أحمد الطيب..المسلم مُطالب بالدفاع عن المسجد والكنيسة
اعتبر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف أن مصر دولة إسلامية وأن الإسلام ليس فقط هوية دولة وإنما هوية مجتمع أيضاً، وتساءل بقوله إذا لم تكن مصر عربية إسلامية فماذا تكون؟!
وأقر الطيب، في حوار أجرته معه مجلة "المصور" المصرية، بوجود توتر طائفي ناجم عن وجود عدد من القيادات المسيحية منفصلة عن الواقع وعن الشارع المصري، فضلاً عن وجود قلة من وسائل الإعلام تبحث عن الأصوات التي تثير الصدام الطائفي.
وعن تهديدات تنظيم القاعدة بمهاجمة كنائس ومسيحيين في مصر، قال الطيب :"إن الكنيسة في حمى الأزهر، وإن المسلم مطالب بالدفاع عن بيوت العبادة ليس للمساجد فقط وإنما للكنائس أيضاً، مشيراً إلى أنه من ضرب الكنائس فكأنه ضرب المساجد أيضاً.
أما فيما يتعلق بزيارة الشيخ يوسف القرضاوي الأخيرة للأزهر قال الدكتور أحمد الطيب :"إنه يعتز كثيراً بالشيخ القرضاوي وثقافته"، معتبراً أن "القرضاوي في الشطر الثاني من دعوته أصبح يعبر عن منهج الأزهر الوسطي".
زيارة القرضاوي:
وأكد الطيب أن الشيخ يوسف القرضاوي أصبح في جزء كبير من ثقافته وتوجهه، لاسيما في الشطر الثاني من مشواره في الدعوة، يعبر عن منهج الأزهر الوسط، وهذا هو تأثير الأزهر عليه، فطبعًا إذا قلنا إن رسالة الأزهر هي جمع الشمل الفكري والعقدي والمذهبي للمسلمين فيما بينهم، فلا يمكن إغفال نشاط الشيخ القرضاوي في هذا، وقد جاء حينما علم أنني مرضت وذهبت إلى فرنسا، فجاء ليقول لي: حمدا لله على السلامة. مناهج الأزهر:
وأشار شيخ الأزهر إلى أنه لابد أن نعرف ما هو منهج الأزهر، منهج الأزهر يا سيدي ـ هو قائم على التعددية والحوار وأعتقد أنني ذكرت لك أنه حينما التحقت بالأزهر كان سني عشر سنوات وستة أشهر بالضبط، كان ذلك في سنة 1956، وكنا نسأل في أثناء إجراءات الالتحاق عن المذهب الذي سأتمذهب به؟ أنا مثلاً دونت في الاستمارة اختيار المذهب المالكي، وزميلي اختار المذهب الحنفي، والآخر المذهب الشافعي، هذا التنوع الفقهي كان يدرس من يوم السبت إلى الأربعاء في الحصة الأولى دائمًا، وهذا على مدار أربع سنوات ابتدائي، ثم خمس سنوات ثانوي، أي تسع سنوات وأن تدرس الفقه يوميًا، قال فلان وقال فلان وقال فلان، آراء ثلاثة متخالفة، لكن كلها صحيحة.
لم يلتفت أحد إلى التأثير السيكولوجي لهذا المنهج التعددي في نفسية وعقلية الطلاب، وكيف أنه يقضي أولاً على التخندق في رأي واحد: إما أن تكون معي أو تكون عدوي أو ضدي، هذا المنهج جعل من الطالب الأزهري طالباً يتسم بسعة الأفق والسماحة، وأهل العقلية الأزهرية منذ الأيام الأولى لقبول التعدد والاختلاف في الرأي.
