قولا واحدا: على الدكتور أحمد شفيق، رئيس الوزراء المُستقال، أن يقدم الآن، الآن وليس غدا، بلاغا إلى النائب العام يتهم فيه كلا من وزير داخليته اللواء محمود وجدى ورئيسى مباحث أمن الدولة السابق والحالى حسن عبدالرحمن وهشام أبوغيدة وجميع نواب وقادة ورؤساء أفرع الجهاز بتضليله والكذب عليه وجعله ينقل معلومات كاذبة إلى الشعب المصرى تفيد بعدم وجود معتقلين سياسيين وتجميد عمل الجهاز، وأعتقد أن الدكتور شفيق إذا لم يفعل ذلك فورا فإن من حق الشعب المصرى أن يتهمه باتهامين لا ثالث لهما: إما أنه تواطأ مع جهاز أمن الدولة لا سمح الله، أو أنه قصر فى أداء واجبه الذى أقسم عليه وهو يحلف يمينه الدستورية، أنا شخصيا أظن أنه ليس متواطئا، بل أظن أنه تراخى فى تنفيذ تعهده بإعادة الأمن إلى الشارع المصرى، وسر ذلك التراخى يكمن كالعادة فى موهبة الاختيار الخاطئ التى ورثها عن رفيق دربه حسنى مبارك.
منذ أن جاء اللواء محمود وجدى إلى مقعد وزير الداخلية والكثيرون يرددون كلاما غير مشجع عن تاريخه المهنى فى الداخلية ويُسمعوننا كلاما غريبا عن سر تعيينه فى هذا المنصب الخطير، أنا شخصيا لم أصدق أن شفيق يمكن أن يعينه فى هذا المنصب الخطير فقط لأنه يرتبط بعلاقة صداقة معه، فحتى لو كان شفيق مجاملا، فلن يجامل أحدا على حساب سمعته وتاريخه وفى وقت ما يعلم بيه إلا ربنا، بل إننى ظننت أن الأمر ليس وراءه سوى اختيار خاطئ من حسنى مبارك لأن أسرته ترتبط بعلاقة صداقة مع أسرة وجدى، أو لأنه قرر بفعل خياله المعدوم أن يختار للوزارة رجلا ارتبط بعلاقة عداء مع حبيب العادلى لكى يثبت أنه قام بتغيير، فى نفس الوقت الذى تستمر فيه الداخلية فى أداء ملفاتها القذرة بنفس الكفاءة، لكننى بعد خلع مبارك إلى شرم الشيخ، فوجئت بأن شفيق احتفظ بوجدى ضمن تشكيلته الوزارية، لتعود علامات الاستفهام حولهما من جديد، قبل أن تتضاعف فى ذلك اليوم الذى قرر فيه وجدى أن يفتح فمه أمام المذيع «المجانى» خيرى رمضان، فيغلق قلوب المصريين فى وجهه بالضبة والمفتاح، ويثبت لنا أنه ما أسخم من عادلى إلا وجدى، فهو بعد كل ما قيل من شهادات مصورة وموثقة حول قيام بعض ضباط الداخلية بقنص المتظاهرين وإطلاق الرصاص عليهم فى رؤوسهم وسويداء قلوبهم أخذ يتحدث أيضا عن العناصر الأجنبية المندسة التى زعم أنه رآها، دون أن يتقدم ببلاغ رسمى بما رآه إلى النائب العام.
بعدها تزايدت علامات الاستفهام فى التنامى مع مرور الأيام واستمرار الحالة الأمنية فى التدهور وتوالى البلاغات عن عدم نزول ضباط الشرطة إلى الشوارع لأداء واجبهم، أقسم بالله أن ضابطا كبيرا فى إدارة المرور فى محافظة ساحلية قال لى إنه ذهب مع عدد من كبار الضباط إلى مدير الأمن ليطلبوا منه أن يتركوا أعمالهم المكتبية وينزلوا إلى الشارع لكى يعيدوا الثقة إلى الناس فى الشرطة، لكنه قال لهم: خليكوا شوية لسه ماجتليش أوامر، لا أدرى إذا كان ذلك اجتهادا من مدير الأمن هذا أم أنه كان توجها عاما فى جميع المديريات، أترك الإجابة لك حسب رؤيتك لتواجد الأمن فى الشارع.
ولكى لا نغرق فى تفاصيل الفراغ الأمنى الرهيب وبعد كل ما حدث من تطورات مذهلة أدت إلى محاصرة واقتحام مقار أمن الدولة بدءا من يوم الخميس الماضى، دعنى أقول إن علامات الاستفهام ستظل تتنامى وتتوغل وتتوحش لتطال الدكتور شفيق نفسه، ما لم يسارع بإبراء ساحته وتقديم بلاغ إلى النائب العام فيمن خدعه، خصوصا أنه لا يصح أن يستمر فى رفع شعار «ماليش فيها يا علاء».
