في ظل التداعيات التي تشهدها الساحة السياسية في مصر الآن حيث يسعى النظام إلى حصر الثورة في مجموعة من الميادين على أن تسير الحياة من حولهم بشكل طبيعي ويذهب الناس إلى أعمالهم وتفتح المصالح الحكومية ويتعود الناس على وجود معتصمين هنا وهناك وليضربوا رؤوسهم في الحائط, خصوصا مع تركيز الغرب في الفترة الأخيرة على عدم التعرض للمعتصمين دون الإشارة إلى ضرورة تلبية مطالبهم, بدأ المحتجون يطورون من اعتصامهم ووسعوا من دائرته حيث حاصروا البرلمان ومبنى الحكومة ودعوا إلى ضم المزيد من الميادين لاعتصامهم, كما بدأت دعوات للإضراب والعصيان المدني, فقد شهدت البلاد عدة إضرابات واعتصامات عمالية في كفر الزيات وكفر الدوار وحلون والسويس, كما وجهت قوى المعارضة بمحافظة الغربية الدعوة إلى جميع الموظفين والعاملين بالهيئات الحكومية وقطاع الأعمال وعمال شركة غزل المحلة إلى عصيان مدنى, وأعلنت القوى الوطنية والشعبية والحركات الشبابية بمحافظة الدقهلية العصيان المدني مساء الخميس, كذلك دعت منظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية والديمقراطية، كافة المحامين المصريين للعصيان المدنى، لتحقيق كافة مطالب الشعب المصرى, وهذا التطور اللافت أصاب النظام بالهلع وخرج نائب الرئيس المصري عمر سليمان عن هدوئه لأول مرة وحذر من خطورة الدعوة للعصيان المدني, قائلا "هذه الدعوة خطيرة جدا على المجتمع، ونحن لا نتحمل ذلك على الإطلاق ولا نريد أن نتعامل مع المجتمع المصري بأدوات الشرطة، وإنما بالحوار والموضوعية", وهو تهديد صريح باستخدام القوة ضد المضربين وعدم التهاون كما هو الحال مع المعتصمين الذين يمكن تحجيمهم بشكل أو آخر كما حاول الجيش خلال اليومين الماضيين.
إن النظام المصري بدأ يستشعر تحول الموقف الغربي فبعد مطالبات بنقل فوري للسلطة بدأنا نستمع إلى تفهم لبقاء الرئيس حتى نهاية ولايته ومدح للخطوات التي اتخذها النظام لنقل السلطة, كما اتضح ارتياح الغرب للتعامل مع عمر سليمان بدعوى الخوف من مقدم محتمل لجماعة الإخوان والحقيقة أن سليمان محل ثقة منذ وقت بعيد كما أنه يؤمن للغرب تعامل مفتوح مع الكيان الصهيوني عكس الخيارات السياسية الأخرى المطروحة على الساحة والمعارضة للتطبيع مع "إسرائيل". لن يقف النظام مكتوف الأيدي إذا اتسعت دائرة الإضراب كما يقف الآن أمام المظاهرات الحاشدة التي تشهدها الميادين فالإضراب سيزيد من سخط الشعب ويكبد النظام خسائر كبيرة لن يستطيع تحملها لفترة طويلة وهناك احتمالان في التعامل مع الإضرابات الأول: أن يضرب بيد من حديد كما تعود دائما فإذا صمد المضربون ستقوم الدنيا ولن تقعد خصوصا إذا سقط ضحايا أما إذا تراجع المضربون وكانوا أقل شجاعة من المتظاهرين فقد يكتسب النظام قوة جديدة يستخدمها ضد المحتجين, أما الاحتمال الثاني فينصاع النظام لمطالب المضربين وهي مطالب أكثرها مادي حتى الآن فإذا لم تتطور لمطالب سياسية سيسهل تفريغها من محتواها؛ لذا ينيغي ربط هذه الإضرابات بحركة الاحتجاج التي تعم البلاد إذا أريد لها أن تصل إلى مطالبها. كان المحتجون يراهنون على الجيش لينحاز لهم مع استمرار حركتهم ولكن مع بقاء الجيش في صف النظام وولاء قياداته للرئيس وهو أمر متوقع, لذا كان ينبغي تطوير الحركة الاحتجاجية قبل أن يخفت تفاعل الجماهير معها فمليون أو أكثر في التحرير دون غطاء جماهيري لن يؤثروا في النظام, وإذا دارت عجلة الحياة اليومية سينسى المواطن البسيط الاهداف الحقيقية للثورة وبالتدريج تعود الأوضاع كما كانت؛ فهذا الامين العام الجديد للحزب الوطني الحاكم الذي ينظر له على أنه من الشخصيات "النزيهة" يؤكد عودة الحزب إلى الشارع قريبا ويمتدح حكومة أحمد نظيف. ثورة الشعب أمام منعطف تاريخي إما ستحصل على كل ما تريد أو ستفقد حتى الفتات الذي اكتسبته بدماء "الشهداء".
المسلم