بعض ما يصدر عن الدكتور عصام شرف رئيس حكومة "تصريف الأعمال" هذه الأيام من قرارات مصيرية وخطط استراتيجية وبرامج ضخمة تحتاج إلى سنوات لا يتناسق أبدا مع إدراكه أنه رئيس وزارة "تصريف أعمال" أو معرفته بأنه رئيس حكومة "انتقالية" في أحسن الفروض ، وأن حكومته من المفترض أن عمرها لا يتجاوز شهرين أو ثلاثة عقب إتمام الانتخابات وتشكيل الأحزاب والقوى السياسية الممثلة في البرلمان لأول حكومة وطنية بتفويض شعبي ، بل أزعم أني وجدت أن عصام شرف يزيد من جرعة تلك القرارات الاستراتيجية والمشروعات الكبرى كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية ، .. مجرد ملاحظة .
تكرر خلال الأسبوعين الماضيين الإعلان عن مشروعات استراتيجية ومستقبلية يتم تنفيذها خلال عدة سنوات في قناة السويس أو في توشكى أو الوادي الجديد أو غير ذلك ، يفترض أنها منوطة بالحكومة الوطنية المقبلة ، ولا يعقل أن تصدر مثل هذه القرارات من قبل حكومة انتقالية أو مؤقتة أو لتسيير الأعمال ، أو لحكومة يدرك كل من فيها أن عمرها لن يتجاوز شهرين أو ثلاثة ، فهل يا ترى يفعل ذلك عصام شرف بشيء من الغفلة أو السذاجة أو العفوية أو الغيبوبة السياسية ، أم أن الرجل يعرف جيدا ما يقصد ، أو أن الرجل يدرك من خلال الحاسة السابعة أو العاشرة بأن حكومته ستمتد وتتمدد لعدة سنوات ، وهو ما يعني بالتبعية أن لديه معلومات ـ لا نعرفها ـ بأن المشروع الديمقراطي في مصر لن يكتب له النفاذ ، وليس مطروحا بشكل جدي على أجندة أصحاب القرار الآن .
أيضا لاحظت ، وأرجو أن يكون مجرد ظن خاطئ ، أن عصام شرف تجاوز هذه الأيام مرحلة التودد إلى الثورة ونشطائها وقواها السياسية ، تلك الثورة التي حرص بلطافة على أن يحصل على "تفويضها" من ميدان التحرير عندما تولى منصب رئيس الوزراء المؤقت ، ولم يكن يمضي يوم أو على الأكثر أسبوع دون أن يكون له حوار أو خطاب أو مقابلات مع أبناء الثورة ونشطائها أو أحزابها وتياراتها السياسية ، الآن لم يعد شيء من ذلك يحدث إلا نادرا ، وبدا كأن عصام شرف "رحرح" في كرسيه ، ولم يعد يعبأ بالثورة ولا يقلقه نشاطها ووهجها ، والأمر نفسه يمكن أن نلاحظه مع وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي ، الذي كان لا يترك يوما واحدا دون أن يظهر على الشاشات أو الصحف أو في لقاءات مباشرة لكي يوضح ويبرر بعض القرارات ، أو يشرح بعض الأحداث وأسبابها ، أو يطمئن الناس على الحالة الأمنية ، الآن اختفى العيسوي ، ولم يعد يعبأ بالرأي العام ، وبدأ يصدر بعض مساعديه أو ضباطا أقل أهمية للتخاطب مع الرأي العام ومع الإعلام ، وأحيانا تنسب التصريحات إلى مصادر أمنية مجهولة .
قناعتي التي أؤمن بها إيمانا يقينيا ، أن مصر خلال الشهرين المقبلين ستكون على مفترق طرق ، إما بناء دولة مؤسسات ديمقراطية حديثة ، تنطلق إلى إعادة بناء الدولة والنهوض بها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا وعلميا ، ولو ببعض القصور الذي يمكن إدراكه مع تراكم الخبرة واستمرار التطهير المؤسسي ، وإما أنها ستكون على أبواب ثورة شعبية جديدة ، وهي ثورة ـ إن وقعت ـ لن تعرف هذه المرة أنصاف الحلول أو أرباعها أو حتى أعشارها ، وسوف يدفع كثيرون ثمنا باهظا ، وباهظا جدا ، لحساباتهم الخاطئة والمستهترة بقدرة هذا الشعب على الغضب .
almesryoongamal@gmail.comالمزيد من المقالاترق مسكوت عليه اغتصاب فلسطين وأسطورة عودة المسيح هذا الانفلات السلوكي ... إلى متى؟