هل شهر رمضان الكريم على مصر الحبيبة وهى مازالت فى ثورتها تجدد ذاتها وتبحث عن هوية النظام الذى ترتضيه الأمة فى الأيام المقبلة وكما هو معلوم أسس الخلاف لا تخرج عن ثلاث: الاختلاف فى المصطلح فلا يدرى أطراف الحوار فيما يختلفون وعما يتكلمون أو الاستدلال العقيم وقد حبى الله تعالى هذه الأمة بعقول شهد لها الغريب قبل القريب أو سوء الطوية والنية وهذا متروك لله تعالى لا يستطيع كائن من كان الحكم على نوايا العباد وقد رأيت أن أتكلم فى هذه الخاطرة الرمضانية عن مفهوم الدولة الإسلامية المعاصرة.
فالدولة حسب التعريفات المعاصرة هي" أفراد يقيمون إقامة دائمة على إقليم محدد ويخضعون لسلطة سياسية محددة" وعليه فأركان الدولة ثلاثة:
• المواطنون أو الشعب.
• الأرض أو الإقليم.
• السيادة أو السلطة التي تحكم الشعب وتمثله (أى الحكومة).
وهذه السلطة تنقسم إلى سلطات ثلاث يجب الفصل بينها لضمان أداء الدولة ولضمان الحريات والحفاظ عليها وهى:
• السلطة التشريعية التى تضع النظم والقوانين.
• السلطة القضائية التى تحسم المنازعات وفقاً للقوانين المسنونة من قبل السلطة التشريعية.
• السلطة التنفيذية التى تنفذ الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية.
والفصل بين السلطات الثلاث يحصل من خلال الضوابط التي تحكم كل سلطة وهذا ما كان يتم في العهود الإسلامية فالحاكم كان يقف بين يدى القاضى شأنه شأن أى مواطن ولا يتدخل فى عمل الفقيه أوالمشرع.
والحكومات المعاصرة تتراوح مابين الدكتاتورية والديمقراطية والثيوقراطية (الإلهية أو مايسمى الآن بالدولة الدينية) وكلها بالمصطلح الغربى الدقيق لا يصلح لأمة مسلمة فالدكتاتورية افتئات على حق الشعوب فى العيش حرة ومصادرة لحقها المشروع فى تقرير مصيرها والدولة الدينية لا وجود لها أصلا فى شرعنا لأنها مبنية على الكهنوت والتكلم باسم الرب سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا أما الديموقراطية فمعظم المسلمين الآن يدركون أنها الأقرب لمبدأ الشورى فى الإسلام وإن كانت تحتاج لتعديل مبدأ حكم الشعب للشعب تحت مظلة الشرع وأن مصدر التشريع هو الإسلام وإن اختلفت اجتهاداتنا فى فهمه وتطبيقه ففى الإسلام متسع للاجتهاد البشرى وإعمال العقل فى فهم النصوص لجلب المصلحة للأمة ومن ثم فلا يختلف معنا عاقل فى الأخذ بآليات الديمقراطية التى فاقنا الغرب فيها من استحداث للمجالس النيابية وطرق اختيار ممثلى الأمة إلخ.
وهناك أمر آخر يتعلق بالدولة ألا وهو منظموتها القيمية والمجتمعية وقد أدرك الغرب هذا الأمر فشجع هيئات المجتمع المدنى التى تقوم بإرشاد الأمة وهذه الهيئات لاتبغى الربح المادى وتقوم فى نفس الوقت بمراقبة أجهزة الدولة المختلفة لضمان عدم خروجها عن قيم الأمة وثوابتها والصحافة الحرة يمكن اعتبارها جزءا من هذه الهيئات المدنية.
ولى كلمة هنا بخصوص مجتمعاتنا الإسلامية فعلى الرغم من سقوط نظمنا الحكومية ووقوعنا تحت الحكم الدكتاتورى العضوض لقرون كانت مجتمعاتنا دائما متماسكة فى قيمها ومنظومتها المجتمعية لخصيصة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتراحم بين أفراد الأمة ولذا يمكننا القول بأن هيئات المجتمع المدنى ماهى إلا صورة مطورة لمبدأى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, والتكافل الاجتماعى.
وأخير لى بعض الملاحظات فى هذا السياق بخصوص بعض الدول التاريخية فى الإسلام :
1) معظم هذه الدول كانت دكتاتورية مستبدة بعيدة عن أمال الأمة وهمومها ناهيك عن البعد الإنسانى والعدل الألهى فنسمع مثلا فى كتب التاريخ عن كرم الخليفة وعطائه الباذخ من بيت مال المسلمين لشاعر قرضه قصيدة مدح كاذب أو فتك هارون الرشيد بالبرامكة دون محاكمة عندما انقلبوا عليه أو قتل الخليفة العثمانى سليم الأول لكل أخوته بحد السيف ليلة بيعته على الخلافة.
2) لم يوجد على مدار تاريخ هذه الدول مؤسسات شرعية تراقب الحاكم وتضبط أداءه فنحن لا نريد أمثلة خارجة عن المألوف لا يقاس عليها لحكامنا بل نريد حاكما يشبع معنا إذا شبعنا وتلبس أولاده الجديد إذا لبسنا ومازاد عن ذلك فهو أمر شخصى يرجع لطبيعة الحاكم ولكن الشعب يراقب هذا الحاكم ويضمن سيرته ولا يعتمد على ورعه أو مراقبته لذاته.
3) العدل الاجتماعى مطلب أساسى لكل الشعوب فى الشرق والغرب وسامحونى إذا قلت بناء على خبرتى وحياتى فى الغرب لعقود إذا قلت إن مبدأ العدل مترسخ فى الغرب أكثر من عند كثير من المسلمين الآن ولكنه عدل منقوص لأنه عدل جغرافى يطبق على المواطن ولا يطبق على علاقات الدولة بالأمم الأخرى.
وعله فأقول إن هذه الملحوظة الأخيرة ألا وهى مبدأ العدل المطلق فى الدولة الإسلامية سواء بين مواطنيها على اختلاف مللهم أو بينها وبين باقى الدول إرساء لمبدأ وحدة الإله ووحدة الجنس البشرى ووحدة الدائرة الإنسانية هذا هو ماتتيه به حقا الدولة المسلمة على سائر النظم على وجه الكرة الأرضية فهل نحن فعلا على مستوى إرساء أسس مثل هذه الدولة المسلمة الديمقراطية الإنسانية العادلة؟
المزيد من المقالاترمضان.. الثورة والتغيير! الإسلام والمدنية الثورة عندما يركبها شعبان عبدالرحيم التوافق بديلاً عن التنابذ العبث بشخصية الميدان «خط أحمر»