كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالدعوة السلفية لا تحب أن تتصدر المشهد لا السياسي ولا الدعوي؛ وإنما نشارك من باب: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2).
ومن منطلق شعورنا بالمسئولية تجاه الحفاظ على هوية الأمة، والدفاع عن الجزء المعبر عنه فيها من خلال المادة الثانية من الدستور الحالي، ولأننا شعرنا بوجود تحركات مريبة من بعض الناقمين على الأمة والرافضين لهويتها؛ فقد بادرت الدعوة وقبل تنحي الرئيس السابق وبعدما بدت رائحة أن هناك مَن يعد العدة للقفز على الثورة.
تلك الثورة التي خرج فيها شباب يمثلون شعب مصر، معظمهم من الشباب المسلم الواعي الذي خرج ضيقًا رغم تحفظ "الأزهر" وتحفظ "الدعوة السلفية" على الخروج، وهو الموقف الذي يأتي توضيحه في ثنايا هذا المقال.
ولكن هؤلاء الشباب استجابوا لآراء شيوخ أزاهرة آخرون منهم المتحدث باسم الأزهر الأستاذ "الطهطاوي"، واستجابة لآراء دعاة سلفيين آخرين، بالإضافة إلى تواجد "الإخوان" بكامل طاقاتهم منذ تحولت المظاهرات إلى ثورة.
ووُجد مع هؤلاء بعض شباب النصارى، وهم مِن جملة النصارى العقلاء الذين يدركون أن مصلحتهم في الاندماج في المجتمع، وأن السياسيين يتلاعبون بهم؛ بينما متى وُجد مع ذوي الديانة كان حقه عندهم ليس منة منهم؛ بل واجبًا دينيًا يمليه عليه دينهم.
وقد لجأ بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية إلى الشريعة الإسلامية ليحمي نفسه من طغيان العالمانية التي أرادت أن تفرض عليه قانونًا يخالف ما يراه تشريعًا دينيًا عنده -بغض النظر عما نراه نحن في هذه القضية-.
إذن فالشباب المصري بأغلبيته المسلمة ومَن شارك معهم من النصارى خرج ليرفع الظلم عن الشعب، لا لكي يستبدله بظلم آخر أشد مِن استبداد طائفة قليلة مِن الأمة ممن انبهر أو بُهر بالنموذج الغربي، ويريدون أن يفرضوه على الأمة وعلى شبابها.
ولذلك فقد حرص الدكتور "محمد يسري" الذي يدير تكوين "الجبهة الشرعية للحفاظ على الحريات" أن تكون الصدارة لعلماء أجلاء مِن الأزهر على رأسهم الشيخ "نصر فريد واصل" مفتى الديار الأسبق، وانضم إلى هذه الحملة جمع كبير من رموز السلفية منهم الشيخ "محمد إسماعيل" والشيخ "سعيد عبد العظيم" والشيخ "أحمد فريد" والشيخ "ياسر برهامى".
وأما الآن وقد تكلم "شيخ الأزهر" بكل ما يحمله هذا المنصب من قوة وتأثير؛ فنحن في قمة السعادة والفرح، ونحن نطير بتصريحاته، ونكون جنودًا مخلصين في نقلها وإلى أقصى الآفاق؛ ليعلم الجميع أنه إذا تعلق الأمر بالهوية الإسلامية فالأمة كلها يد واحدة، و"الأزهر" وشيخه في الصدارة.
وجاءت تصريحاته عن المادة الثانية في الدستور لجريدة "اليوم السابع" في غاية القوة والوضوح، حيث أكَّد -حفظه الله-: "أن المادة الثانية من الدستور ليست مطروحة للتغيير أو التحديث، والاقتراب منها بمثابة محاولة لنشر الفتنة، فالمادة الثانية من الدستور هي من ثوابت الدولة والأمة، والحديث في تلك المادة هو مصادرة للديمقراطية التي نأمل الوصول إليها، ومصادرة على الحريات".
كما أن "شيخ الأزهر" ملك الشجاعة الكافية ليعترف أنه نهى عن المظاهرات لما غلب على ظنه من مفاسدها، ولكنه في ذات الوقت يحيي الشباب الذي ضحى بنفسه في سيبل إزالة المظالم، حيث قال:
"فالموضوع كان غامضًا، وإننا في الأزهر نقول ما يمليه علينا الحق والشرع، وما قلته يوم الجمعة من أن الخروج للمظاهرات حرام، فقد بدا لي أن الشباب مستمرون، وأن النظام سيتم ضبطه بتدخل الجيش، وأن خروج أعداد متزايدة للوقوف بجانب الشباب سيؤدي إلى وجود دماء، فكان الخلق يحتم علىَّ قول ذلك".
وهذا يوافق إلى حد كبير موقف الدعوة السلفية بالإسكندرية، إلا أننا لم نفت بتحريمها، ولم نلزم أحدًا بعدم الخروج، ولم نخوِّن أحدًا منهم خرج؛ بل طالبنا السلطات علنًا ودومًا بالحفاظ على الدماء والأموال والأعراض.
