بسم الله الرحمن الرحيم
التعبير عن مشاعر الحب بين الزوجين من أسس الحياة الزوجية السليمة , ودليل على المشاعر والعواطف المتدفقة بينهما , فتجديد الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة من حين لآخر شيء ضروري وهام حتى لا تتعرض حياتهم للملل والروتين الذي يشعر بهما أزواج عديدة.
وتظهر كثير من الأبحاث أن أهم سبب لضعف العلاقات الزوجية وتدهورها هو قلة الوقت الذي يقدمه كل من الزوجين لنمو هذه العلاقة، فتعقيدات الحياة وكثرة مشاغلها الفوضوية أحيانًا تحرم كثيرًا من الأزواج فرص المعايشة وقضاء الوقت المشترك , والتعبير عن مشاعر الحب الفياضة .
والتعبير عن مشاعر الحب بين الزوجين له وسائله المتعددة والمتنوعة فمنها : التعبير عن الحب بإخلاص كل من الزوجين للأخر , وكذا بالاحترام والتقدير المتبادل , وكذا بالأفعال والتصرفات والاهتمام , وأيضاً بالهدايا والرسائل وحسن المشاركة والتعاون , وبالتفاهم الذي هو من أفضل الوسائل للتعبير عن الحب بين الزوجين، وهو محاولة فهم كل طرف للطرف الآخر بعد أن يفهم نفسه ودوره في الأسرة، وبالتالي يستطيع أن يتعامل مع طرفه الآخر المعاملة الصحيحة ويعبر عن حبه دون حياء لأن الزوجة أصبحت جزءًا من زوجها، وكذلك الزوج أصبح جزءًا منها.
ولكن يبقى التعبير عن الحب بالكلام من أفضل الوسائل وأنجحها وأقصرها طريقاً إلى القلب والوجدان , لذا فقد وجدنا الدين الإسلامي الحنيف يحثنا على التعبير عن مشاعر الحب والود تجاه الآخرين , قال تعالى : " وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " . سورة البقرة , وقال على لسان هود عليه السلام : " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) سورة الأعراف , وقال على لسان مؤمن آل فرعون : " وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) سورة غافر , وقال لهم أيضاً : " وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) سورة غافر .
ولقد حثنا الإسلام الحنيف على التعبير عن مشاعر الحب والود تجاه الآخرين وإخبارهم بهذا الحب , فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ ، أَبِي كَرِيمَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ، فَلْيُعْلِمْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ. أخرجه أحمد 4/130(17303". والبُخَارِي في الأدب المفرد 542 .
وعَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ ، أَنَّهُ أَتَى إِلَى أَبِى أُمَيَّةَ فِي مَنْزِلِهِ ، فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ : إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ ، فَلْيَأْتِهِ فِي مَنْزِلِهِ ، فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ ِللهِ.
وَقَدْ جِئْتُكَ فِي مَنْزِلِكَ. أخرجه أحمد 5/145(21619).
فإذا كان هذا مع عامة الناس فما بالنا في العلاقة الخاصة بين الزوجين والتي وصفها الله تعالى بأروع الأوصاف فقال: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم.
ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التعبير عن مشاعر الحب تجاه أزواجه , فها هو صلى الله عليه وسلم يعترف أمام الجميع بحبه لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها , فعَنْ أَبِي عُثْمَانَ ؛ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ ، فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : عَائِشَةُ ، قُلْتُ : مِنَ الرِّجَالِ ؟ قَالَ : أَبُوهَا ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : عُمَرُ ، فَعَدَّ رِجَالاً.
- وفي رواية : عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ ، قَالَ : فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : عَائِشَةُ ، قُلْتُ : مِنَ الرِّجَالِ ؟ قَالَ : أَبُوهَا ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : عُمَرُ ، فَعَدَّ رِجَالاً ، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ. أخرجه أحمد 4/203(17964) و"البُخَارِي" 5/6(3662) و"مسلم"7/109(6253).
عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ الله عنها ، قَالَتْ: قُلْتَُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارَايْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ اكِلَ مِنْهَا ، وَوَجَدْتَ شَجَرا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا ، فِى ايِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ قال : فِى الَّذِى لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا . تَعْنِى انَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرا غَيْرَهَا. أخرجه البخاري9/120.
