يقول الكاتب البريطاني الشهير جورج اورويل ان اقصر الطرق لانهاء الحرب هو خسارتها ولذلك فان اعلان الرئيس الامريكي باراك اوباما سحب 33 الف جندي من قواته في افغانستان في غضون عام هو اعتراف صريح بالهزيمة، ومحاولة يائسة لتقليص الخسائر.
الرئيس اوباما الذي اعتبر انجاز المهمة في افغانستان هو قمة اولويات ادارته، وحدد ثلاثة اهداف لهذه المهمة في خطابه الذي اعلن فيه زيادة القوات الامريكية في افغانستان ثلاثين الف جندي، الاول: بناء الامة والدولة الافغانية وتنصيب رئيس كفء في قمتها، وتعزيزها بمؤسسات منتخبة وتدريب قوات امن على اسس حديثة. الثاني: محاربة تنظيم القاعدة. الثالث: وقف تقدم حركة طلبان عسكريا على الارض.
معظم هذه الاهداف لم يتم تحقيقها. فالدولة الافغانية موجودة فقط في ربع مدينة كابول العاصمة، والقوات الامنية التي جرى انفاق ما يقرب من ستة مليارات دولار على تدريبها لا تستطيع توفير الحماية لرئيس البلاد حامد كرزاي الذي يوكل هذه المهمة لقوات المارينز الامريكية، تسعون في المئة من عناصرها مساطيل من ادمان المخدرات، اما حركة طالبان فتواصل تقدمها وتوسع رقعة نفوذها، بحيث صارت تسيطر على اكثر من ثلثي الاراضي الافغانية حاليا.
اما الحرب على تنظيم 'القاعدة' فقد كانت في المكان الخطأ اذا وضعنا في اعتبارنا انها ركن اساسي من اركان الحرب على الارهاب، فوجود 'القاعدة' في افغانستان كان محدودا في السنوات الاخيرة، ومعظم مقاتليها انتقلوا الى فروعها الاخرى في اليمن والصومال والمغرب الاسلامي والعراق، لان حركة طالبان لم تعد بحاجة الى خدماتهم اولا ولان مطاردة القوات الامريكية لهم من خلال الطائرات بدون طيار في منطقة وزيرستان الحدودية، باتت تعطي نتائج عكسية لانها تقتل مدنيين معظمهم من الاطفال، الامر الذي دفع كرزاي الى التهديد بالاستقالة فورا اذا واصلت هذه الطائرات قتلها للابرياء.
الرئيس اوباما اتخذ قرار سحب القوات الامريكية من افغانستان على وجه السرعة لاسباب داخلية وليس لانـــه انجــز المهمة في افغانستان، فهذه الحرب الى جانب نظيرتها في العراق كلفت امريكا اكثر من تريليون دولار حتى الآن ككلفة اجمالية، وبمعدل سبعة مليارات دولار شــهريا في افغانستان وحدها، والرأي العام الامريكي بات يعارضها، ويمكن ان تتحول الى قضية محورية في انتخابات الرئاسة التي تبدأ حملاتها رسميا في الخريف المقبل.
اغتيال الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم 'القاعدة' قبل شهرين في مخبئه في بلدة ابوت اباد الباكستانية، والغموض الذي احاط به، استخدم كذريعة لاعلان الانسحاب من قبل ادارة اوباما، رغم الروايات العديدة التي تقول انه قد يكون اغتيل قبل اعوام، او انه جرى اعتقاله حيا وما زال يخضع للتحقيق، فقليلون يصدقون الرواية الامريكية حول اغتياله ومن ثم القاء جثمانه في بحر العرب. واحد المصورين البريطانيين الذي زار منزل بن لادن قال انه لم يشهد اي علامة على اطلاق نار او حدوث معارك داخل المنزل، ويرجح ان الرواية مفبركة، والا لماذا لم نسمع او نقرأ اي رواية اخرى محايدة او مستقلة.