إذن "الأزهر" لم يسع إلى اختطاف الثورة.
و"الدعوة" لم تسع إلى اختطاف الثورة.
ولم نغير كلامنا بعد نجاحها؛ بل ما زالنا نعلم الأمة ضرورة قياس المصالح والمفاسد بغض النظر عن نجاح تجربة ما سارت على خلاف ما حسب لها الجميع رحمة من الله -عز وجل-.
ولكن من يريد أن يختطف الثورة بالفعل:
بعض الصحافيين الذين كانوا -هم أو الجرائد التي يعملون فيها على الأقل- خط الدفاع الأول عن الفساد، وكانوا يرون أن مصر تعيش أزهى عصور الحرية، وكانوا يرون أن "أحمد عز" يمثل نموذج لـ "رجل الأعمال الشريف" و"السياسي المحنك"، وأن فشل المعارضة و"الإخوان" في انتخابات "مجلس الشعب" السابقة راجع إلى حب الناس للرئيس، ولنجل الرئيس، ولنظام الحكم عمومًا!
ثم لما خرج الشباب لم يقولوا لهم: "نخاف عليكم من بطش الظالمين" كما قلنا نحن بمنتهى الوضوح، وكما قال "الأزهر" أيضًا، ولكن قالوا لهم: "يا عديمي الأدب ومنعدمي الضمير، كيف تعيثون في الأرض فسادًا وتفسدون واحة الديموقراطية؟".
ثم لما نجحت الحركة غيَّروا الدفة 180 درجة ليتكلموا عن الأبطال الذين حرَّروا مصر من عصابة الأشرار، ومع ذلك أعرض عنهم الجميع لأنهم لا يتسأهلون الرد.
حتى خرج علينا أحدهم يحذر من أن السلفيين سوف يسرقون الثورة لمجرد أنهم قالوا "لا مساس بهوية الأمة" "ولا مساس بمادة الشريعة في الدستور تلك المادة التي تؤمن بها الأغلبية الساحقة من المتظاهرين".
وبفرض أن هؤلاء القوم يظنون أن الأغلبية معهم؛ فما الذي يزعجهم أن ينظم فريق من الناس مؤتمرًا علميًّا سلميًّا هادئًا يوضحون فيه رؤيتهم، ويكسبون الأنصار لفكرتهم -إذا افترضنا أنها خاصة بهم-، أليست هذه هي حرية الرأي التي يزعمون أنهم يؤمنون بها؟ أم أنهم ما زالوا متوهمين أن حرية الرأي مرادفة لحرية الطعن في الدين، وأما الدفاع عنه فلا مجال فيه إلا للبلاغات الأمنية؟!
نعم هذا هو الأسلوب الذي يجيده بعض مَن يزعمون التحرر والتنور، لا يجيدون إلا الاستغاثة بالأجهزة الأمنية؛ لأنهم أعجز مَن أن يناقشوا قضية الانتماء إلى الدين والالتزام بأحكامه.
ولكن لما كانت الحالة الأمنية لا تحتمل الآن الاستغاثة بالأمن وجَّه الصحفي "أشرف صادق" في جريدة الأهرام -الصادرة بتاريخ 13 من ربيع الأول 1432 هـ - 16 فبراير 2011م- نداءه إلى الجيش لكي يتدخل، وكأن الغزو الإسرائيلي قد حل بالبلاد، وهذه الجريدة وهذا الكاتب لم نسمع منهما استغاثة بالجيش لما هاجم البلطجية الشباب المعتصمين في التحرير، ولكننا -بفضل الله- كنا فيمن ناشد الجيش أنه لا يصح التزام الحياد بين فريقين أحدهما أعزل و الآخر مدجج بالسلاح ومجهز بالخيل والجمال، وقد كان بفضل الله.
ويا أيها المستغيث بالجيش: لقد رأى رجال القوات المسلحة بأنفسهم السلفيين وهم يحمون المجتمع بأسره من مسلمين ونصارى.
والجيش لم يجد أفضل من إرسال رسائل قصيرة على المحمول يشكر إخواننا السلفيين في العريش لصدهم هجومًا استهدف كنيسة.
الجيش الذي تسلم الأسلحة والمسروقات بالتعاون مع السلفيين -الذين وفقهم الله لاسترجاعها من أيدي العابثين- يدرك أن السلفيين يريدون مصلحة البلاد والعباد.
ترى هل يضم هذا الكاتب "شيخ الأزهر" إلى بيانه التحريض؟ أم يعتذر عنه؟ أم يسكت أبد الدهر؟
أم يستمر مغردًا خارج السرب؟ فلا "الأزهر" سيتراجع، ولا السلفيون سيتوقفون، ولا الجيش سيوجه سلاحه إلى الشعب لا سيما مَن لمس منهم حرصًا حقيقيًا على مصلحة العباد، ولا الشعب سوف يسمع لمن يدعوه بمثل هذه الدعوات، وقبل هذا وبعده.. فإن الله من ورائهم محيط.