دافعان أساسيان يحددان وجهة معظم الإعلام المصري الخاص هذه الأيام ، صحفا وفضائيات ، ويصنع خطابه الذي يبدو وكأنه يستعيد خطاب "الثورة المضادة" الذي حاول أن ينشطه نظام مبارك وهو ينهار ، الدافع الأول هو خط العداء للحالة الإسلامية بكل أطيافها ، وخاصة التيار السلفي الذي بدا مخيفا من الناحية السياسية عندما فاجأ الجميع بقدرته على الحشد التي تجلت في الاستفتاء على تعديلات الدستور مما فتح عليه أبواب الهجوم الهستيري المتواصل حتى اليوم .
والدافع الثاني هو محاولة اصطناع أجواء من الخوف والهلع والترويع لإظهار الدولة المصرية بأنها هشة وأوضاعها منفلتة والأمن فيها ضائع ، بما يبرر إلغاء المسار الديمقراطي الآن أو تأجيله على الأقل ، حتى لا تتشكل خريطة سياسية جديدة لا يكون لملوك ذلك الإعلام ومالكيه والمستفيدين من منظومته أي حضور فيها ، وبما يضمن على المستوى الاستراتيجي عرقلة مسار المحاكمات الساخنة لرموز الفساد وهي المحاكمات التي تصل الآن إلى رقاب كثير من ملاك هذه الصحف والفضائيات .
عندما تقع أي حادثة الآن لها بعد طائفي أو ديني أو ظل منهما لا يكون هناك من شغل للصحافة الخاصة أو القنوات الفضائية الخاصة إلا العمل على "تلبيس" الإسلاميين مسؤولية الحادثة ، على النحو الفج الذي حدث في واقعة امبابة ، إذ على الرغم من انعدام وجود أي شهود عدول على اتهام التيار السلفي بتفجير الواقعة إلا أن إجماع تلك المنظومة الإعلامية كان حاسما في تحميل التيار السلفي المسؤولية ، حتى بعد أن أعلنت سلطات التحقيق مسؤولية رجل أعمال قبطي عن تفجير الوضع رفضوا حتى ذكر اسم رجل الأعمال القبطي المرتبط بالحزب الوطني المنحل ، لم يكن هناك أي جهد إعلامي في تحليل الواقعة والبحث في أسبابها ومقدماتها وأشخاصها والمتورطين فيها فعليا ناهيك عن البحث عن مخرج وحل لهذا كله ، وإنما النشيد الوحيد هو الهجوم المتواصل على التيار السلفي ، بمعنى أن الأجندات الخاصة والحسابات الخاصة لهذه المنظومة الإعلامية كانت هي الحاضرة على حساب مصلحة الوطن والبحث في همومه بجدية وأمانة .
الدافع الثاني لتلك الصحف والقنوات هو إثارة الهلع في أوساط المصريين عن ضياع البلد ، وهو ما يذكرك بنفس الأسلوب والحواديت التي كان تليفزيون وصحف مبارك في النزع الأخير تطلقها عن اختطاف وقتل واغتصاب وشوارع منفلتة وصريخ نساء يستنجدن من هجوم البلطجية وقصص من هذه الشاكلة ، وهو ما يحدث في نسخته الجديدة الآن يوميا في عدد من الصحف اليومية الخاصة والقنوات الفضائية ، وذلك أن ملاك هذه الصحف والفضائيات إما أنهم في السجن الآن أو في طريقهم إلى السجن وهم قيد التحقيق ، ومنهم من ثبت أنه كان شريكا في الفساد والتخريب لصهر جمال مبارك ، الوريث السابق للسلطة ، ومنهم من هو مدين للبنوك الوطنية بأكثر من ثلاثة مليارات جنيه يعجز عن سداد حتى فوائدها ، ومنهم من دخل أبوه السجن الآن وتم تجميد أمواله وأموال أبيه وأشقائه تحت طائلة الفساد ، ومنهم من جامل حسن عبد الرحمن رئيس جهاز أمن الدولة المنحل بتعيين نجله عضوا بمجلس إدارة شركاته وما زال حتى الآن ، .. إلى آخره ، وهؤلاء جميعا من مصلحتهم هدم المعبد على من فيه ، ومحاولة إرباك الدولة وإرباك الوطن كله وقطع الطريق على المسار الديمقراطي وتهديد حركة التطهير التي تحدث الآن لرجال عصر مبارك من وزراء وسياسيين ورجال أعمال وغيرهم ، ولذلك أعتقد ـ باطمئنان كامل ـ أن هذه المنظومة الإعلامية الخاصة تمثل الآن الصف الثاني من طابور الثورة المضادة ، بعد أن دخل الصف الأول في معظمه السجن .
almesryoongamal@gmail.com المزيد من المقالاتزوجات بن لادن واستجوابهن .. بقلم عبد البارى عطوان عبد السلام البسيونى: أوبامة بن لادغ يقتل أسامة بن لادن القزم الأمريكي والعملاق "بن لادن" بقلم مختار نوح