قضت النيابة العامة التونسية قبل أيام بفتح تحقيق قضائي، بشأن بَثِّ قناة "نسمة تي في" التونسية الخاصة فيلم كرتون إيراني جَسَّد الذات الإلهية بأحد مشاهده؛ الأمر الذي أدى إلى جلبة من الاحتجاجات والمظاهرات في تونس.
وأتت الدعوة إلى فتح تحقيق قضائي بعد أن رفع ما يزيد على 100 محام، ومجموعة من المواطنين شكوى للقضاء التونسي (النيابة العامة)، اتهموا فيها قناة "نسمة تي في" بالإساءة إلى الذات الإلهية عبر تجسيدها.
وتسبب بث فيلم Persepolis أو "بلاد فارس" -الذي دُبلج إلى اللهجة التونسية- في اندلاع أعمال شغب وعنف في العاصمة تونس وضواحيها، وردود فعل غاضبة في الشارع التونسي؛ حيث تظاهر نحو 300 محتج أمام مبنى القناة للتعبير عن رفضهم.
على أنَّ عضواً في حركة النهضة الإسلامية في تونس قال إنه يعارض الإساءة لمشاعر الناس ودينهم، لكن هذا لا يمنع الحزب من معارضة العنف بشكل قاطع أياً كان مصدره، مُنبِّهاً على أن الاحتجاج يجب أن يكون بطرق سلمية.
ويروي الفيلم وهو سيرة ذاتية بعنوان "بلاد فارس" للمؤلفة والمخرجة الإيرانية مارجان ساترابي، قصة فتاة إيرانية من أسرة متحررة تعيش أجواء الإطاحة بنظام الشاه السابق محمد رضا بهلوي، التي قامت بها الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الخوميني عام 1979، وشعورها بالقمع في ظل الحكم الإسلامي، وما تلاه من خيبة أمل قبل أن يرسلها والداها إلى النمسا؛ خوفاً عليها من الأجهزة الأمنية لتكمل دراستها هناك.
من جانبه، اعتذر المدير العام لقناة "نسمة تي في" نبيل القروي مؤخراً عن تمرير مشهد تجسيد الذات الإلهية في الفيلم الكرتوني الفرنسي- الايراني "بلاد فارس"، مؤكداً أنها "غلطة لن تتكرر".
وشدد القروي على أنه لم يقصد الإساءة للمسلمين ببرمجة عرضه يوم الجمعة بالذات، وإنما لأن هذا اليوم صادف موعد بث البرنامج الأسبوعي الحواري للقناة -على حد قوله-.
وكان القروي قد وصف ما تعرضت له القناة، قبل اعتذاره عن عرض مشهد تجسيد الذات الإلهية بأنه "نوع جديد من الدكتاتورية في حق حرية الإعلام!!"، زاعماً أن الذين تظاهروا أمام القناة هم "عصابات!! ومتخلفون!! ولا يحترمون حرية التعبير!!".
وأضاف القروي: "نحن معتادون على التهديدات، ولكن الأمر الخطير هو أنهم نفذوا تهديداتهم هذه المرة".
واعتبر القروي قناة "نسمة تي في" قناة الحداثة للمنطقة المغاربية، مضيفاً: "لن ندعهم يُرهبوننا -يقصد المتظاهرين- وسنواصل بث الأفلام كما نريد".
وكان القروي قد زعم أنَّ نحو 300 شخص هاجموا القناة وحاولوا إحراقها، وأنه تلقى تهديدات بالقتل بعد بث فيلم "بلاد فارس" مساء الجمعة الماضي، إلا أنَّ الناطق الرسمي للخارجية التونسية قد كَذَّب كلام مدير عام القناة جملة وتفصيلاً، مؤكداً أنه لم يُسجَّل أي حادث من هذا النوع.
واعتُبرت تصريحات القروي استعطافاً خالصاً للغرب؛ وهو الأمر الذي جعل المتتبعين للشأن الإعلامي في الجزائر والمغرب، يصفون سلوك القروي بمجرد "شطحات" غرضه جلب الانتباه، في ظل خطر المنافسة الذي أصبح يهدد القناة، وخاصة بعد ظهور قناة "بور تي في" لمالكها الجزائري رضا محيقني، التي انطلق بثها مع بداية شهر رمضان الفارط، وإعلان الحكومة الجزائرية لقرار فتح المجال السمعي البصري بعد احتكاره لخمسين سنة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الاحتجاجات تطورت إلى اشتباكات بين الشرطة والمواطنين الغاضبين، الداعين إلى معاقبة القناة وإيقاف فيلمها عن العرض.
إلى ذلك، اعتبر ناشطون تونسيون على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، فضلاً عن مراقبين أن بث الفيلم في الوقت الذي تستعد فيه تونس لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي -المزمع إجراؤها في 23 تشرين الأول الجاري- يرمي إلى: إذكاء التفرقة، واستفزاز مشاعر التونسيين، وتخويفهم من الحركات الإسلامية التونسية، واستفزاز التيارات الإسلامية التونسية، وإثارة النعرات الدينية والطائفية؛ بتعمد استفزازها للمشاعر.
وطالب الناشطون عبر "فيس بوك" بإدانة القناة وتحريك دعوى قضائية ضدها؛ لإهانتها مشاعر التونسيين تحت مسمى الحريات، مشددين على أن حرية التعبير مكفولة في تونس لاسيما بعد الثورة، لكن ليس على حساب التعدي على المقدسات الدينية.
الكاتبة نادية الزاير رأت في معرض تعليقها على الفيلم أنه يقدم الجمهورية الإيرانية كنموذج للتيارات الإسلامية، بعيداً كلياً عن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ونَوَّهت الزاير بأن رسالة فيلم "بلاد فارس" واضحة ومباشرة؛ إذ تستهدف ضرب الصورة التي ارتسمت للإسلاميين لدى الرأي العام التونسي، وذلك من خلال التطرق إلى: مسألة الحجاب، وتصوير الرجل الملتزم في صورة المتزمت، بل المغتصب.
واستطردت: "جاء هذا صراحةً في جملة باللهجة التونسية العامية، في مشهد لرجل متدين أوقف امرأة محجبة في الشارع، لم يُعجبه حجابها؛ ليُؤنبها ويُهينها ويُخبرها بلغة تونسية فجة أنها من نوع النساء اللاتي لا يصلحن إلا للاغتصاب ثم الرمي!! وهذه صورة نمطية مُشوَّهة في منتهى الخطورة".
حقيقٌ أنْ يُعْلم أنَّ قناة نسمة (Nessma tv) هي قناة فضائية ترفيهية فنية إيطالية تونسية، أُنشئت في تونس عام 2007 على يد الأخوين التونسيين غازي القروي ونبيل القروي، وهي موجهة لجمهور المغرب العربي، ومقراتها الرئيسة موجودة في باريس وتونس العاصمة، وهي ملك لشركة الإعلانات قروي وقروي.
وكانت قناة (Nessma tv) قد أثارت جدلاً واسعاً قبل سنوات؛ جراء عرضها المسلسل الإيراني "يوسف الصديق"، ما دفع مجموعة المحامين إلى تسجيل دعوى قضائية ضد القناة، إلا أنَّ الدعوى خسرت واستمر المسلسل حتى يومنا هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مواد متعلقة
فيديو: الفيلم الإيرانى "بلاد فارس" الذى يجسد الذات الإلهية وأثار غضب المسلمين فى تونس