انتهي يوم أخر من أيام العمل في رمضان، تأخرت اليوم في العمل حتي قبل الافطار بوقت قصير، وغادرت المكتب، تعودت علي مشهد مائدة الرحمن أسفل البناية التي يقع بها مكتبي، ولكنني اليوم توقفت كثيراً... كانت المائدة بها أسرة كاملة، أب وأم وثلاثة اطفال... الأطفال في منتهي السعادة يجلسون علي الكراسي، يضحكون ويلاعبون بعضهم... يختلسون النظر الي الركن الذي يحتوي الأطعمة في انتظار توزيعها قبل الآذان بوقت قصير، الأب والأم يتبادلون الأحاديث والضحك، الكل سعيد... يا ألله، ما أحلي طعم السعادة النابعة من القلب...فقراء ويجلسون علي مائدة الرحمن، لكنهم سعداء، أي باب فتحتم للسعادة؟ وأي مخزون للرضا استخرجتم منه بضاعتكم الجميلة زاهية الألوان؟
اشفقت عليهم وأثر في منظرهم للوهلة الأولي، الأب الغير قادر والأم الصابرة علي فقر زوجها، والأطفال الذين اعتادوا الحرمان ويسعدون بهذا الطعام الرائع من وجهة نظرهم والذي لايتوفر لهم في بيتهم، اكثر من تعاطفت معه هو الأب، يقتلني قهر الرجل! لايوجد أصعب من قهر الرجال، عندما لاتستطيع تلبية مطالب أطفالك البسيطة واحلامهم الصغيرة تشعر بإحساس لايعلمه الا الله، لم أجربه ولكني احسه واكاد اراه في عينه وعين غيره، اما الأطفال فانا لا أستطيع النظر في عيونهم البريئة، أتعاطف مع البنات اكثر، كتلة من الحساسية والمشاعر تحملها البنت، ولدت بها، لا أتحمل نظرة الحرمان، لا أتحمل سخرية الأطفال منها، لا أتحمل ملابسها الممزقة... ولكن...
كانوا سعداء، عندما يفتح باب الرضا تهدأ النفس ويحدث الصلح وتغلق كل أبواب التعاسة والشقاء والسخط، يرتاح الجسد وينام القلب وتستوي كل الأمور، وتجد السعادة في أبسط الأمور وأصغرها، فسحة بسيطة، إبتسامة بريئة، ملابس بسيطة جديدة، طعام في مائدة الرحمن، نوم هانئ بلا هموم، قلب خالي من الحقد والحسد والكره، انتم أسرة جميلة فانعموا بالهدوء والسعادة...
عدت الي منزلي أفكر، متي سيفتح باب الرضا لدينا ومتي سنرضي بما قسمه الله لنا، بل متي سنعيش الحياة؟ صراع دائم... بحث بشراسة عن الأفضل، قتال يومي في الحياة، لا أحد يمنعك ان تتقدم وأن تتحسن وأن تبحث عن الأفضل، لكن ارجوك: عش يومك الحالي وارضي به واسعد بمن حولك وأسعدهم، لاتنسي ان تعيش اليوم فهو لن يعود أبداً، وايضاً لاتتصارع ولاتظلم ولاتحقد، إنجح كما تشاء ولكن بهدوء ورحمة وإنسانية، الحياة لا تستحق وايامها قصيرة جداً وعمرنا يمر ولاشئ يوقفه...
تعلمت منكم اليوم الدرس، وتمسكت بحلمي القديم، ان أعيش في سعادة ورضا وأن أحب وأرحم، وأن لاأظلم ولا أحسد ولا أحقد، وان أبحث عن السعادة في الأشياء البسيطة وبالقرب من البسطاء، فيارب امنحني بصيرة أفهم بها هذه الحياة، وامنحني بعد البصيرة عزيمة لكي افعل الصواب وأحسن الإختيار، وامنحني بعد العزيمة رضي وصبر كي اصطلح مع نفسي وأكون انا كما أردتني وكما أحب...
وسام الشاذلي
استشاري نظم، محاضر بكلية التعليم المستمر بالجامعة الأمريكية
مقالات من نفس الباب
رمضان .. طريق الآخرةيا من يريد المغفرة.. هذا رمضان !حال المسلم في رمضان