ولهذا فإن الأزهري يستعصي على الوقوع في براثن الغلو والتطرف؛ لأن التطرف أو التشدد يقوم على أن مذهباً واحداً وكما يحدث الآن هو المذهب الصحيح والمذاهب الباقية كلها خطأ وضلال، وإذن فالمنهج الأزهري بطبيعته وتراثه هو الضامن الحقيقي للتعددية والعقلية المتسامحة، فهل هذا المنهج عفي عليه الزمن "كما تقول، إنه على العكس هو المنهج المطلوب، وهو الذي يجب أن نعود إليه وإلى تراثه، وتعدده، ولكن لا نقتصر على التراث، بل ندرس إلى جواره العلوم العصرية، وهذا هو ما حاولناه منذ أن جئنا إلى الجامعة؛ لأنه ـ ومن أسف ـ قد حيل بين الطلاب وبين التعامل مع هذا المنهج، ولكي تفهم نصوص التراث.
الأقباط ودخول الأزهر
وأكد الطيب أن الأقباط محرومون من دخول الأزهر، لأن الطالب الذي يدخل جامعة الأزهر لابد أن يكون متخرجًا في الثانوية الأزهرية، يعني: لا بد أن يكون قد قرأ ابن عقيل في النحو، وشرح الصغير في الفقه المالكي مثلاً، وشرح الخريدة والجوهرة في العقيدة، والمتون القديمة، وهذه المتون تتكفل بشرح العقائد الإسلامية، والرد على ما يخالفها من عقائد أخرى، فعندما يدخل القبطي ويحفظ القرآن الكريم ويدرس العلوم الإسلامية، فواحدة من اثنتين: إما أن يتشكك في عيدته، وهذا ليس مطلوبا ولا مستهدفاً في التعليم الأزهري، وإما أنه سيحتفظ بعقيدته وتصبح الدراسة بالنسبة له صراعاً فكرياً مؤلماً ، وهذا لا يتفق مع حرية الاعتقاد.
فالإسلام لا يعترف بفرض العقائد، ولعلمك، نحن لا يوجد عندنا تبشير بالمعنى المصطلح عليه الآن، نعم.. لدينا سهم المؤلفة قلوبهم، وألغاه سيدنا عمر حينما أعز الله الإسلام، لكننا لا نؤمن بالتبشير هو شراء للعقائد والضمائر وتضليل للعقول والأذهان، والإسلام لا يعترف بهذا، إنما يعترف بالاعتقاد الجازم المطابق للواقع الناشئ عن دليل كما يقول علماؤنا، فابننا هذا إما أن يحتفظ بعقيدته وحينئذ لا بد أن يعارض ويرفض ما يتلقاه، وهذا من حقه، وحينئذ ستكون الدراسة بالنسبة له صراعا وعدوانا، وإما أن تهون عليه عقيدته، وهذا سيؤدي إلى فتنة في المجتمع، ربما كان هذا هو المقصود عند بعض الأصوات التي تنادي بدخول الأقباط جامعة الأزهر.
كم من مرة أكدنا في كثير من المؤتمرات العالمية أن الأزهر يؤمن بأن الحوار في العقائد صراع، وينادي بالحوار بين المؤمنين بالقواسم المشتركة التي تجمعهم، وما أكثر بين الأديان الثلاثة، والتي هي ميراث وحدة لمصدر الإلهي، وتعالى ننزل للواقع ونرى، لماذا ينظر القبطي والمسلم كل منهما للآخر بتوجس وخيفة، ولماذا لا نلتقي ونوحد الجهود لتخفيف هذا الاحتقان الذي لا يوجد له مبرر واحد لا في الإسلام ولا في المسيحية، وهذا ما دعانا إلى تكوين لجنة قد نسميها "لجنة العائلة المصرية" أو "بيت العائلة المصرية" تتكون من مجموعة من وجهاء الأقباط ممن لهم ثقل ثقافي واجتماعي وسياسي، ومجموعة من علماء الأزهر وقادة الفكر من المسلمين.
