قبل منتصف ليلة «الجمعة ــ السبت» بخمس دقائق فقط، وقف نحو عشرة شباب فى منتصف الشارع أمام الجامعة الأمريكية بميدان التحرير، كانوا يتناقشون بصوت عال بشأن سؤال: هل يغلقون ميدان التحرير أمام حركة المرور، أم يكتفون بالاعتصام المحدود داخل الحديقة التى تتوسط الميدان؟!
صوت النقاش علا وارتفع وصاحبه بعض الانفعال وكاد يصل إلى حد الاشتباك بالأيدى، فى المقابل، كان أصحاب السيارات القادمة من شارع قصر العينى «يسبون ويلعنون» لأن الشباب يعطل مرورهم.
أحد الشباب المنفعلين أقسم أنه سيغلق الميدان حتى الجمعة المقبل، وفى المقابل فإن شابا من ائتلاف آخر، حاول اقناعه بشتى الطرق أن ذلك سيضر بكل شباب الثورة، بل وبالثورة نفسها، وأن الأفضل الانتظار حتى الجمعة المقبل لاعطاء مهلة للحكومة كى تستجيب لمطالبهم.
تركت المكان والخناقة وقلبى منقبض من الأيام المقبلة.
هؤلاء الشباب الذين تواجدوا يوم الجمعة فى ميدان التحرير، لا أحد يستطيع التشكيك فى وطنيتهم وإخلاصهم وحماسهم، ورغبتهم العارمة فى تحويل الثورة إلى إنجازات ملموسة وسريعة على الأرض.
لكن ليس هكذا تتم الاعتصامات، وليس هكذا يتم اتخاذ قرار بإغلاق ميدان أو فتحه، بناء على نقاشات انفعالية بين مجموعة من الشباب لا ترى الصورة كاملة، ولا تعرف أن قراراتها قد تكون مصيرية فى تشكيل صورة الثورة وأنصارها.
وهنا يثور سؤال: من يملك الحق فى الدعوة لمظاهرة أو لاعتصام؟!
وهل يجوز لأى شخص أو ائتلاف أن يقرر من تلقاء نفسه الدعوة لمظاهرة قد تغلق ميدان، وهل يجوز أن يترك أمر تنظيم المظاهرة للصدفة والعشوائية واللحظات الاخيرة من الليل؟!.
المفترض أن الدعوة لمظاهرة سواء كانت مليونية أو حتى ألفية أو مئوية ينبغى أن يتم دراستها بهدوء وبعمق بجميع تفاصيلها.
هذه التفاصيل تعنى تحديد المطالب المرفوعة والاتفاق عليها ودراسة حجم المشاركة المتوقعة، ونوعية الشعارات، ومكان التظاهر وخط السير ومدة التظاهر، وهل سيتحول إلى اعتصام وكيف وإلى متى؟.
المفترض أيضا أنه عندما ندعو إلى تظاهر أو احتجاج أو اعتصام فإننا نهدف إلى تحقيق مطلب أو كسب تعاطف، لكن عندما يحدث العكس وتكون نتيجة هذا التظاهر هو كسب المزيد من كراهية الناس العاديين الذين يفترض اننا ندافع عنهم، فالمؤكد أن هناك شيئا خطأ يقترب من الخطيئة.
النقطة المفتاح بالنسبة لأى مظاهرة هى وجود توافق وطنى من كل القوى الرئيسية فى المجتمع على مطالبها أو على الأقل من القوى المشاركة فيها، ومن دون ذلك فإن ما يحدث قد يضر الثورة ولا يفيدها.
أن ندعو للقصاص للشهداء فهذا هدف نبيل وأن نتضامن مع أسرهم فذلك شعور وواجب إنسانى محترم ينبغى أن يستمر طوال الوقت، لكن الخروج بمظاهرات واعتصامات غير معد لها جيدا قد يسىء إلى هذا الهدف النبيل.. لانه عندما تدعو الى مليونية ولا تحشد اكثر من عشرة آلاف فإن الآخرين سوف يتعاملون معك باعتبار ان هذا هو حجمك الطبيعى.
إلى كل الداعين للتظاهر والاعتصام: الرجاء ادرسوا المسألة بعمق وبهدوء ولا تهددوا بسلاح لا تكونوا قادرين على استخدامه، فعندما تفعلوا ذلك لن يأخذكم الناس وخصوصا أول الامر على محمل الجد بل قد تتحولون إلى ما يشبه «جنرال المقاهى» الذى نراه كثيرا فى ميدان السيدة أو الحسين أو أى حى شعبى مرتديا «جاكيت» مهترئ مرصع بالأوسمة والنياشين «الفالصو» فوق «بنطالون البيجاما المخطط».
المزيد من المقالاتأهلاً بـ (التحرير) بقلم عمرو خفاجى قراءة سياسية في خطاب الرئيس السوري بقلم المحامي محمد أحمد بكور [
جمال سلطان يكتب.. هؤلاء الفوضويون خطر على الثورة وجوه ثلاثة للعلمانية بقلم م محمد إلهامي قناة 25 بقلم: كمال رمزي