بل كان عليه الصلاة والسلام لا يترك مناسبة إلا عبر لها عن حبه لها واعتزازه بها ,عَنْ أبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ . أَنَّ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهِ عَنْهَا ، زَوْجَ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَاعَائِشُ ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكَ السَّلامَ . قُلْتُ : وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ . قَالَتْ : وَهُوَ يَرَى مَا لا نَرَى. أخرجه أحمد 6/55 و"البُخَارِي" 8/69 و"مسلم" 7/139.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَحرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ ، انَّهُ قَالَ يَوْما : إلا أحدثكم عَنِّى وَعَنْ أمِّى . قَالَ فَظَنَنَّا انَّهُ يُرِيدُ أمه التي وَلَدَتْهُ . قال : قَالَتْ: عَائِشَةُ إلا أحدثكم عَنِّى وَعَنْ رَسُولِ اللَّه ِ صلى الله عليه وسلم قلنا بَلَى . قال : قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ ليلتي التي كَانَ النَبِيُّ ُ صلى الله عليه وسلم فيها عندي ، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ ، وَبَسَطَ طَرَفَ إزاره عَلَى فِرَاشِهِ ، فَاضْطَجَعَ. فَلَمْ يَلْبَثْ إلا رَيْثَمَا ظَنَّ أن قَدْ رَقَدْتُ. فَاخذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدا ، وَانْتَعَلَ رُوَيْدا ، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخرَجَ. ثُمَّ أجافه رُوَيْدا ، فَجَعَلْتُ درعي في راسي ، وَاخْتَمَرْتُ ، وَتَقَنَّعْتُ ازَارِى ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إثره . حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ . فأطال الْقِيَامَ . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ . ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ . فأسرع فأسرعت . فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ . فَاحْضَرَ فأحضرت . فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْت . فَلَيْسَ إلا أن اضْطَجَعْتُ فَدَخَل . فَقال : مَا لَكِ يَا عَائِشُ ؟ حَشْيَا رَابِيَةً ، قَالَتْ: قُلْتُ: لا شيء . قال : لَتُخْبِِِرِينِِي أو ليخبرني اللَّطِيفُ الْخَبِير . قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بأبي أنت وأمي. فأخبرته قال : فأنت السَّوَادُ الذي رأيت أمَامِى . قُلْت: نَعَمْ . فَلَهَدَنِى في صدري لَهْدَةً أوجعتني ثُمَّ قال : أظننت أن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟ قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ . نَعَمْ . قال : فَانَّ جِبْرِيلَ أتاني حِينَ رأيت . فناداني. فَاحفَاهُ مِنْكِ . فَاجَبْتُهُ . فَاحفَيْتُهُ مِنْكِ . وَلَمْ يَكُنْ يدخل عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَك .ِ وَظَنَنْتُ أن قَدْ رَقَدْتِ . فَكَرِهْتُ أن أوقظك . وَخشِيتُ أن تستوحشي . فَقال : أن رَبَّكَ يأمرك أن تأتى أهل الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ . قَالَتْ: قُلْت: كَيْفَ أقول لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قال : قولي: السَّلامُ عَلَى أهل الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَاخرينَ وإنا ، إن شاء اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ. أخرجه أحمد 6/221 . و"مسلم" 3/64 .
ولقد وصل الحب بين عائشة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم إلى درجة التواصل بالمشاعر والكلام بطريق غير مباشر , فعَنْ عُرْوَةَ ،عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِني لأعلم إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ : فَقُلْتُ : وَمِنْ أين تَعْرِفُ ذَالِكَ ؟ قَالَ : أما إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لا . وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى ، قُلْتِ : لا . وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ . قَالَتْ : قلْتُ : اجَلْ . وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ. أخرجه أحمد 6/30 و"البُخَارِي" 7/47 و"مسلم" 7/134 و135.
وحتى في لحظة الخلاف لا تُنسى الكلمات الطيبة , عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال : جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ ، فَقَالَ : يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ ، وَتَنَاوَلَهَا ، أَتَرْفَعِينَ صَوتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : فَحَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، قَالَ : فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا : أَلاَ تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ ؟ قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا ، قَالَ : فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. أخرجه أحمد 4/271(18584) و"أبو داود"4999.
عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه و سلم استعذر أبا بكر عن عائشة ولم يظن النبي صلى الله عليه وسلم أن ينالها بالذي نالها فرفع أبو بكر يده فلطمها وصك في صدرها فوجد من ذلك النبي صلى الله عليه و سلم وقال : ( يا أبا بكر ما أنا بمستعذرك منها بعدها أبدا ) . أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 319 / 1314) الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 943 .
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أن تكون كلمات الشكر والحب هي السائدة بين الزوجين وبخاصة من ناحية المرأة , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَى امْرَأَةٍ ، لاَ تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا ، وَهِيَ لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ. أخرجه النَّسائي في "الكبرى" 9086 الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 518.
وعَنْ أسْمَاءَ ابْنَةِ يَزِيدَ الأنْصَارِيَّةِ ؛مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَأنَا فِي جِوَارِ أتْرَابٍ لِي ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا ، وَقال : إِيَّاكُنَّ وَكُفْرَ الْمُنَعَّمِينَ ، وَكُنْتُ مِنْ أجْرَئِهِنَّ عَلَى مَسْألَتِهِ . فَقُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِّ ، وَمَا كُفرَانُ الْمُنَعَّمِينَ ؟ قال : لَعَلَّ إِحْدَاكُنَّ تَطُولُ أيْمَتُهَا بَيْنَ أبَويهَا ، ثُمَّ يَرْزُقُهَا اللهُ زَوْجًا ، وًيرْزُقًهَا مِنْهُ وَلَدًا ، فَتَغْضَبُ الْغَضْبَةَ فَتَكْفُرُ . فَتَقُول: مَا رَأيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.. أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) (1048).
بل إن الإسلام رخص في الكذب بين الزوجين في مجال التعبير عن المشاعر والأحاسيس , عَنْ أسْمَاءَ بنْتِ يَزِيدَ ؛ قالت: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ في ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا ، وَالْكَذِبُ في الْحَرْبِ ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ. أخرجه أحمد 6/454 و"التِّرمِذي" 1939 الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 74 .
بل قدر النبي صلى الله عليه مشاعر الحب حتى بين المتحابين , فعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ؛كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كأني أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا وَيَبْكِى وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ يَا عَبَّاسُ أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِى قَالَ إِنَّمَا أَشْفَعُ قَالَتْ لاَ حَاجَةَ لي فِيهِ. أخرجه أحمد 1/215(1844) و"الدارمي" 2292 و"البُخاري" 7/62(5283) و"أبو داود" 2231 و"ابن ماجة" 2075 و"النَّسائي" 8/245 .
بل لم يمنع صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير في قصيدته (بانت سعاد) والتي أنشدها أمامه في المسجد الحرام من أن يبدأها بالغزل فقال :
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مُتَبْولُ * * * مُتَيّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إذْ رَحَلُوا * * * إلّا أَغَنّ غَضِيضُ الطّرْفِ مَكْحُولُ
هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً * * * لَا يُشْتَكَى قِصَرٌ مِنْهَا وَلَا طُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذَا ابْتَسَمَتْ * * * كَأَنّهُ مُنْهَلٌ بِالرّاحِ مَعْلُولُ
ويقال إنه لما أنشد رسول الله قصيدته أعطاه بردته، وهي التي صارت إلى الخلفاء. انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة(2/487).
