بصرف النظر عن أن تشكيلة الأحزاب المشاركة فى اجتماع المجلس العسكرى أول أمس تنتمى إلى دراما اجتماعات صفوت الشريف وأحمد عز التى سبقت الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى عمر نظام مبارك، فإن البيان الصادر عن اللقاء يتحدث عن وعود واحتمالات ونيات أكثر مما يقر بالتزامات واستحقاقات وإجراءات عملية ملموسة.
لقد كتبت فى هذا المكان قبل يومين عن نظرية أحمد عز المتحكمة فى الأداء والخطاب الرسميين حتى الآن، محذرا من خطيئة الابتهاج بالفتات والرضا بالقليل، بينما مصر تستحق الكل، ومن أسف أن الذين حضروا اللقاء ذهبوا مسكونين بأحلام صغيرة لا تتعدى تحقيق مطالب فئوية ضيقة، فمنهم من لم ير أبعد من غنيمة الحصول على قرار بإلغاء المادة الخامسة من قانون الانتخابات، ومنهم من اكتفى بوجبة غداء وصورة بالحجم الكبير مع رئيس الأركان وأعضاء المجلس العسكرى.
ومن هنا كانت دهشتى من هذا التجاور الصادم بين النبيل الدكتور محمد أبوالغار، أحد الآباء الروحيين العظام لهذه الثورة، وبين نجوم أحزاب الكارتون، فى ظل غياب كامل وإقصاء متعمد لأصحاب الشأن الأصليين وأعنى الشباب الذى صنع هذه الثورة وقاد الجميع فيها، قبل أن يهبط آخرون عليها بالباراشوت.
وبعيدا عن الشكل فإن مضمون البيان الصادر عن الاجتماع يحمل مجرد وعود وأفكار خاصة بدراسة إنهاء حالة الطوارئ، ودراسة إصدار تشريع لحرمان قيادات الحزب المنحل من مباشرة الحقوق السياسية، وقد قيل فى ذلك إن المقصود هو دراسة حرمان القيادات العليا فى الحزب من الترشيح لمدة عامين فقط، مع التذكرة بأن الحد الأدنى الذى رضيت به بعض القوى السياسية كان خمس سنوات من العزل السياسى، فيما تمسك آخرون بإطالة أمد العزل إلى عشر سنوات.
باختصار جرت المفاوضات وفقا لتكتيك «خذ وفاوض» الذى فرضه الداهية هنرى كيسنجر على العرب فى مباحثات السلام، وهو مبدأ يصلح للتفاوض بين خصمين لكنه لا يصلح بالتأكيد لإدارة الثورات، خصوصا إذا كان ما بين المتفاوضين علاقة شراكة وليست عداوة، وبالتالى كان حريا بمن حضروا اللقاء ألا يفرحوا بأقل القليل، بينما الثورة تستحق تغييرا كاملا.
ووفقا لما تسرب عن أجواء اللقاء، فإن البيان الصادر عنه لا يعبر عما سمعه الحاضرون، من تأكيدات على قرارات فورية تستجيب لمطالب الثورة، ومن ثم لا يعرف أحد هل وقع الموقعون على بياض، أم أنه جرى تعديل فى نص الاتفاق بعد أن انفض السامر، أم أن هناك من خدع؟
غير أن الأمر لا يخلو من بعض الإيجابيات، أهمها أن مظاهرات الجمعة لا تزال الورقة الأهم فى إدارة التفاوض، بما يعنى أن الشارع المصرى يبقى لاعبا رئيسيا فى كل المعادلات رغم كل محاولات التشويه والتسفيه، وأيضا التوافق على المبادئ الحاكمة لوضع الدستور، ومنها أن المجلس العسكرى لا يمانع فى العودة إلى جادة الصواب، وبالتالى لا يجب أن تقبل القوى السياسية بالحد الأدنى بينما تستحق مصر العلامة الكاملة فى اختبار الثورة.
فليناضل الجميع من أجل إلغاء حالة الطوارئ الآن، وتشريع بعزل الفلول خمس سنوات على الأقل، والوصول إلى خارطة طريق واضحة المعالم، وليست غامضة وضبابية على هذا النحو، علما بأن البيان بصيغته التى صدر بها يجعل موعد انتخاب رئيس لمصر مسألة فى علم الغيب.
wquandil@shorouknews.com ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات وائل قنديل
سلخانة منى الشاذلى جمال مبارك مرشحًا للانتخابات المقبلة جابر عصفور حمى الثورة من العميل علاء الأسوانىلا لخلط الشيشة بالسياسة