أذهلني أن أرى مشاركة متواضعة لذوي الشهداء والمصابين في الاعتصام القائم بميدان التحرير منذ الجمعة الماضية (8 يوليو).. في الوقت الذي يبرر فيه المعتصمون استمرار اعتصامهم بالمطالبة بالقصاص للشهداء والمصابين!
ماذا يعني ذلك?
يعني أن هناك من يتصدر المشهد في الميدان، ويمتطي مطالب شعبية كثيرة.. دون أن يرجع إلى المعنيين بها.. وهم ليسوا فقط ذوي الشهداء والجرحى، ولكنهم الشعب المصري كله.
هناك نحو ألف شهيد وتسعة آلاف مصاب في الثورة.. فإذا قلنا إن هناك فردا واحدا سيمثل كل أسرة شهيد ومصاب في اعتصام الميدان.. باعتبار أنه يطالب بحقوقهم المادية والمعنوية.. فمعنى ذلك أن "التحرير" يجب أن يزدحم بنحو عشرة آلاف من ذوي الشهداء والجرحى.. بخلاف الثوار المعتصمين؟
لكن من يزور الميدان خلال أيام الاعتصام (بعد جمعة 8 يوليو) يلحظ أن من يمثل هؤلاء لا يُعدون على أصابع اليد الواحدة.. ناهيك عن أن العشرة آلاف عدد لم يبلغه إجمالي المعتصمين بالميدان في غالب أوقات الاعتصام.
وفي السياق نفسه، نظم الحقوقي اليساري أحمد سيف الإسلام حمد ندوة أول أمس الأربعاء في الميدان (في مكان اختاروه قريبا من المتحف المصري) تحت عنوان "تطهير جهاز الشرطة".. طبعا من قتلة الثوار.. واستعانوا فيها بشاشة لعرض "التويتات".
لكن معظم من تحدثوا أو شاركوا في الندوة لم يكن لهم علاقة من قريب أو بعيد بالشهداء، ولا بالدماء التي أريقت في الثورة.
ماذا يعني هذا أيضا؟
أمر ثالث: عندما فكر أسر الشهداء والمصابين في الاعتصام جعلوه بعيدا عن ميدان التحرير.. عند ماسبيرو.. حتى يتميزوا عن أصحاب المطالب الأخرى بالميدان، ولكي لا يستغل أحد قضيتهم.. كان ذلك أواخر شهر يونيو الماضي.
لكن تم جرجرتهم بفعل فاعل إلى الميدان، ومن ثم التحرش بمقر وزارة الداخلية يومي 28 و29 يونيو الماضي.
فيا أيها المعتصمون بالميدان: إذا أردتم أن تتحدثوا في قضية فلتتحدثوا باسم أنفسكم.. لأنكم لم تحصلوا من الشعب على توكيل، ولا تفويض للحديث باسمه، ولم تتخذوا الإجراءات القانوينة اللازمة لذلك.
وأتساءل أيضا: بأي حق تغلقون الميدان في جميع الاتجاهات أمام حركة المرور؟
إن صاحب القرار الوحيد في ذلك هو الشعب المصري الذي فعله حقا بتواجده المليوني خلال أيام وجمعات الثورة وما تلاها، وآخرها الجمعة (8 يوليو).
ثم بأي حق تغلقون مجمع التحرير، ثم تعيدون فتحه، وتسيئون للثورة عندما تعلقون لافتة تقول: "المجمع مفتوح بأمر الثورة".. فهل أصبحتم أنتم الثورة؟
وبأي حق تفكرون - مجرد التفكير- في تعطيل المترو، وإعلان العصيان المدني، وتطالبون برحيل المجلس العسكري، وتملون على رئيس الوزراء أسماء بعينها لتولي مقاليد الحكومة الجديدة، وتسمون 15 يوليو "جمعة الإنذار الأخير"؟!
فهل تأكدتم أيها المعتصمون من أنكم تتمتعون بالشرعية الشعبية التي هي أصل الشرعية الثورية والدستورية معا.. لكي تستندوا إليها فيما يصدر عنكم من اعتصامات وتصرفات أم أنها "ديكتاتورية الأقلية".. بعد الثورة؟
الواقع أن ثورة 25 يناير في أمس الحاجة إلى تطهير صفوفها من المتمسحين بقميصها، والمتاجرين بها.. وما أكثرهم في "ميدان التحرير" الآن.
المزيد من المقالاتاستقيلوا يرحمكم الله الثورة والاغتسال من الحدث الأكبر حكومة «اعتصام» شرف