لا تحمل ذاكرة المجتمع المصري وداً لقانون الطوارئ إذ أنه كان الأداة التي استخدمها نظام مبارك قرابة الثلاثين عاماً لاستلاب حريات المصريين. وكان تجديد العمل بهذا القانون سئ السمعة يتم بموافقة البرلمان بناءاً على طلب مقدم من الحكومة. ولأن البرلمان كما نعلم لم يكن معبراً عن إرادة المصريين فإنه لم يكن يرفض تمديد العمل بهذا القانون سنوات وراء سنوات بلغت الثلاثين سنة.
لذلك لما بدا الانفصام واضحاً بين إرادة البرلمان وإرادة الشعب أتت التعديلات الدستورية في التاسع عشر من مارس بحل واضح لمعضلة إعلان حالة الطوارئ يتمثل في أن يكون إعلانها من صلاحيات رئيس الجمهورية على أن يأخذ عليها موافقة البرلمان في غضون سبعة أيام من إعلانها ولا يجوز إعلان حالة الطوارئ لمدة أكبر من ستة أشهر متتالية بموافقة البرلمان وذلك لمنع تكرار الانفصام بين البرلمان والإرادة الشعبية لذا نصت هذه التعديلات والتي وافق عليها المصريون على وجوب استفتاء الشعب عند إعلان الطوارئ لمدة أكبر من ستة أشهر متتالية.
وأقر الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أعقاب الاستفتاء المذكور هذا المبدأ في مادته رقم 59 والتي يقول نصها:
"يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى مجلس الوزراء، حالة الطوارئ على الوجه المبين فى القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال السبعة أيام التالية ليقرر ما يراه بشأنه ، فإذا تم الإعلان فى غير دور الانعقاد وجبت دعوة المجلس للانعقاد فوراً للعرض عليه وذلك بمراعاة الميعاد المنصوص عليه فى الفقرة السابقة ، وإذا كان مجلس الشعب منحلاً يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له ، ويجب موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب على إعلان حالة الطوارئ ، وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك ".
وعلى ذلك فإن التصريح المنسوب للواء ممدوح شاهين الذي يوضح نية المجلس الأعلى تمديد العمل بقانون الطوارئ حتى شهر يونيو 2012 يفتح الباب حول دستورية إعلان حالة الطوارئ لما يفوق الستة أشهر المتتالية التي نص عليها استفتاء 19 مارس والإعلان الدستوري الذي أعقبه. ولأن المجلس الأعلى يمارس الآن صلاحيتي كلاً من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب فإن جزءاً رقابياً على هذا القرار قد تم افتقاده مما قد يعطي الحق للمجلس الأعلى في إعلان حالة الطوارئ لمدة لا تزيد عن الستة أشهر.
أما إذا أعلن المجلس الأعلى عن نيته تمديد العمل بالقانون المذكور لمدة تتجاوز الستة أشهر فإن ذلك ربما يشكل مخالفة دستورية ولا يمكن الاعتداد هنا بأن المادة 59 من الإعلان تنص على وجود رئيس الجمهورية ومجلس الشعب ذلك لأنهما يمارسان عملهما بعد تصويت شعبي أعطاهما تفويضاً بإدارة البلاد ولا يستقيم اعتبار أن غياب من ينوب عن الشعب أو يفوض منه غياباً للشعب ذاته.
وإذا نظرنا للجزء الأخير من هذه المادة والذي ينص بعبارة واضحة على أنه "وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك" فإن ذلك يعني أنه ليس هناك حالة – حتى بفرض غياب الرئيس والبرلمان – يجوز فيها إعلان حالة الطوارئ لمدة أكبر من ستة أشهر إلا بموافقة الشعب المصري على ذلك في استفتاء حر.
تلك كانت مجرد ملاحظة عابرة تسلط الضوء من زاوية أخرى على تمديد العمل بقانون الطوارئ حتى يونيو 2012 أتمنى لو تصدى لها بالتفسير والتوضيح أحد فقهائنا الدستوريين.
المزيد من المقالاتسلفية كوبنهاجن وسلفية إسكندرية شعب مصر يثأر لشهدائه صراع الاسلاميين والعلمانيين في ليبيا هل كان سعد زغلول علمانياً ؟