هذه لحظة درامية نادرة فى مسيرة الثورة المصرية، حيث الكل فى حالة انكشاف ومراجعة للتكتيكات، وتبديل المواقف، وكل الطنين الأجوف عن المبادئ واحترام الإرادة الشعبية تغير بين عشية وضحاها.
الذين اعتبروا الاقتراب من نتائج الاستفتاء خروجا على الشرع وامتهانا للديمقراطية وعبثا بإرادة الجماهير، يعودون الآن ليبدلوا رأيهم فى ترتيبات المرحلة الانتقالية، وبعد أن كان الدفاع عن مطلب الانتخابات البرلمانية أولا وقبل شىء، ثم الدستور وأخيرا انتخاب الرئيس، ها هم الآن يتنازلون ويقولون الانتخابات الرئاسية قبل وضع الدستور.
هو نصف رجوع إلى الحق، لكن هل يعد ذلك نصف فضيلة ؟ لا أظن فالفضيلة والرذيلة لا يمكن التعامل معهما بالقطعة، وبالكيلو، وقد بحت الأصوات تقول إنك لا يمكن أن تسير القطار قبل أن تصنع قضبانه وتضعها فى مكانها الصحيح، كما لا يمكنك التفكير فى واجهة المنزل الجديد قبل أن تضع الأساس وتقيم الأعمدة.
لقد فاجأنى بيان الجمعية الوطنية للتغيير الصادر مساء الخميس فى رصده للتحولات والتبدلات المفاجئة فى المواقف، يقول البيان «فوجئت «الجمعية الوطنية للتغيير»، اليوم الخميس 6 أكتوبر 2011، بالإعلان عن صدور بيان من حزب الحرية والعدالة (الإخوان) وآخر من بعض مرشحى الرياسة المحتملين، طالبوا فيه بأن يكون انتخاب رئيس الجمهورية، سابقا على وضع الدستور، وهو الأمر الذى يصطدم بموقف سابق لمصدرى البيانين، خلال الشهور الماضية، دأبوا فيه على رفض أى محاولة تقدمت بها القوى الوطنية، والديمقراطية، لطلب إعادة النظر فى ترتيبات المرحلة الانتقالية، ووضع الدستور أولا ثم انتخاب رئيس الجمهورية، ثم المؤسسات التشريعية، وهو الموقف المنطقى الذى كان يمكن أن يؤدى إلى تقصير المرحلة الانتقالية، وتأمين مسار تسليم السلطة فى إطارمحصن دستوريا، وكانوا يرددون فى مواجهة ذلك أن هذا المطلب يلتف على الإرادة الشعبية فى الاستفتاء السابق، الخاص بتعديل بعض مواد دستور 71، والتى حددت مسارا معينا لانتخاب مجلسى الشعب والشورى، ووضعت حق انتخاب اللجنة التأسيسية للدستور فى قبضة البرلمان دون أدنى ضوابط أو معايير، ثم انتخاب رئيس جمهورية بعد الاستفتاء على الدستور، وهذا الموقف الذى يبدونه اليوم يتناقض مع استخدامهم السابق لطلبنا تصحيح المسار، للهجوم على القوى الوطنية والديمقراطية باسم الالتفاف على الإرادة الشعبية، ويؤكد تنازلهم عن ذلك الموقف بالمطالبة بتعديل المسار المستفتى عليه، دون أن يعتبروا ذلك التفافا على الإرادة الشعبية. وهذه المواقف المتضاربة تؤكد نهجا يتسم بالحرص على المصالح السياسية الضيقة، على حساب المصالح العليا للوطن».
إنها السياسة يا عزيزى، التى تقبل التقلبات والتحولات والارتدادات، وفى ظل هذه اللوحة العبثية لا تملك إلا أن تفرك عينيك دهشة من الذين ربطوا بين المقدس وغير المقدس عنوة، فأساءوا للاثنين، غير أنك لا تملك إلا أن ترحب بهذه التطور، وتحلم بأن يستعيد الكل نقاء البدايات، ويصححوا المسار بحق حتى لا تنشغل قوى الثورة ببعضها، تاركة المجال للخصوم والفلول والمتربصين لكى ينقضوا عليها.
وأزعم أن مصر أحوج ما تكون الآن لمراجعة الذات، بعد أن تبين أن كل ما جرى طوال الشهور الماضية كان حرثا فى البحر، ومحاولات لزرع القمح فى السماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات وائل قنديل
ثغرة أكتوبر وثغرة يناير جنرال ماسبيرو الجديد وجبة غداء وصورة بالألوان مع العسكر سلخانة منى الشاذلى جمال مبارك مرشحًا للانتخابات المقبلة