وكذا سار الصحابة والتابعون على هذا النهج النبوي الكريم في التعبير عن مشاعر الحب بين الزوجين , جاء في : سير أعلام النبلاء (2/472),والسيرة الحلبية 3/83,و الوافي بالوفيات 16 / 318 ,, للبري 1/241ة, و أخبار مكة للفكهاني 7/464 ) : أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قد تزوج عاتكة بنت عمرو بن نفيل وكانت من أجمل نساء قريش وكان عبد الرحمن من أحسن الناس وجها وأبرهم بوالديه فلما دخل بها غلبت على عقله وأحبها حبا شديدا فثقل ذلك على أبيه فمر به أبو بكر يوما وهو في غرفة له فقال يا بني إني أرى هذه أذهلت رأيك وغلبت على عقلك فطلقها قال لست أقدر على ذلك فقال أقسمت عليك إلا طلقتها فلم يقدر على مخالفة أبيه فطلقها فجزع عليها جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب فقيل لأبي بكر أهلكت عبد الرحمن فمر به يوما وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس ويقول هذه الأبيات :
أعاتِكُ لا أنساكِ ما ذرَّ شارِقٌ * * * وما ناح قُمْرِيُّ الحمامِ المُطَوَّقُ
أعاتِكُ قلبِي كلَّ يوم وليلة * * * لديك بما تُخفي النفوسُ مُعلَّقُ
لها خُلُقٌ جَزْلٌ ورأيٌ ومنطقٌ * * * وخَلْقَ مصونٌ في حياءٍ ومصدَقُ
فلم أرَ مثلي طلَّق اليوم مثلَها * * * ولا مثلَها في غير شيءٍ تُطَلَّقُ فسمع أبو بكر قوله فأشرف عليه وقد رق له فقال يا عبد الله راجع عاتكة فقال أشهدك أني قد راجعتها وأشرف على غلام له يقال له أيمن فقال له يا أيمن أنت حر لوجه الله تعالى أشهدك أني قد راجعت عاتكة ثم خرج إليها يجري إلى مؤخر الدار وهو يقول:
أعاتِكُ قد طُلِّقتِ في غيرِ رِيبةٍ * * * ورُوجعتِ للأمر الذي هو كائِنُ
كذلك أمرُ الله غادٍ ورائحٌ * * * على الناس فيه أُلفةٌ وتبايُن
وما زال قلبي للتَّفرُّق طائراً * * * وقلبِي لما قد قَرَّب اللهُ ساكِنُ
ليَهْنِكِ أني لا أرى فيكِ سَخْطةً * * * وأنك قد تَمَّتْ عليك المحاسنُ
قال الزّبير حدثني أبي، قال: كان عندنا بالمدينة رجلٌ من قريش كانت له امرأة تعجبه ويعجبها، وكانت تحول بينه وبين طلب الرّزق، وكلّ ذلك يحتمله لشدّة محبّته إيّاها فلمّا ساءت حاله وكثر دينه قال:
إذا المرء لم يطلب معاشاً لنفسه * * * شكى الفقر أو لام الصّديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلاًّ وأوشكت * * * قلوب ذوي القربى له أن تنكّرا
فسر في بلاد الله والتمس الغنى * * * تعش ذا يسارٍ أو تموت فتعذرا
ولا ترض من عيشٍ بدونٍ ولا تنم * * * وكيف ينام الليل من كان معسرا
وما طالب الحاجات من حيث يبتغي * * * من النّاس إلاّ من أجدّ وشمّرافلّما أصبح قال لامرأته: أنا، والله أحبّك، ولا صبر لي على ما نحن فيه من ضيق العيش، فجهّزيني. فجهّزته، فخرج حتّى قدم على معاوية بن أبي سفيان فقام بين الصّفّين، فأخبره بحاله، وأنشده الشّعر. فرقّ له، وأمر له بألف دينارٍ وقال له: لقد دلّني حالك على محبّتك لأهلك وكراهيّتك لفراقهم فخذ وانصرف إليهم فأخذها وانصرف راجعاً. ابن الجوزي : أخبار النساء 5.
وقيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عمل عندك؟قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبي. فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان! أسألك بالله أن تتزوجني، فأحضرت أباها، وكان فقيراً فزوّجني منها، وفرح بذلك.فلما دخلت إليّ رأيتها عوراء، عرجاء مشومة!! قال: وكانت لمحبتها لي تمنعني الخروج فأقعد حفظا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئا. فبقيت هكذا خمس عشر حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي لقلبها. ابن الجوزي : صيد الخاطر132.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى " وقيل : تزوج رجل بامرأة فلما دخلت عليه رأى بها الجدري , فقال اشتكيت عيني , ثم قال :عميت , فبعد عشرين سنة ماتت ولم تعلم أنه بصير, فقيل له في ذلك , فقال : كرهت أن يحزنها رؤيتي لما بها ! فقيل له سبقت الفتيان.مدارج السالكين 2/326.