التوتر المسيحي الإسلامي
وأرجع شيخ الأزهر أسباب التوتر الموجود بين المسلمين والمسيحيين لعدة أسباب، الأول: أن كثيراً من القيادات المسيحية التي تتحدث في هذا الشأن منفصلة عن الواقع وعن الشارع، وعن نجوع الصعيد، وعن تقاليد وعادات الناس التي تحكم تصرفاتهم في الحادثة التي تحصل. والثاني: هناك قلة تحث في الجرائد والصحف وبرامج القنوات عن الأصوات اتي تفسر هذه الحوادث على أنها صدام ديني طائفي بين المسلمين والأقباط، ثم تنطلق بعد ذلك لتغذي الدعايات السلبية الضارة بالوطن والمواطنين، والحقيقة أن واقع الأمور أقل من هذا بكثير جدا، وأكثر هذه الحوادث اجتماعية مائة في المائة، وليست حوادث طائفية أو دينية، وأؤكد لكم أن الجرائم التي يتواجه فيها المسلم والقبطي هي جرائم شرف، أو ثأر، أو قطع طريق، أو قتل... إلخ، وهي ـ كما قلت ـ جرائم اجتماعية وليست دينية وأن جريمة من هذا النوع لو وقعت بين المسلمين أنفسهم في الصعيد فسوف تسيل فيها الدماء دون ريب.
ولا داعي لأن أذكرك بالسبب المضحك الذي قتل فيه عشرون من عائلتين كبيرتين كلهم مسلمون، وحيثما وجدت جريمة شرف أو قتل فانتظر الثأر الدامي بغض النظر عن دين الطرفين، وإن كنت لا أنكر أن يكون الثأر أقصى دموية حين يكون أحد الطرفين مسلماً والآخر مسيحياً، وما أريد أن أقوله باختصار: هو أن المشاكل التي حدثت في الصعيد من منطلق اجتماعي بحت، لكنها من أسف سرعان ما لبست عباءة طائفية عن قصد عند قوم، وعن غير قصد عند آخرين.
المذاهب المتشددة:
وأكد الطيب أنه لا يخاف ممن يدعون التشدد، ويرفض التشدد استناداً إلى حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق" وحديثه صلى الله عليه وسلم :"لن يشاد الدين أحد إلا غلبه"، وحديثه صلى الله عليه وسلم :"إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى"، فكل إنسان مهما بلغ حظه من العلم يستطيع أن يتشدد، ولكن التيسير يحتاج إلى فقيه متمكن عالم بمقاصد الشريعة، وأنا يؤسفني أن يصرف شبابنا جل همهم إلى مسائل جزئية مثل النقاب وشكل اللحية وهيئة الثوب وغير ذلك ولا يعرفون تاريخ المسجد الأقصى، ولا يدرسون قضية فلسطين ولا يعرفون أحوال المسلمين في مختلف أنحاء العالم ولا يسارعون إلى طلب العلم ولا يعملون على إشاعة روح الإخاء والعدالة في المجتمع.
المد الشيعي:
وعن سؤاله عن الخطورة التي يمثلها المد الشيعي في المنطقة، أوضح شيخ الأزهر أن الخطورة الحقيقية من التدخل الأجنبي ودليلي ما يحدث في العراق، وأمريكا التي احتلت العراق وسيطرت عليه، ثم تركته والناي يضرب بعضهم رقا بعض على المذهب وعلى الدين، وعلى الطائفة، وهو ما لم يحدث من قبل، وما لا يحقق مصلحة لأحد لا من الشيعة ولا من السنة. وأشار إلي أن الإخوان المسلمين لهم نشاط حركي ونشاط سياسي، والأزهر مؤسسة علمية بحتة، فأنا غير مهتم بالحركات السياسية، وليس مطلوباً مني أن أتخذ مواقف سياسية، أو أدافع عن سياسة جماعة أو حركة، أنا رجل مهتم بالتعليم والعلم والإسلام، كفكر وثقافة وحضارة، ومن يخرج عن هذا الخط أتصدى له بالعلم والحوار.
مصر دولة إسلامية:
وشدد الطيب على أن مصر طبعاً دولة إسلامية .. هل هي غير ذلك؟ وإذا لم تكن مصر إسلامية فماذا تسميها؟ ويجب أن تفرق بين الدولة الإسلامية المدنية وبين الدولة الدينية الثيوقراطية التي لا يعرفها تاريخ الإسلام والمسلمين. يعني البعض يتكلم ويقول دولة مدنية، أي دولة علمانية بالمعنى الغربي، لماذا دائماً بين هذا النص وذاك يحدث أذى لبعض القطاعات الموجودة في المجتمع المصري؟ .