم، وهو الخليفة الذي تجب طاعته
أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه.
وكان المغيرة بن الأخنس بن شريق فيمن حج ثم تعجل في نفر حجوا معه، فأدرك عثمان قبل أن يقتل، ودخل الدار يحمي عنه وقال: ما عذرنا عند الله إن تركناك ونحن نستطيع ألا ندعهم حتى نموت؟ فأقدم المتمردون على حرق الباب والسقيفة، فثار أهل الدار وعثمان يصلي حتى منعوهم، وقاتل المغيرة بن الأخنس والحسن بن علي ومحمد بن طلحة وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم وأبو هريرة، فأبلوا أحسن البلاء وعثمان يرسل إليهم في الانصراف دون قتال، ثم ينتقل إلى صلاته، فاستفتح قوله تعالى : "طه ، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَّخْشَى" [طه: 1-3]
وكان سريع القراءة، فما أزعجه ما سمع، ومضى في قراءته ما يخطئ وما يتعتع، حتىإذا أتى إلى نهايتها قبل أن يصلوا إليه ثم دعا فجلس وقرأ:"قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" [آل عمران: 137].
وأصيب يومئذ أربعة من شبان قريش وهم:الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكموقتلالمغيرة بن الأخنس، ونيار بن عبد الله الأسلمي وزياد الفهري، واستطاع عثمان أن يقنع المدافعين عنه، وألزمهم بالخروج من الدار، وخلى بينه وبين المحاصرين، فلم يبق في الدار إلا عثمان وآله، وليس بينه وبين المحاصرين مدافع ولا حام من الناس، وفتح باب الدار .
وبعد أن خرج من في الدار ممن كان يريد الدفاع عنه، نشر المصحف بين يديه، وأخذ يقرأ منه وكان إذ ذاك صائما.
ألا يجب علينا أن نتوقف طويلا أمام هذا المشهد الدرامي الذي بلغ أسمى درجات الطهر. .؟!
نحن أمام انسان ارتفع بروحه إلى درجة ملائكية نادرة . ترى كم منا من يمكنه استقبال موته بهذه الكيفية وبهذا الهدوء واليقين؟..كم منا من يمكنه أن يودع الدنيا هذا الوداع المستحيل ويجعل آخر عهده بها أن يكون كتاب الله آخرما تصافحه عيناه، وأن يكون رنين تلاوة آياته الشريفة آخرما ينطقه لسانه ، وأن يكون صوت رسول الله عليه الصلاة والسلام ونبؤته ملؤ عقله وروحه؟..كم منامن يمكنه أن يفارق أحبابه وفلذات أكباده بإرادته وبمثل رحابة الصدر التي بدا عليه ذو النورين ، ولا يفكر إلا في صحبة الحبيب محمد بدار الخلد ..؟
يمكننا نحن الآن فقط أن نتخيل هذا الشيخ المهيب ونبكي من أجله ، وأن نلعن قاتليه ، ولكن لحظتها كان للمتربصين به موقف مغاير تماما لما كان عليه خليفتنا الشهيد رضي الله عنه ، ولما نحن عليه الآن.
يقول الدكتور الصلابي واصفا لحظة الغدر الخسيس في كتابه عن ذي النورين :
فإذا برجل من المحاصرين يخنقه قبل أن يضربه بالسيف ، فقتل والمصحف بين يديه، وعلى أثر قطع اليد انتضح الدم على المصحف الذي كان بين يديه يقرأ منه، وسقط على قوله تعالى:
"فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" [البقرة: 137].
جنازته والصلاة عليه ودفنه
قام نفر من الصحابة في يوم قتله بغسله وكفنوه وحملوه على باب، ومنهم: حكيم بن حزام، وحويطب بن عبد العزى، وأبو الجهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم الأسلمي، وجبير ابن مطعم، والزبير بن العوام، وعلي بن أبي طالب، وجماعة من أصحابه ونسائه، منهن امرأتاه نائلة وأم البنين بنت عتبة بن حصين، وصبيان، والذي يرجح أن الذي صلى عليه كان الزبير بن العوام لرواية الإمام أحمد في مسنده؛ فقد بينت تلك الرواية أن الزبير بن العوام صلى على عثمان ودفنه, وكان أوصى إليه. وقد دفن ليلا، وقد أكد ذلك ما رواه ابن سعد والذهبي؛ حيث ذكرا أنه دفن بين المغرب والعشاء, رضوان الله عليه.
لغط كبير يجب ان يصحح
إن قاتل عثمان رجل مصري، لم تفصح الروايات عن اسمه، وبينت أنه سدوسي الأصل، أسود البشرة، لقب بـ (جبلة) لسواد بشرته.
وأما ما يتعلق بتهمة محمد بن أبي بكر بقتل عثمان بمشاقصه، فهذا باطل، وقد جاءت روايات ضعيفة في ذلك، كما أن متونها شاذة لمخالفتها للرواية الصحيحة التي تبين أن القاتل هو رجل مصري وقد ذكر الدكتور يحيى اليحيى عدة أسباب ترجح براءة محمد بن أبي بكر من دم عثمان، منها:
أ- أن عائشة -رضي الله عنها- خرجت إلى البصرة للمطالبة بقتلة عثمان، ولو كان أخوها منهم ما حزنت عليه لما قتل فيما بعد.
ب- لعن علي لقتلة عثمان وتبرؤه منهم، يقتضي عدم تقريبهم وتوليتهم، وقد ولي محمد بن أبي بكر مصر، فلو كان منهم ما فعل ذلك.
ج- ما أخرجه ابن عساكر بسنده عن محمد بن طلحة بن مصرف قال: سمعت كنانة مولى صفية بنت حيي قال: شهدت مقتل عثمان وأنا ابن أربع عشرة سنة، قالت: هل أندى محمد بن أبي بكر بشيء من دمه؟ فقال: معاذ الله، دخل عليه، فقال عثمان: يا ابن أخي لست بصاحبي فخرج، ولم يند من دمه بشيء.
د ـ وأخرج خليفة بن خياط والطبري بإسناد رجال ثقات عن الحسن البصري وكان ممن حضر يوم الدار أن ابن أبي بكر أخذ بلحيته، فقال عثمان: لقد أخذت مني مأخذا أو قعدت مني مقعدا، ما كان أبوك ليقعده فخرج وتركه.
| |
|