أتابع عن كثب الدراسات التي يعدها مركز الدراسات الاقتصادية بالقاهرة، والتي يشرف عليها مديره الدكتور صلاح جودة، خاصة وأنها تركز دائما على معالجة السلبيات ووصف الحلول، وتسليط الضوء على الفساد الاقتصادي الذي يحتاج إلى متخصصين قادرين على متابعة «دهاليزه» وتحليل خطواته ورصد تحركات محترفيه.
كان للدكتور صلاح جودة وزميله د.سمير صبري، شرف التقدم بأول بلاغ ضد منير ثابت شقيق سوزان مبارك يتهمانه فيه بالاستيلاء على المال العام والثراء غير المشروع بما يزيد على ملياري جنيه وإضاعة اكثر من (341) مليون جنيه على الخزانة العامة.
أما أحدث دراسات المركز فكانت عن تقدير الارباح التي حققها جمال مبارك نجل الرئيس المخلوع خلال عشر سنوات من نشاط واحد فقط هو «تجارة ببيع ديون مصر» وهي كما يبدو من اسمها، تجارة سيئة السمعة، وقد تصنف في اطار «المحرّمة» اسلاميا، وبتبسيط واختصار شديدين ارجو ألا يخلا بجوهر المعنى، فان «تجارة الديون الدولية» عموما تقوم على أساس ان اغلب الدول النامية والفقيرة تقوم بالاستدانة من دول العالم الأول وطبعا تدفع فوائد باهظة ماليا أو سياسيا أو كليهما مقابل الديون التي تحصل عليها، وبعد سنوات تكون قد سددت خلالها غالبا أصل الدين، وفوقه الكثير، أو حققت ما طلب منها سياسيا ودفعت الثمن المطلوب، تقوم دول العالم الأول غالبا بالتفضل والتكرم والتعطف على هذه الدول «الغلبانة» وتسقط كل أو أغلب ما تبقى من ديون وفوائدها.
وقبل ان يحدث ذلك يأتي دور «صائدي الديون» الذين يُقدِّمون عرضا للدولة الدائنة بشراء ديونها على الدولة المدينة بما لا يزيد على %20 من قيمتها على أساس انها ديون شبه معدومة وعلى وشك الاسقاط، ثم يستخدمون علاقاتهم بالمسؤولين الفاسدين في الدول المدينة ليعيدوا بيع هذه الديون بما لا يقل عن %70 من قيمتها، وبالطبع الفارق يقتسمه «صائد الديون» والمسؤولون الفاسدون الذين وافقوا على اعادة الشراء على حساب خسائر خزائن بلادهم.
للأسف هذا ما تقول الدراسة أن جمال مبارك فعله ببلده بالتعاون مع بعض أصدقائه من رجال الأعمال، وأنا اعتقد انه اذا لم يكن ذلك الفعل «مُجَرَّما» قانونا، فهو على الاقل منبوذ اجتماعيا وحرام دينيا، ويدخل في دائرة استغلال النفوذ لا محالة.
وتؤكد الدراسة أن ارقام الديون الحكومية وفوائدها من المعلومات «السرية» الا ان حكومة د.عاطف صدقي قدمتها فور طلبها لجمال مبارك ومعاونيه، وبدأت العملية الاولى عام 1989 بشراء ديوان لاسبانيا والبرتغال على مصر، وتم شراؤها بسعر مرتفع بلغ %50 من قيمتها، لان مصر ليست دولة معدمة أو من جمهوريات الموز في امريكا اللاتينية!.. ثم العجيب انه تم اعادة بيع الديون للحكومة بـ%100 من قيمتها، نعم ودون أي خصم فمن كان يجرؤ أن يقول لا.. لابن الرئيس.. الموعود بالتوريث؟!
وتكررت القصة المربحة بشراء ديوان لإيران على مصر، ثم دول أخرى.. قبل أن نأتي للجريمة الكبرى التي ذكرتها الدراسة التي تتساوى مع الخيانة العظمى إن صحت.
بعد حرب تحرير الكويت، وتقديرا لدور مصر قررت الدول الدائنة اسقاط (19) مليار دولار من ديون مصر، ويقول د.صلاح جودة ان جمال مبارك وشركاه تدخلوا حتى تُسقط هذه الدول 7 مليارات دولار فقط، واشترى 12 مليارا بحوالي %15 فقط من قيمتها ليعيد بيعها مرة اخرى للحكومة المصرية ويربح في هذه الصفقة «القذرة» أكثر من ملياري دولار.
هذه القصة أسوقها للمدافعين عن مبارك وأبنائه، ومن يدعي ان جمال وعلاء – رجلا أعمال شريفان – كسبا أموالهما بـ«عرق جبينهما».. والأصح انهما كسباها بعرق «ديوننا»!!..
حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه.
حسام فتحيhossam@alwatan.com.kwtwitter@hossamfathy66
مقالات عامةالماسونية في عهد مبارك.. بقلم د محمد عمارة دكتور زويل .. عاشت الاسامى: بقلم أبوالعباس محمد د محمد عمارة: المادة الثانية من الدستور 2 سيرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم.. ممدوح اسماعيل وما يزال الأقباط مضطهدون! بقلم: م. محمد إلهامي محمود مراد.. النخبة المصرية تقود الثورة المضادة