العملية العسكرية الثلاثية التي وقعت في أم الرشراش المحتلة التي أسماها الكيان الصهيوني إيلات انطوت على أكثر من معنى، منها:
أن القتلى والجرحى معظمهم من العسكريين "الإسرائيليين"، وهذا أمر يكتسي أهمية خاصة داخل الكيان الصهيوني، وردة الفعل الرسمية على الأقل توحي بأن العدد كبير من القتلى والجرحى، وعادة ما تخفي أو تقلل تل أبيب أعداد خسائرها العسكريين بخلاف من يسمون بالمدنيين لأسباب تتعلق بالحالتين المعنويين للجيش الصهيوني والمهاجمين، علاوة على أن الأهم من ذلك أن من بين القتلى ـ بحسب مصادر فلسطينية ـ 5 ضباط منالوحدات الخاصة "الكومنادوز" التابعة لوحدة "اليمام"، الخاصة التي تعد من أشهرالوحدات الصهيونية المقاتلة بالجيش الصهيوني.
ومنها أن المدينة التي وقع فيها الهجوم لها طبيعة خاصة تختلف عن سائر المدن الفلسطينية المحتلة في العام 48؛ فهي مدينة في الحقيقة ليست فلسطينية بل مصرية، وقد تؤدي إلى تسخين الجبهة المصرية/الصهيونية سياسياً على الأقل، لاسيما في تلك المرحلة الدقيقة، وثمة أكثر من سيناريو قد يدفع المهاجمين إلى تنفيذ عمليات داخل العمق في المدينة المحتلة، وهو ذو صلة مع الجهة التي خرج منها الكوماندوز العربي، إما أنهم قادمون من غزة أو سيناء بالأساس، فقد يكون الهجوم عملاً منبتاً عما يحصل في سيناء من ملاحقة مجموعات عربية (فلسطينية ومصرية)، وله صلة بتكتيكات مجموعات مسلحة في غزة لها جذور سلفية، أوهو نوع من الهروب إلى الأمام بالعبور إلى أم الرشراش المحتلة، وخلط أوراق متعمد لتخفيف الضغط في الداخل السيناوي.
ومهما يكن؛ فإن المدينة قفزت بمسماها الأصلي إلى الواجهة (أم الرشراش) في كثير من الصفحات على الفيس بوك، والمواقع الإخبارية، وبدت آخذة في الصعود إلى بؤرة الاهتمام الشعبي المصري شيئاً فشيئاً مخترقة التعتيم الرسمي السابق لنظام مبارك على كونها جزءاً من التراب الوطني الذي يستأهل مجرد السؤال عنه في أدنى درجات الدبلوماسية، والإنعاش الإعلامي كأقل "الواجبات الوطنية".
وكمدينة مصرية محتلة سيتجدد الحديث عنها هذه المرة بعيداً عن المتاجرة الطائفية التي سعت إليها بعض الجهات المصرية المرتبطة أيديولوجياً بإيران.
كما أنها ستعطي القوات المسلحة المصرية مبرراً أقوى للتواجد على أرض سيناء وتعزيز قواتها المتواجدة الآن بهدف ملاحقة مسلحي سيناء والعريش تحديداً وفرض السيادة المصرية عليها والتي تكبلها اتفاقية كامب ديفيد.
غير أن هذه الإيجابيات الظاهرة تقابلها سلبيات كثيرة فجرتها تلك العمليات، منها أن مصر ليست بحاجة اليوم لما يفتح عليها ملفات هي في غنى عنها، لاسيما أن قسماً كبيراً من التيار السياسي القريب من الغرب سيسوق لفزاعة "الإمارة الإسلامية" في سيناء للتحذير من الخصوم السياسيين الإسلاميين في مصر، وسيعزز من مطالبات البعض بتأخير الانتخابات ريثما تهدأ الحالة الأمنية في مصر، وهنا قد يتفاقم الوضع أكثر بالنظر إلى ما قد يقال "إسرائيليا" عن "عجز مصر عن فرض سيادتها الأمنية على سيناء" و"نصائح" موقع ديبكا الصهيوني باستخدام سلاح الجو لملاحقة المسلحين في سيناء الذين لا يمكن استهدافهم إلا بهذه الطريقة، حيث يرى الموقع أن مهمة الجيش المصري سهلة في شمال سيناء بينما تبدو متعذرة في وسطها وجنوبها، حيث جبال "أصعب من وزيرستان".
