شيخ الأزهر يلقن البابا "درساً فى حوار الأديان" الإسلام يدعوا للرحمة والكتاب المقدس يدعوا للعنف
اسمح لي
قداسة البابا بأن أتحدث إليكم باعتباري أستاذا في علوم العقيدة والفلسفة الإسلامية, يخاطب أستاذا وعالما ضليعا في علوم الفلسفة واللاهوت المسيحي ــ وبعيدا عن البابوية وقداستها ــ: ألا تتفقون معي في أن المسيحية هي أحفل الأديان بخوارق العادات وأكثرها اعتمادا علي المعجزات في إيمانها بالمسيح عليه السلام! وهل المعجزات إلا حوادث وتصرفات تتجاوز حدود العقل وتصطدم بشرائع الكون ونواميسه!! ثم ماهي أدلة العقول التي يمكن أن أعثر عليها في الأناجيل للتصديق بسيدنا عيسي عليه السلام؟! أليست هي الخوارق والخوارق وحدها!! وماذا كانت الأدلة التي أعتمد عليها التلاميذ الإثنا عشر الذين أرسلهم يسوع لهداية الناس؟! أليست هي شفاء المرضي, وإحياء الموتي من قبورهم, وإبراء الأبرص وطرد الشياطين والأرواح النجسة!! كما يخبرنا الإصحاح العاشر في إنجيل متي!! ثم ألا تتفق معي في أن الفيلسوف الألمانيكانت الذي ورد ذكره في سياق محاضرتكم إنما أحال ملف الاعتقاد المسيحي برمته إلي العقل العملي, لأنه لم يستطع أن يؤسس هذا الاعتقاد علي أساس من العقل النظري وقال قولته الشهيرة:
لقد اضطررت أن أرفع المعرفة لكي آخذ مكانا للايمان, بينما أجمع فلاسفة المسلمين ــ وكما تعلمون ــ علي تأسيس الاعتقاد الإسلامي علي العقل والعقل وحده, يحفزهم إلي هذه العقلانية عشرات الآيات القرآنية التي تؤصل العقل كأساس للإيمان في أكثر من120 موضعا كما ذكرنا.. بل تحفزهم الآية التي تقول فاعلم أنه لا إله إلا الله وليس: فاعتقد أو آمن أنه لا إله إلا الله.. ومالي أذهب بعيدا وهذا هو القديس أنسليم يقول:يجب أن تعتقد أولا بما يعرض علي قلبك دون نظر.. ولكم أن تقارنوا بين الإيمان المسيحي الذي يشترط عدم النظر العقلي وبين الإيمان الإسلامي الذي يشترط سبق النظر العقلي علي كل خطوة في مشوار الإيمان. ووقتها سنعرف إن كان الإسلام دين عقل أو دين خوارق مضادا للعقل ومضادا لجوهر الله, ومحاضرتكم نفسها ليست إلا تجسيدا لأزمة حقيقية بين الدين في منظوركم وبين العقل والعقلانية, فعنوانها هو: العقيدة والعقل والجامعة.. بما يشي بأن هذا الثالوث ثالوث بين متضادات تتطلع إلي المصالحة والمواءمة, وفي بدايتها تؤكدون علي هذه الأزمة حين قلتم: إن صيحات جامعية تتساءل: كيف تمكن المحافظة علي عقلانية الجامعة
وبها كليتان تتحدثان عن لامعقول غير موجود هوالله..ومن وجهة نظري فإن الذهنية الغربية التي تتقاصر عن إدراك الإلهيات, وتنزل كل متعال إلي الأرض, وتحصر معيار الذكاء الإنساني في الصناعة والاختراع المادي هي المسئولة عن تضخيم الفجوة بين العقل والإيماني المسيحي.. وتحضرني في هذا المجال الحكمة التي تقول: إن المسيحية حين انتقلت إلي روماترومت النصرانية ولم يتنصر الروم ونحمد الله أن المسيحية الشرقية لاتزال تحتفظ بتقليدها وموروثها الحقيقي. ولعلكم تتفقون معي في أن الفكر المسيحي في عصره الوسيط كثيرا ما جنح لافتعال خصومه حادة مع العقل ومع العلم أيضا, وأن العقلانية التي تصالح معها إنما كانت بعضا من رشحات العقلانية الإسلامية واليونانية, التي حفظها المسلمون في ترجماتهم.. ولعلكم تسلمون أن اللاهوت المسيحي لعب دورا تاريخيا معلوما في تعطيل مسيرة العلم في أوروبا, وأن العقلانية الأوروبية لم تتقدم إلا بعدما أدارت ظهرها للاهوت ورجاله. أما المغالطة المكرورة والمملولة أيضا, والتي تقول إن الإسلام جاء بالسيف وبالعدوان فإني أستسمح البروفيسور الكاثوليكيخوري
في أن أذكره بأن نبي الإسلام لم يقل لنا في القرآن:لاتظنوا أني جئت لألقي سلاما علي الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا.. فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه, والأبنة ضد أمها.. ألخ ولم يأمرنا نبي الإسلام بأن نتعامل مع أعدائنا بأن:نقتل جميع الرجال والنساء والأطفال والرضع والبقر والغنم والإبل والحمير.. وسعادة البروفيسور الكاثوليكي أعلم مني بهذه النصوص وبمن نسبت إليه, وفي أي الكتب المقدسة تقرأ وتتلي.. وهاهنا حوار عميق يمنعني ديني من الانجراف إليه.. وأكتفي بالإشارة إلي أن النساء والأطفال والرضع والبقر والغنم.. ألخ. يحرم قتلهم في شريعة الإسلام, حتي وهم في معسكر العدو.. كما أشير إلي أن مايحدث الآن من وحشية في تدمير البيوت علي أصحابها من رجال ونساء وأطفال وحيوانات إنما هو أثر هذه النصوص التي خلقت حضارات بالغة القسوة في التعامل مع الضعفاء والمستضعفين.. ومن المؤسف أن يروج قداسة البابا اقتباسات يعلم في قرارة نفسه أنها أكاذيب وإسقاطات من أديان أخري علي الإسلام الذي تحرم شرائعه حتي حرق الزرع وقلع الأحجار وقتل الحيوان في السلم وفي الحرب علي السواء.
قداسة البابا!
لقد كان أمام عينيكم مئات الاقتباسات المسيحية المنصفة, وكان في مقدوركم ــ لو أردتم ــ أن توظفوها في نشر المحبة والسلام بين الناس, وهو أول واجباتكم كرجل دين مرموق.. ولكن هكذا شئتم.. ومن جانبي لا أنتظر منكم اعتذارا, لأني أعلم أن مرتبتكم الكنسية تأبي عليكم التراجع, حتي ولو كان إلي الحق, ولكن اسمحوا لي أن أقول: إن سيادتكم ــ كعالم وكفيلسوف ــ لم تلتزم بالمنهج العلمي الرصين في محاضرتكم, وأنكم قفزتم علي بدائه العقول, أكثر من مرة, في محاضرتكم التي كادت تحيي ــ من جديد ــ فلسفة صراع الحضارات
الأهرام