أول دروس أو عبر فاجعة ماسبيرو أن نتوقف عن التعامل مع المسيحيين فى مصر باعتبارهم الأقلية، ونحاول أن نكف عن ترديد المقولات المحنطة عن عنصرى الأمة المصرية، لأن الاستسلام لها يأخذنا حتما إلى آتون العنصرية والشوفينية.
ومادمنا نتحدث عن مواطنة فهذا يعنى مباشرة مساواة وعدالة أمام قانون لا يعرف خانة الديانة أو اللون أو العرق، لا فضل لمصرى على مصرى إلا بصدق الانتماء والرغبة فى النهوض بهذا البلد، ومن باب التكرار أن أرضية ميادين التحرير لم تسأل عن الفرق بين حبة عرق الثائر المسلم وتلك التى تخص أخاه فى الوطن، ولم تعرف الفرق بين قطرة الدم المسلمة وتلك المسيحية.
إن العلاقة بين المسلم والمسيحى فى مصر تشبه العلاقة بين الهيدروجين والأوكسجين فى تركيبة الماء، صحيح أن عدد ذرات الهيدروجين فى التركيبة يكون ضعف عدد ذرات الأوكسجين، لكن هذا لا يعنى على الإطلاق أفضلية أو أسبقية للعدد الأكبر على العدد الأقل، فأهمية الأوكسجين لا تقل عن أهمية الهيدروجين، وأى افتئات على أحدهما يعنى أن التركيبة كلها تواجه خطر الفساد والعدم.
كذلك هى مصر، لا يمكن تصور وجودها بدون هذه الكيمياء العبقرية بين المسلم والمسيحى، وأى محاولة للعبث بها يعنى أننا مهددون بالفناء، وأى حديث عن تقليل نسبة مكون الأوكسجين لصالح الهيدروجين يحمل خطر انفجار التفاعل بكامله.
لقد قيل الكثير عن العناق المسيحى المسلم فى تاريخ ثورات المصريين، وأحدثها ثورة 25 يناير، والتقط عديدون لقطة المسيحية التى تصب الماء للمسلم كى يتوضأ فى الميدان، أو المسيحى الذى يحمى المسلم حتى يؤدى صلاته، دلالة على وحدة الروح والمصير، ورغم سعادتى بهذه الصورة البديعة فإننى كنت أتمنى أن ننظر إلى باقى تفاصيلها ونلتقط اللحظة التالية لمسلم يخلى مكانا لأخيه المسيحى ويحميه كى يؤدى صلاته، لأن البعض ربما سول له جهله المتغطرس أن العلاقة يجب ألا تخرج عن هذه اللقطة، المسيحى يصب والمسلم يتوضأ، والصورة على هذا النحو تبدو منزوعة من سياق العلاقة الطبيعية الفطرية بين مكونى العنصر الواحد فى الأمة المصرية، فكلاهما يعبد الله وإن اختلفت دروب العبادة.
ولعل اصطفاف الجميع فى جنازتى شهيدى أحداث ماسبيرو مينا دانيال وأحمد عادل ما يؤكد هذه الحقيقة التاريخية العلمية الساطعة التى تلخصها هذه المعادلة البسيطة: ذرتان مسلمتان + ذرة مسيحية = مصر، أو حسب معادلة الماء (H2S) أى ذرتا هلال وذرة صليب، دون أن يكون لأيهما أفضلية أو أسبقية على الآخر.
وبهذا المعادلة فقط يمكن أن تحافظ مصر على بقائها، وتنتزع حقها فى حياة أفضل وأرقى وترد ببلاغتها المعهودة على أولئك يدهسون روحها بمدرعات الطائفية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات وائل قنديل
فلول المنحل وفلول المعارضة (إيد واحدة) الرجوع إلى نصف الحق ليس نصف فضيلة ثغرة أكتوبر وثغرة يناير جنرال ماسبيرو الجديد