الذى قاله للدكتور علاء الأسوانى فى برنامج الرحيل عندما سأله عن رأيه فى التعذيب الذى يمارس فى مقار أمن الدولة بحق المسجونين السياسيين. أتمنى أن يدخل شفيق إلى اليوتيوب ويشاهد بنفسه المواطنين المصريين الشجعان من إسكندرية إلى قنا وهم يخرجون مواطنين من داخل سجون سرية بعضها تحت الأرض تم احتجازهم دون أى سند قانونى، وأتمنى أن يدخل إلى ذات الموقع كل الذين أيدوا شفيق وعارضوا الثوار لأنهم طالبوا بإسقاط حكومته واعتبروها جزءا من نظام مبارك، ولست أطلب من هؤلاء اعتذارا على ما وجهوه من شتائم واتهامات بحق كل الذين عارضوا شفيق، أنا فقط أريدهم أن يعرفوا أن معارضتنا لشفيق لم تكن لأننا نكرهه شخصيا، فلعلهم لو استمعوا إلى العديد من مداخلات شباب ائتلاف الثورة لسمعوا تقديرهم للرجل كوزير طيران، لكننا كنا نعارضه لأنه كان جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك، بدليل أن هذا الجهاز القمعى اللعين المدعو زورا (مباحث أمن الدولة)، ظل يشعر فى ظل حكومة شفيق بالأمان التام الذى جعله يحتفظ بكل مستندات الفساد والتخريب التى مارسها بحق البلاد والعباد، ولم يبدأ فى التخلص من هذه المستندات إلا بعد ساعات من رحيله عن منصبه والإعلان عن تعيين الدكتور عصام شرف الذى أظن أنه رئيس الوزراء الأول فى تاريخ مصر البوليسية الذى يأتى إلى هذا المنصب دون رضا جهاز أمن الدولة.
لقد بدأت على الفور عمليات التخلص من الوثائق وإبعادها عن المقار بعد الإعلان عن تعيين الدكتور عصام شرف رئيسا للوزراء، تحسبا لاستجابته المتوقعة لمطالب الثوار بفتح ملفات هذا الجهاز والتعاطى معه بأى وسيلة ناجعة تنهى قمعه وتضمن السيطرة على نشاطه التخريبى إلى الأبد سواء كانت الحل أو إعادة الهيكلة أو الإشراف القضائى الكامل، فضلا عن فتح ملفات ضباطه وثرواتهم ومحاكمتهم بعد إثبات تورطهم فى التعذيب والتزوير والتخريب وإثارة الفتن، بالطبع كانت الخطة تقضى بأن تذهب كل وثائق الجهاز إلى مقار سرية غير معلومة مثل السجون غير المعلومة التى لم تتكشف كل أماكنها حتى الآن، لولا أن الله ساق لمصر ناشطا سكندريا «جدع» اسمه حسن مصطفى رأى فى مساء الخميس سيارات نقل تقوم بتحميل الوثائق من مقر أمن الدولة الرهيب فى شارع الفراعنة فى الإسكندرية (هل اسم الشارع مصادفة أم بجاحة؟)، وتم إبلاغ النشطاء السياسيين فى الإسكندرية على الفور ليبدأ احتشادهم لمحاصرة الجهاز. وفى اليوم التالى وعقب صلاة الجمعة كان آلاف الإسكندرانية الجدعان رجالا ونساء يحاصرون مقر أمن الدولة من جميع المداخل ويستنجدون بالجيش لكى يسيطر على المبنى ويحمى الوثائق التى بدأ إحراقها داخل المقر، وعندما حاولوا اقتحامه ليلا لإنقاذ الوثائق من الحرق بدأ الضباط المتمركزون بالداخل فى إطلاق الرصاص الحى الذى أصاب عددا من الشباب منهم حسن مصطفى نفسه وعبدالله ابن الفنان الكبير عصمت داوستاشى بل وأصاب عددا من أفراد الجيش الذى نفد صبره وقام باقتحام المقر واعتقال عدد من الضباط، بينما قام المواطنون باقتحام المبنى لوضع أياديهم على الوثائق لتسليمها إلى النيابة، ففوجئوا بفرم كميات مهولة منها، أتاريها كان يتم فرمها بنشاط وهمة فى نفس الوقت الذى يتم فيه ضرب المواطنين فى الخارج بالرصاص وقنابل المولوتوف (الفيديوهات موجودة على موقع اليوتيوب لمن أراد).