وتكمن أبرز السلبيات في هذا الرد العنيف المتوقع والذي حصل بالفعل وحصد أرواح قادة من المقاومة الفلسطينية في لجان المقاومة الشعبية وذراعها العسكري، ألوية الناصر صلاح الدين، التي دفعت ثمن عمليات أم الرشراش من دون أن يركز الساسة الصهاينة أصلاً على مسؤوليتها عن العملية الثلاثية بالقرب من خليج العقبة.
وهذا الرد العنيف الذي ربما لا يقتصر فقط على ما حصل يفسره رغبة نتنياهو وحكومته في إيجاد مخرج ما يلفت أنظار الشباب الصهيوني بعيداً عن المطالب الاجتماعية، ويظهر مدى الحاجة لتكاتف "الإسرائيليين" لصد العدوان الخارجي كأولوية باعتبار أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مثلما كان يقول الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، هذا إضافة إلى أن حاجة "إسرائيل" للردع لا يحده ظرف اجتماعي ولا ينتظر ساعة مناسبة وإنما يرتبط بـ"الأمن القومي الصهيوني" بالأساس.
"إسرائيل" تحاول إثر تلك العمليات تصدير إخفاقها في صدها لمصر وحماس اللتين توجه إليهما اللوم بعدم استطاعتهما فرملة الجماعات الدينية المسلحة في مناطق نفوذهما، لكن من الخلل اعتبار الطرفين مسؤولان عن أمن "إسرائيل"، وأن جهودهما لفرض الأمن ينبغي أن تشمل الكيان الغاصب داخل حدوده الافتراضية!
لكن هذا لا ينفي أن كلا الطرفين سيجد نفسه مضطراً إلى الانخراط في المشكلة بشكل أو بآخر، لاسيما أن حماس التي حاولت استغلال حاجة حكومة نتنياهو لتقديم جائزة للشباب المحتجين في تل أبيب، تتمثل ـ ربما ـ في "تحرير" شاليط في الفوز بصفقة تبادلية متميزة للأسرى الفلسطينيين (يحاول الوصول إليها زعيم حماس خالد مشعل عبر زيارته لمصر، وهو واقع أصلاً في حرج مقابل يتمثل في صمت حماس على مجزرة تل الزعتر في سوريا في مقابل إدانة فتحاوية بينة)، قد تواجه باباً مغلقاً بعد تلك العملية، لاسيما أنها لن تستطيع كبح رغبة اللجان الشعبية في الثأر لقادتها، وقد كانت ستجد نفسها في حرج أكبر لو كان المهاجمون قد نجحوا في أسر جندي صهيوني وتهريبه إلى مصر عبر الأنفاق وهو ما لم يحصل بسبب نيران الجيش الصهيوني الكثيفة، وتوقعته مصادر صهيونية كهدف كان مرسوماً لتلك العمليات.
تشعبات سياسية وأمنية كثيرة تحوط بهذه العملية الثلاثية، وهي أربكت كثيراً حسابات الأطراف حول هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة التي تقترب من حدود أربع دول عربية إضافة إلى الكيان الصهيوني، وتفتح الباب على كل التوقعات والحسابات.
amirsaid@gawab.com المزيد من المقالاتاختبار على حدود فلسطين لننقل ميدان التحرير إلى سيناء غلطة الشاطر. أزمة المجتمع المدنى فى مصر أسماء محفوظ أخطر من العادلى هم المشكلة وليس الحل رمضان...وإسقاط النظام