لا أعرف ما دار فى اللقاء المغلق بين المشير ووزير الداخلية عن الطوارئ والاستعداد الأمنى للانتخابات، لكنى رأيت الزميلة الإعلامية منى الشاذلى أكثر عسكرية من الجميع وهى توجه حوارها مساء الأربعاء ناحية الرضوخ لتلك المقايضة البائسة القديمة «حياتك مع الطوارئ أم هلاكك مع الحريات».
لقد اتخذ المشير إجراء جديرا بالاحترام حين أحال واقعة فيديو تعذيب اثنين من البلطجية على أيدى كوكتيل من ضباط الجيش والشرطة إلى القضاء العسكرى للتحقيق العاجل، غير أن منى الشاذلى آثرت التدخل فى موضوع بين يدى القضاء، وصادرت على المحقق بتقارير ومداخلات تظهر العين الحمراء للمجلس العسكرى لأنه أحال واقعة التعذيب للتحقيق، وبدا الأمر وكأننا أمام استطلاع رأى من تلك النوعية الوقائية اللطيفة التى تستبق مليونيات يوم الجمعة حول قانون الطوارئ، مع الأخذ فى الاعتبار أن أحد العناوين الكبرى فى مليونية اليوم هو «لا لإعادة العمل بقانون الطوارئ».
ولعلك لاحظت أن الجو فى استوديو منى الشاذلى كان مهيأ تماما للوصول إلى نتيجة محددة سلفا وهى أن ظروف المرحلة الراهنة تتطلب تجاوز القانون ودهسه بالأقدام لكى ننقذ مصر من بين براثن البلطجة والانفلات، أو على الأقل تفعيل القوانين الاستثنائية وفى مقدمتها قانون الطوارئ، حيث خرج الحوار عن الموضوع الأصلى المحدد بحالة بعينها، إلى مناطق أخرى أرادوا منها مواصلة ابتزاز المواطن المصرى المغلوب على أمره وتخييره بين أمنه هو وعائلته، أو التمسك بشعارات فارغة عن حقوق الإنسان واحترام القانون وصون آدمية البشر حتى وإن كانوا مجرمين.
وفى سلخانة إعلامية مفعمة بالفزع كهذه من الطبيعى أن يتحول الضيف المحترم نجاد البرعى إلى متهم بتشكيلة متنوعة من الجرائم، تبدأ بالانحياز للبلطجية، وتنتهى بأنه يرتدى رابطة عنق، وتمر بسلسلة مستهلكة من الكليشيهات المحفوظة عن الذين سيضيعون البلد بتمسكهم بمبادئ حقوق الإنسان.
غير أن أسوأ ما سمعت أن يصل الهوس إلى حد المطالبة بتشريعات تبيح الاعتداء البدنى على المتهمين والمجرمين، وكأنهم نسوا أو يريدون الردم على أن الثورة، التى يعلقون لها المشانق أرضا وفضاء كانت ثورة «الكرامة الإنسانية».
إن أحدا لا يكره الأمان والسكينة، غير أن الأمان لا يمكن أن يتحقق إلا بأن يكون القانون هو السيد على الجميع، ومن ثم، فالتعاطف والانحياز لتجاهل وتجاوز القانون ولو بشكل مؤقت من شأنه أن يردنا من حالة «الدولة» إلى حالة «الغابة» خصوصا مع تلك السيولة فى المفاهيم، التى تجعل من شاب يهتف ضد الحكومة والمجلس العسكرى بلطجيا، وبالتالى يصبح شيئا عاديا أن يعذب بدنيا وتنتهك كرامته.
و إذا رضينا وصفقنا لانتهاك القانون بواسطة المعنيين بحماية القانون، فكيف نطالب الأفراد العاديين باحترام القانون بعد ذلك؟ ولماذا لم يسأل أحدهم ما الذى جعل البلطجية يستشرسون ويستأسدون على خلق الله بهذا الشكل، سوى أن الأجهزة الأمنية المختصة غائبة أو لا تقوم بدورها على الوجه اللازم، إلا عندما يتعلق الأمر بصينية ميدان التحرير؟
لقد بدت خطوة المشير بإحالة الأمر إلى القضاء العسكرى إجراء حضاريا ينتصر لقيم دولة القانون واحترام آدمية الإنسان بما هو إنسان، غير أن من الإعلام ما يفضل أن يهوى على رءوسنا بشماريخ تبتذل كل جميل وإنسانى ونبيل، وتريدها سلخانة وليست وطنا.
مقالات وائل قنديل
جمال مبارك مرشحًا للانتخابات المقبلة جابر عصفور حمى الثورة من العميل علاء الأسوانىلا لخلط الشيشة بالسياسة مصر تبحث عن دجاجة