وعندما وصلت الأخبار على الفيس بوك والتويتر إلى الثوار فى أنحاء مصر، بدأوا يسألون بعضهم ما العمل، وكيف يمكن أن نتصرف، خاصة أن بعض الثوار كانوا قد حاولوا التظاهر بعد صلاة الجمعة أمام مقر أمن الدولة فى الدقى، لكن الجيش منعهم من الوصول إليه. ومع مرور الوقت وتوالى الأخبار عن حرق الوثائق داخل مقار أمن الدولة وتصاعد الدخان منها، توقع الجميع أن يتدخل الجيش للسيطرة على مقار أمن الدولة، وهو ما لم يحدث للأسف، وسيظل ذلك لغزا ننتظر تفسيره، ونرجو أن يكون وراءه عدم الرغبة فى تعقيد الموقف، خصوصا بعد أن ظهرت وثائق تفيد بتجسس الجهاز على القوات المسلحة ذات نفسها، ونشر ذلك موقع «المصريون» منذ أيام. على أى حال فإن موقف الجيش يساهم الآن فى تكذيب ما قاله بعض ببغاوات أمن الدولة عن وجود خطة منظمة بالتنسيق مع عناصر أجنبية لاقتحام مقار أمن الدولة، وهو ما ترد عليه شهادات كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، شهادة المذيع اللامع شريف عامر فى برنامجه (الحياة اليوم) الذى حكى أنه مر فى التاسعة من صباح السبت إلى جوار مقر أمن الدولة الرئيسى فى مدينة 6 أكتوبر الذى يقع بالقرب من سكنه فرأى عمود دخان ضخما يتصاعد فى السماء، ولم ير أحدا وقتها بجوار المبنى، مما يثبت أن حرق المستندات بدأ بداخل المقار، لكن استمرار تصاعد الدخان لفت انتباه بعض الثوار الذين أبلغوا بعضهم، فبدأوا يتنادون إلى حصار مقار أمن الدولة فى أنحاء الجمهورية من شبين الكوم وصولا إلى قنا، وكان فى ذلك الحصار الباسل شجاعة نادرة كتبت فصلا مجيدا من فصول الثورة، اضطر الناس إلى كتابته بأنفسهم، ثم ها هم كالعادة يتلقون اللوم عليه، بدلا من أن يتلقوا الشكر والعرفان لأنهم ضحوا بأرواحهم من أجل تحطيم معاقل الدولة البوليسية القمعية. لقد ذهب هؤلاء الثوار إلى مقار أمن الدولة وتعرضوا للضرب بالرصاص والمولوتوف لكى يفتدوا كرامة كل مواطن مصرى لكى لا يعيش عبدا يتعرض لانتهاك حرمة بيته وحياته الشخصية كما يحلو لضباط أمن الدولة، ومع ذلك فإن الكثير من المواطنين المصريين لم يكفوا الثوار سهام ألسنتهم، فاستمروا فى شتيمتهم ولعنهم وتصويرهم على أنهم حرموا البلاد من حلم جميل اسمه أحمد شفيق، ولعلهم الآن يدركون أنه لم يكن سوى استمرار لكابوس حسنى مبارك المرير، تماما مثلما شتموا الثوار من قبل واتهموهم بقلة الأدب فى حق مبارك وعدم الرضا بما منحه لهم من وعود إصلاحية، ثم أدركوا، كما أتمنى، أنه كان يفعل ذلك فقط لكى يغطى على نهبه لأموال المصريين.