فلا يقلد الزوج في التعبير عن مشاعره تجاه زوجته ذلك الشاعر الذي هجا زوجته فقال في وصفها :
لَهَا جِسْمُ بُرْغُوثٍ وَسَاقُ بَعُوضَةٍ * * * وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْقِرْدِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ
تَبْرُقُ عَيْنَاهَا إذَا مَا رَأَيْتَهَا * * * وَتَعْبِسُ فِي وَجْهِ الْجَلِيسِ وَتَكْلَحُ
لَهَا مضحك كَالْحَشِّ تَحْسِبُ أَنَّهَا * * * إذَا ضَحِكَتْ فِي أَوْجُهِ النَّاسِ تَسْلَحُ
إذَا عَايَنَ الشَّيْطَانُ صُورَةَ * * * وَجْهِهَا تَعَوَّذَ مِنْهَا حِينَ يُمْسِي وَيُصْبِحُ
فكان عقابه أنها جمعت له عشيرتها فأوسعوه ضرباً ومنعوه من دخول البيت .بل عليه أن يكون كابن زريق البغدادي الذي سافر بحثا عن لقمة العيش فاشتاق إلى زوجته فأرسل لها هذه الرسالة التي قال فيها :
أَسْتَوْدِعُ الله في بَغْدَادَ لِي قَمَراً **** بالكرخِ منْ فلكِ الأزرارِ مطلعهُ
ودعتهُ وَبودي أنْ تودعني **** رُوحَ الحَياة ِ وأَنِّي لا أَوَدِّعُهُ
وَكمْ تشبثَ بي يومَ الرحيلِ ضحى ً **** وَأدمعي مستهلاتٌ وأدمعهُ
وَكمْ تشفعَ في أنْ لا أفارقهُ **** وَللضرورة ِ حالٌ لاَ تشفعهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ **** وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ **** كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا **** جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ لِمَهرٍ لا يُمَتِّعُنِي **** بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً **** فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا **** جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُوكما قال الصمة القشيري :
حَنَنتَ إلى رَيّا ونفسُك باعدتْ ****مَزَارَك من رَيّا وشَعْباكُما مَعا
فما حَسَنٌ أن تأتيَ الأمرَ طائعاً ****وتجزَعَ أَنْ داعي الصبابة أسمْعا
بكتْ عينيَ اليُمَنى فلما زجرتُها ****عن الجهل بعد الحلم أَسْبلتا معا
وأذكرُ أيّامَ الحِمَى ثم أنثني ****على كَبِدي من خشيةٍ أن تَصدّعا
فليست عشيّاتُ الحِمَى برَوَاجع ****عليك ولكن خَلِّ عينيك تَدْمَعَا أو كما قال ابن زيدون :
أضْحَى التّنائي بَديلاً مِنْ تَدانِينَا * * * وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا* * * شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا* * * يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما* * * كُنْتُمْ لأروَاحِنَا إلاّ رَياحينَا
لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا * * * أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!
إنْ كان قد عزّ في الدّنيا اللّقاءُ بكمْ * * * في مَوْقِفِ الحَشرِ نَلقاكُمْ وَتَلْقُونَا
أو كما قال آخر :
بنتُم وبنّا فما ابتلت جوانحنا * * * شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا * * * يقضي علينا الأسى لولا تأسّينا
إن كان قد عزّ في الدنيا اللقاء * * * ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
إن مشاعر الحب مشاعر سامية وهي معنوية موطنها القلب, والقلب عالم مغيب لا يوصل على ما بداخله إلا ببريد، كاللسان مثلاً, فاللسان هو واحد من وسائل التعبير عن أحاسيس القلب ومشاعره, والمشاعر الرقيقة الجياشة في القلب وحدها لا تكفي لنمو الحب بين الزوجين ولكن إظهار هذه المشاعر وإخراجها من حيز القلب إلى الرحاب الواسع هو المطلوب , فالتعبير عن الحب بين الزوجين يكون سبباً في دوام السعادة والتفاهم والود بينهما , وفي إشاعة روح التفاؤل والأمل بين جميع أفراد الأسرة .