ادارة الرئيس اوباما اعترفت انها انخرطت في مفاوضات مع حركة طالبان بهدف 'اشراكها' في الحكم في مرحلة ما بعد الانسحاب، وكشف وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ عن اتصالات بريطانية مماثلة في هذا الاطار. ولكن الهدف الحقيقي ليس اشراك طالبان في الحكم، وانما تأمين انسحاب آمن لقوات حلف الناتو ومن ثم تسليمها الحكم.
' ' '
الحرب في افغانستان التي استمرت عشر سنوات وبهدف حلق لحى الرجال الافغان، وتحرير المرأة، واقامة دولة ديمقراطية حديثة، ستنتهي بتسليم البلاد مجددا الى حركة طالبان التي جاءت القوات الامريكية للاطاحة بها، وازالة حكمها من الوجود. فما الذي حدث بالضبط حتى تغير الادارة الامريكية رأيها وترفع الراية البيضاء استسلاما بهذه الطريقة المهينة والمذلة؟
انها المقاومة، وعدم التسليم بالحلول الوسط، والاصرار على النصر مهما كلف الامر من تضحيات، فحركة طالبان اعادت تجميع صفوفها، وحشد اكبر عدد ممكن من الافغان في حربها لاخراج الاستعمار الغربي من اراضيها، والتفت حول قيادة متواضعة لا تظهر على شاشات التلفزة، وتبتعد كليا عن الاضواء، وتعيش على الخبز الجاف والشاي وبعض الارز مع خضار محلية مطبوخة بصلصة الطماطم.
عملاء قوات الناتو في افغانستان الذين صدقوا الروايات الامريكية حول الديمقراطية والرخاء وتحويل كابول الى سان فرانسيسكو بدأوا يبحثون عن مستقبل لهم في المنافي الغربية، اما مساطيل قوات الشرطة والجيش فاختار بعضهم ان يهرول للانضمام الى قوات طالبـــان والقتـــال في صفوفها في مواجهة 'اعمامهم' الغربيين الذين دربوهم وسلحوهم.
لا نعرف ما الذي سيكون عليه مصير حامد كرزاي، وان كنا سنتكهن بانه سيعود الى الولايات المتحدة وطنه الثاني، وحامل جنسيته للاستمتاع بتقاعد مريح مدعوم بثروة مالية لا بأس بها، فأيامه في افغانستان باتت معدودة بالاضافة الى كونها محفوفة بالمخاطر.
' ' '
هذا الانتصار الافغاني الطالباني هو درس للعرب، درس لعرب الناتو الذين يراهن بعضهم على تدخل حلف الناتو لانقاذ ربيعهم، ودعم طموحاتهم الديمقراطية المشروعة (نحن مع الثورة وضد الاستعانة بالتدخل الاجنبي ومثلنا الاعلى الثورتان التونسية والمصرية)، مثلما هو درس للقيادة الفلسطينية وكل الذين يعارضون الكفاح المسلح، بل والعصيان المدني لتأمين استمرار الرواتب والحفاظ على بطاقات 'في.آي.بي'.
حركة طالبان، ونحن لسنا من المعجبين بايديولوجيتها او تطرفها الديني، قاتلت حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة ومشاركة قوات اكثر من ثلاثين دولة لمدة عشر سنوات دون كلل او ملل، ولم يقل قائدها الملا عمر انه يقاوم الدولة الاعظم في التاريخ ولذلك من الصعب هزيمتها والانتصار عليها بالتالي ولا بد من البحث عن حلول سلمية، بل قال انه سيقاتل حتى خروج آخر جندي اجنبي من ارضه.
مقالات عامةيا معشر الإسلاميين: اليقظة وحدها لا تكفي! بقلم م محمد إلهامى شهداء الناتو.. لا بواكي عليهم عبد الباري عطوان يا ابنتي هذا «عمهم» جمال.. بقلم حسام فتحي الماسونية في عهد مبارك.. بقلم د محمد عمارة