فى اليومين الماضيين استمعت إلى مداخلات عديدة مثيرة للقرف لأنها تزعم أن ما حدث فى مقار أمن الدولة وراءه خطة منظمة لزعزعة الاستقرار والبعد عن الشرعية القانونية، وكنت أتمنى على السادة المتنطعين الذين يحلو لهم أن يرتدوا ثياب الحكمة فقط فى مواجهة الثوار أن يتذكروا أنه منذ أن تم اقتحام مقر أمن الدولة فى البحيرة فى يوم جمعة الغضب 28 يناير والحصول على وثائق خطيرة منه، وبعد أن نزل الجيش إلى شوارع مصر، لم يتعرض أى مقر من مقار أمن الدولة لأى محاولة اقتحام، ولو كانت هناك أصابع منظمة أجنبية أو محلية لسجلتها الجهات المسؤولة، على العكس فإن الواقع الذى تكشفه الوثائق التى تم التحفظ عليها قبل تسليمها للنيابة العامة يقول إن العمل فى مقار أمن الدولة ظل يسير على قدم وساق وبأمان كامل حتى آخر يوم فى حياة حكومة شفيق، بل إن آخر الوثائق يكشف عن وجود خطة تقول إنه سيتم تغيير اسم الجهاز وإعادة هيكلته، بينما يبقى الجهاز على ما هو عليه، أى أن هذا الجهاز ظل حتى آخر لحظة يقوم بأعماله القذرة بغطاء سياسى من حكومة شفيق ووزارة وجدى، وكنت أتمنى على هؤلاء السادة بدلا من أن يطالبوا بمحاكمة الذين اقتحموا مقار أمن الدولة مضطرين، أن يطالبوا بمحاكمة جميع ضباط أمن الدولة الذين شاركوا فى فرم وحرق هذه الوثائق فى مخالفة صريحة لنص القانون الذى يجرم على أى موظف عام إتلاف أى وثيقة رسمية تخص عمله، فضلا عن محاكمتهم على ما ستكشفه الوثائق نفسها من جرائم بشعة فى حق إنسانية المصريين وخصوصيتهم وكرامتهم.
كنت أتمنى أن يتسع المقام للإشارة إلى الكم المهول من الوثائق التى تسربت من داخل مقار أمن الدولة، ولا أعنى هنا وثائق النميمة التى انشغل الناس بها عما هو أخطر وألعن، أو ربما كان مقصودا شغلهم عما هو أخطر وألعن، بل أتحدث عن وثائق تبدو صغيرة وهامشية لكن ما بها يندى له جبين الحر ويجعل كل من تورط عاطفيا مع نظام مبارك وشفيق يخجل من نفسه ويتمنى لو قبل يد كل ثائر عمل على إسقاط هذا النظام القمعى اللعين، أرجو أن تدخل إلى الإنترنت لتستمع إلى مداخلتين هاتفيتين قمت بهما مع برنامج العاشرة مساء وقناة «أون تى فى» وقد قام الشباب مشكورين برفعهما على مواقع عديدة لن تغلب فى العثور عليهما، وفيهما ستجد عرضا موجزا لبعض الوثائق التى وصلتنى، أغلبها تم أخذه من مقر أمن الدولة فى البحيرة، هنا أبشركم بأنه مازالت فرق من الشباب تقوم بعمل مسح ضوئى لآلاف الوثائق التى تم أخذها من مقار أمن الدولة لوضعها تحت تصرف الرأى العام فى مواقع إنترنت متعددة، مع العلم بأنه تم تسليم أصولها للنيابة العامة، هذا بينما يقوم الشباب بالاستعانة بمسؤولى موقع ويكيليكس للبحث عن طرق علمية لإعادة تكوين الوثائق المفرومة للتوصل إلى ما فيها من معلومات خطيرة ستكشف «بلاوى» عن العهد المنيل بستين نيلة الذى كنا نموت منه وبعضنا يموت فى بلوفرات رموزه.
ختاما: عن نفسى لم أترك شخصا دخل إلى أى من مقار أمن الدولة إلا وسألته بلهفة: هل وجد ملفى ضمن دواليب ملفات الكتاب والإعلاميين الذين يصفهم أمن الدولة بالإثاريين أو المناهضين؟، فأنا متأكد أن أحدا لن يجده أبدا فى دولاب المتعاونين، أحسب نفسى كذلك ولا أزكيها على الله. لكننى حتى الآن لم أعثر على إجابة شافية، وعلى عكس صديقى الناشط السياسى وائل خليل الذى كتب على (تويتر) أن شكله سيكون محرجا وسط زملائه لو اتضح إنه ماكانش متراقب أساسا، فإننى أتمنى ألا يعثر أحد على الملفات التى راقبتنى، لكن لو حدث لا قدر الله فإننى أناشد كل من يعثر على ملفى أن يقرأه جيدا ويركز على قراءة تفريغات المكالمات التليفونية الخاصة بى، فإذا وجد فيها نصوص المكالمات التى أتحدث فيها مع أصدقائى ونقوم بالنميمة على أصدقائنا الآخرين لنقول آراءنا الحقيقية فى أعمالهم الفنية والأدبية وفى ثقل دمهم وسماجة ظلهم، فإننى أتوسل إليه أن يقوم بإعدام تلك التفريغات فورا وله الأجر والثواب، لأن الصحة لم تعد تحتمل خسارة المزيد من الأصدقاء، والعمر لم يعد فيه الوقت الكافى لكسب أصدقاء جدد.
عاش أحرار مصر، وتحيا مصر.belalfadl@hotmail.com